عبد العزيز: الكنز السوري لا يتمثل بالنفط أو القطن والقمح إنما بالتعدّدية الثقافية
دمشق ـ آمنة ملحم
ليس صدفة أن يحصد الفيلم السوري «الرابعة بتوقيت الفردوس» لمحمد عبد العزيز نصّاً وإخراجاً، جائزتين في المسابقة الدولية لمهرجان الاسكندرية السينمائي. فما نسجه عبد العزيز بكثير من الشفافية والرقّة عن مصائر سبع شخصيات في 120 دقيقة، خلال يوم واحد في المدينة التي تتأرجح بين الحياة والموت والأسطورة، كان جديراً حقاً بجوائز وتكريمات قد تطول قائمتها. وها هي وزارة الثقافة السورية اليوم، ممثلةً بالوزير عصام خليل، تكرّم أسرة الفيلم كحافز لكلّ الفنانين ليقدّموا دائماً أفضل ما لديهم لسورياهم وجيشها الذي يعانق السهر كي يحمي أحلامهم وطموحاتهم ونتاجاتهم الفكرية، في ظلّ الحرب الشرسة التي تطاردهم وتقضّ مضاجع الجميع، كما لم تشهد البلاد من قبل.
وزير الثقافة عصام خليل قال إنّ تكريم أيّ فنان سوري هو تكريم للفنانين السوريين جميعاً، إذ يكتسب التكريم في هذه المرحلة أهمية خاصة في ظل الظروف التي تعيشها بلادنا في مواجهة الإرهاب. مضيفا أن هذا التكريم هو تكريم للشعب السوري أيضا لصموده واستمراره على رغم الحرب، وإنتاجه الابداع المتألق ليثبت أن سورية كانت مصدر من مصادر الحياة وتصرّ على الحياة مهما كانت الظروف.
وتابع خليل: نفتخر بأيّ فنان يقدّم منجزاً ويُكرَّم بجائزة في الخارج. الفنانون السوريون عبّروا عن التزامهم العميق بقضايا الوطن من خلال مقارباتهم لما يجري في سورية خلال الأزمة، وما قدّموه من فنّ وإبداع، وكل ذلك سيكون لحظة فارقة في تناول الحرب غير المسبوقة على سورية، وإبداء الرأي الوطني والشعبي في هذه الحرب الظلامية ضدّ سورية.
وأعرب خليل عن تمنياته أن يكون هذا التكريم حافزاً للفنانين ليقدّموا أفضل ما عندهم.
مستشار مدير عام مؤسسة السينما الكاتب محمود عبد الواحد، رأى أن فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس» أضاف لوناً جديداً متطوّراً وباقياً إلى السينما السورية. فهو فيلم يحمل حساسية عالية سواء في بناء القصة وطريقة توزيعها وتشابكها والتصوير والمونتاج والتمثيل والإخراج وأسلوب العمل. واعتبر أن أفضل الأفلام السينمائية قدّمت في سورية كانت خلال هذه الفترة، فترة الحرب الإرهابية التي تشنّ علينا، إذ قُدّمت أفلام شكّلت قفزة في السينما السورية لوجود ظرف راهن واستثنائي يستنهض فينا كل ما هو جميل ومبدع، ذلك لأن الثقافة بحدّ ذاتها هي فعل مقاوم للموت وللبشاعة.
«الرابعة بتوقيت الفردوس»، وبشهادة رئيسة لجنة التحكيم في مهرجان الاسكندرية الفنانة إلهام شاهين، ومنذ لحظات عرضه الأولى، برهن عن صناعته بلغة خاصة ومناخ سينمائي لا يشبه أيّ مناخ في السينما العربية وحتى العالمية. مؤكدة وفق ما نقله مدير المؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد لـ«البناء»، أن إجماعاً ساد على أن يكون فيلم الجائزة الذهبية لولا أنّ البعض مالوا للفيلم الألباني المشارك في المهرجان ذاته.
ولا يخفي الأحمد التعبير عن فخره بهذه الجائزة التي لم يحظ أيّ فيلم سوريّ بها من قبل في أي مهرجان تشارك فيه ثلّة من أهم دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ما يؤكد أنّ الأمم العريقة تقدّم إنتاجاتها الفكرية في سنوات الصعوبات والأزمات، ولسورية حضارتها المتجذرة في عمق التاريخ، الممتدة لآلاف السنين، ما يجعلها مستهدفةً لا سيما من دول لا تملك الحضارة والعراقة.
الجائزتان ستسجّلان إضافة هامة إلى سِجلّ السينما السورية العريقة بتوجّهاتها وأفلامها الاحترافية على حدّ تعبير الأحمد.
مخرج الفيلم ومؤلّفه، يرى في حديثه إلى «البناء» أنّ هاتين الجائزتين: جائزة لجنة التحكيم ـ جائزة فاتن حمامة لأفضل ممثلة، قيمة معنوية كبيرة، ويعتبر الفوز بهاتين الجائزتين إنصافاً لعمله، لا سيما في ظل ما تعيشه بلاده. فهذا إثبات لقدرات السوريين ثقافياً وحضارياً وفكرياً في زمن الحرب.
وحول رسالة فيلمه، يبقى عبد العزيز مصرّاً على نظرته الخاصة إلى السينما وما يقدّمه عبرها. فهو يؤكد أنه لا يضمّن أفلامه رسائل، ولا يميل إلى الفيلم الذي تُستخلَص منه رسالة ما. إنما يعيد في أعماله صوغ بعض المفاهيم والأفكار تُفهم بحسب كلّ متلقي ومخزونه المعرفي والبصري. ويتميز فيلمه هذه المرة بانتمائه إلى السينما الجديدة على حدّ تعبيره من حيث الشكل والمضمون السرديّ الذي عمل عليه، وهو مقترح جديد لصيغة الفيلم السينمائي السوري.
كما ينزع عبد العزيز في أفلامه إلى الإغراق في النسيج السوري. فالكنز السوري لا يتمثل بنظره بالنفط أو القطن والقمح، إنما بالتعددية الثقافية من خلال المكوّنات السورية. لذا يسعى على الدوام إلى ملامسة هذا النسيج ليقول من خلاله ما يريد. وهذا ما فعله في «الرابعة بتوقيت الفردوس»، عبر سبعة خطوط ألقى من خلالها الضوء على مكوّنات ثقافية سورية في ظلّ الوضع القائم. مقولته قدّمها بأبطال ليسوا نجوماً في السوق الدرامية، فموضوع الفيلم هو بطله الأول على حدّ تعبيره. ويعتبر أنّ السينما السورية تتميّز بأنها ليست شباك التذاكر، أو نجوماً بالمفهوم التقليدي. فنجمها يتمثل بحكاية الفيلم. وهذا المغري الأهمّ له في عالمها.
وفي وقتٍ لا يعتبر عبد العزيز نيله الجائزة خارج بلاده أولاً، تقصيراً بحق ما قدّمه، كون لا مهرجانات تقام لدينا، تبدي الفنانة نوار يوسف صاحبة جائزة أفضل ممثلة في الفيلم، غصّة كونها لم تكرّم في بلدها أولاً. وتعبّر عن سعادتها الكبيرة وفخرها بتلك الجائزة التي لم تكن تتوقّعها. إلا أنها واثقة من أهمية ما قدّمته في الفيلم، وإيمانها بطروحاته. ما جعلها تحلق شعرها في سبيل حكايته لتجسّد دور الزوجة المريضة بالسرطان. وها هي اليوم تحصد ثماراً غالية لقاء تخلّيها عن «أنوثتها» لفترة زمنية ليست بقليلة، لتصبح اليوم أكثر مسؤولية إزاء ما ستقدّمه لاحقاً بعد هذا النجاح المظفّر الذي أكدت عبّره أنّ السوريين مستمرون وسيقدّمون باستمرار ما يشبههم ويعبّر عن واقعهم.
وعلى رغم أن الجوائز ليست معياراً حقيقياً لتقييم الأفضل برأي المخرج عبد العزيز، إلا أنّ نيل جائزتين في مهرجان من أفضل سبعة مهرجانات في شرق المتوسط بدورته الـ31 لجنة التحكيم فيه دولية من كافة دول حوض المتوسط، يُعتبَر فخراً وإنصافاً لكافة السوريين في عالم لم يعد يعرف فيه السوري مكاناً أو محطة للإنصاف.
يُذكر أن فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس» من تأليف محمد عبد العزيز وإخراجه، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما عام 2014، وهو من تمثيل أسعد فضة، غفران خضور، محمد آل رشي، نوار يوسف، رنا ريشة، سعيد عبد السلام، سامر عمران، يارا عيد، أنطوانيت نجيب، جوان خضر، كنان حميدان، ربى الحلبي، زياد رمضان، مجد فضة، نغم نعيسة، علي القاسم، زهير العمر، وريم عبد العزيز وغيرهم.
ويروي الفيلم الكثير من التفاصيل الحياتية المعاصرة التي تقدّمها شخصيات تمثّل شرائح اجتماعية مختلفة، من بائع متجوّل إلى مثقف سياسي، مروراً بعاشقين تعثرت مسيرة حياتهما، وكذلك عامل الرافعة الذي يرغب بعدم مغادرة وطنه على رغم الظروف، وغير ذلك من الأحداث.