معاناة المملكة السعودية داخلياً وإقليمياً
ناديا شحادة
يعيش النظام السعودي حالة من الإرباك ظهرت بشكل علني في الآونة الأخيرة بعد موت الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتولي الملك سلمان الحكم وتعيين محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، ما أظهر خلافات حادة داخل المملكة بعد أن أخذ الأخير بزمام الأمور في الحكومة، وأشارت تقارير استخبارية وإعلامية عدة إلى تصاعد الخلافات بين الأطراف المتصارعة داخل العائلة الحاكمة وشن بعض الأمراء حملة ضد محمد بن سلمان احتجاجاً على فساده وسياسته الخاطئة، ومن أبرز هؤلاء الأمراء الذين أعلنوا معارضتهم علناً الأمير سعود بن سيف النصر مع الأمير احمد بن عبد العزيز، بخاصة بعد أن قاد «الجنرال الصغير» ابن سلمان العدوان على اليمن، وما أدى إلى فشل السعودية حتى الآن فهي لم تستطع إعادة الحكم في اليمن برئاسة عبد ربه منصور هادي وإنشاء حكومة فيه تابعة لآل سعود فالخسائر الكبيرة التي تلحق بالجيش السعودي والقوات السعودية أظهرت ضعف هذا الجيش ووهنه وهروب جنوده من الجبهات يدل على أن النظام السعودي لا يسعى لخدمة شعبه. وهذا ما أكده خبراء عسكريون سعوديون عديدون.
فالنظام السعودي الذي لطالما حلُم بأن يصبح قائداً للعالم العربي والإسلامي، اتبع سياسة الهجوم والتدخل في شؤون الدول العربية. هذه السياسة التي أضرّت بصورة المملكة وسمعتها إقليمياً ودولياً وتلاشى تأثيرها على المحيط الإقليمي والعربي الذي أصبح يرفض أطروحاتها السياسية والدينية والاجتماعية بعد تدخّلاتها في كل من اليمن بقتل الشعب اليمني تحت مسمّى إعادة الشرعية وفي سورية باعتمادها استراتيجية خاطئة اتبعتها بدعمها الجماعات الإرهابية التي تقاتل الجيش السوري الذي يزيد من تحقيق الانتصارات على
تلك الجماعات يوماً بعد يوم، وكذلك تدخّلها في البحرين بإرسالها أكثر من ألف عسكري سعودي من قوات درع الجزيرة إلى البحرين، لقمع موجة الاحتجاجات الشعبية التي قام بها شباب البحرين في 14 شباط 2011، للمطالبة بأبسط حقوقهم المدنية وبإصلاحات سياسية واقتصادية. هذا التدخل العسكري السعودي وإن جاء في إطار مجلس التعاون الخليجي إلا أنه أثار مشكلات سياسية واعتبر احتلالاً صريحاً. هذا ما أكدته صحيفة «الفاينانشيال تايمز» مؤكدة أن المعارضة البحرينية لم يردعها التدخل العسكري فهي مصمّمة على الاستمرار في الاحتجاجات حتى تحقيق مطالبها الإصلاحية.
فالحروب والتدخلات والفتن التي قام بها نظام آل سعود في دول المنطقة لم ولن تكون من دون نتائج عكسية على النظام السعودي، الذي يعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية المنافس الأقوى له، بخاصة بعد تلقيه صفعات عدة أهمها التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني الذي وضع إيران في مكانتها المناسبة وجعل منها قوة إقليمية عظمى. تلك المكانة التي يطمع بها نظام آل سعود الذي بات يعاني من مشكلات عديدة تهدد بقاءه نتيجة الانتكاسات والضربات المستمرة التي يتلقاها، فها هي صحيفة «الغارديان» تؤكد في مقال لها على أن أميراً سعودياً من أحفاد مؤسس المملكة عبد العزيز بن سعود يؤكد انزعاج العائلة المالكة من الملك الحالي الذي يدير شؤون البلاد. وأوضح أن الملك الحالي ليس بوضع مستقر، وابنه محمد بن سلمان هو مَن يدير شؤون البلاد، ويطالب بتغيير النظام في السعودية التي تواجه اكبر التحديات على الإطلاق، سواء أكانت بالحروب التي قادتها أم بانتقادات إدارة موسم الحج، حيث اثبت النظام السعودي فشله في إدارة موسم الحج، بحيث كان واضحاً ذلك الفشل بالمجزرة التي تعرّض لها الحجاج والتي كانت حادثة رمي الجمرات أخطرها فأدت إلى آلاف القتلى والجرحى منهم. وهذا ما أكده رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حيث قال: أثبت النظام السعودي مرة أخرى عدم كفاءته لإدارة الحرمين الشريفين بوقوع مثل هذه الأحداث الموجعة.
فالظروف الإقليمية لا تصبّ في مصلحة نظام آل سعود وكذلك العوامل الداخلية للسعودية التي تعيش حالة من التململ والغليان الشعبي تجاه السياسات القمعية والتعسفية التي تنتهجها سلطات آل سعود بحق المواطنين والتي باتت تنذر بانفجار الأوضاع وخروجها عن سيطرة الأسرة الحاكمة. ومن المؤكد أن العرش السعودي بات يعيش اليوم حالة من الاضطرابات كأنه على وشك الانهيار في الوقت الذي يهدّده الأمراء الطامحين بالوصول إلى العرش.