الأسد يرسم ملامح ستالينغراد كبيرة… والغرب يتحوّل!
جمال رابعة
كنت قد كتبت مقالاً في بداية العام الحالي بعنوان «الإرهاب وارتداداته على الأنظمة والدول الراعية» وختمته بسؤال مفاده:
هل أدركت العواصم نتيجة أفعالها؟ وما ارتكبته بحق سورية رئيساً وشعباً وجيشاً؟ وهل اقتنع الغرب الأطلسي بأهمية وقدرة الجيش العربي السوري على اجتثاث الإرهاب في المنطقة وقد بان عجز هذا الغرب وعدم قدرته على تحقيق أيّ نتائج على المدى المنظور من دون اعتماده على طرف قوي في المنطقة.
ها هو اليوم الموعود هلّ علينا وأطلّ بحقائق دامغة أضحت واضحة لكلّ من كان يدّعي أنّ الأمر كان ملتبساً عليه، وتبيّن فيه الخيط الأبيض من الأسود، وظهر وبان للغرب الأطلسي خطر هذه العصابات التكفيرية، وعجزه الميداني عن الوقوف بوجه تمدّدها العابر للحدود بقوات تحالف استعراضي تقوده أميركا بسياسات تميّزت بنفاق وازدواجية المعايير.
بعد أربع سنوات ونيّف من الدعم اللوجستي والمالي لهذه القوى التكفيرية، والتغطية السياسية على مموّليها من آل سعود وآل خليفة وسلاجقة العصر في مقدّمتهم أردوغان، أدرك الغرب الأطلسي خطأه الفادح بالتغاضي والتعاطي بجدية مع الإرهاب، ذاهباً إلى ما كانت تفرضه عليهم الإدارة الأميركية بتوجهات سياسية ذات أهداف ومصالح اقتصادية ضيّقة تحقق بعض المكاسب للشركات والمتنفّذين من الساسة الغربيّين بطريقة شراء الذمم من قبل آل سعود وآل خليفة متجاوزين مصالح شعوبهم وما يمكن أن يشكل الإرهاب مستقبلاً من خطر وزعزعة الاستقرار والأمن الدولي والإقليمي.
من هنا نرى الهرولة والتهافت الغربي باتجاه عواصم حلفاء سورية موسكو وطهران، ونسمع سيلاً من التصريحات الغربية تتوالى على ألسنة قادة هذه الدول بالقبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وكما جاء على لسان الرئيس روحاني في مقابلة تلفزيونية مع شبكة «سي أن أن» الأميركية قوله:
إنّ الجميع في وضع القبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة مقابل التفرّغ لمحاربة الإرهاب. ونفى روحاني أيّ محادثات مباشرة مع واشنطن حول سورية قائلاً: لدينا محادثات مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى وهؤلاء يتواصلون مع أميركا، وهذا يعني أنّ لدينا محادثات مع واشنطن إلا أنها غير مباشرة، هذا يفسّر ويوضح الانعطافة والاستدارة في المواقف من قبل الإدارة الأميركية وفرض إملاءات على الساسة الغربيين. من هنا بدأ التغيير وتدوير الزوايا والانعطافة الأخيرة الغربية جاءت من فرنسا.
وكما يقول الخبير الفرنسي في الشأن السوري الباحث الزائر في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى فابريس بالانش، إنّ زيارة الوفد النيابي الفرنسي، والذي زار دمشق سابقاً، إنما تأتي اليوم مباركة فرنسية رسمية ضمنية وتتناغم مع التبدّل في الموقف الفرنسي، كما أكد الباحث الموجود في الولايات المتحدة أنّ سياسة فرنسا الخارجية تجاه سورية «أصبحت أكثر واقعية»، وقال: هنا في واشنطن لم يعد هناك كلام عن رحيل الأسد بل عن ضرورة إعادة الاستقرار إلى سورية، ومع تأكيد رئيس الوفد الفرنسي جيرار بابت على أنّ الزيارة هي زيارة خاصة ، إلا أنّ ما يثبت ويؤكد تميّز سياسة الحكومة الفرنسية بالتخبّط والفشل هو ما شهدناه بمعارضتها الشديدة لمشاركة إيران في مؤتمر جنيف الأول، والآن أصبحت إيران جزءاً أساسياً من الحلّ السوري وبمطلب دولي.
بالأمس ومن على منبر الأمم المتحدة عاد الرئيس أوباما إلى التصعيد الإعلامي بكلامه عن الرئيس الأسد، وهذا ليس مستغرباً، لأنه لطالما تميّز هذا الخطاب بجملة متناقضات ونفاق سياسي وازدواجية معايير لكلّ ما يحصل في الساحة الدولية، فالسيد أوباما لا يرى ما يحصل في اليمن وما تفعله طائرات آل سعود بأطفال اليمن ونسائه وشعبه وتاريخه، ولا يرى فشل سياسته بما يسمّى «المعارضة المعتدلة» في سورية حيث أصبحت في حضن «داعش» و»النصرة».
جاء الردّ حاسماً وعلى لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوله: نعتقد أنه سيكون من الخطأ الفادح التخلي عن التنسيق مع الحكومة السورية والجيش السوري الذي يواجه الإرهاب، ويجب الاعتراف بأنه ليس هناك أيّ قوة فعّالة أخرى تواجه تنظيم الدولة الإسلامية والتنظيمات الإرهابية سوى الجيش السوري ووحدات الحماية الكردية وعلينا أن ننطلق من هذه الحقيقة. نحن لا نستطيع أن نتحمّل أكثر من ذلك .
من خلال ما تقدّم يتبيّن لنا أنّ من أسباب تراجع الغرب الأطلسي عن مواقفه أنّ قادته أدركوا خطأهم الكبير بسياستهم إزاء سورية، وجميعهم اليوم يقولون إنّ الأسد جزء مهمّ من الحلّ في سورية، وسواء اعترفوا أم لم يعترفوا فهم يعلمون أنّ الأسد ليس فقط جزءاً من الحلّ بل هو عامل استقرار وطني واقليمي ودولي ولذا تنادوا جميعاً وتراجعوا عن مواقفهم، كذلك أدركت هذه العواصم خطأها التاريخي بحق شعب سورية وأنه من أسباب هجرته داخلياً وخارجياً هو الهرب من الإرهاب ونتائجه واستخدامه لكلّ أشكال القتل والتعذيب والاغتصاب والدمار والجهل والتخلف لجهة دور هذا الغرب بتغطية سياسية لهذه العصابات التكفيرية ومموليها، وتالياً مما شكل موجة من الهجرات الخارجية نتج عنه ضغط حقيقي على المجتمعات الغربية.
في لقاء سابق جرى بين الرئيس الروسي وسفير تركيا في روسيا، وحسب صحيفة «موسكو تايمز»، اتهم الرئيس الروسي تركيا والسعودية بدعم «القاعدة» في اليمن وسورية والعراق، ونقلت الصحيفة عن بوتين قوله للسفير التركي: «فليذهب رئيسك ونظيره السعودي إلى الجحيم مع «داعش»، وكم هو رئيسك منافق يدّعي الديمقراطية ويتغاضى عن النشاطات الإرهابية التي هدفها إسقاط الرئيس السوري».
وأضاف بوتين: لن تكون سورية سوى ستالينغراد كبيرة لأردوغان ونظيره السعودي، ولن نتخلى عن دعم الحكومة السورية الشرعية مع حلفائنا إيران والصين لإنقاذ دولة عربية من الانحدار في فوضى عرقية ودينية.
الثابت والباقي حتى تاريخه في الضفة الأخرى في محور العدوان على سورية هو استمرار آل سعود وآل خليفة بالنهج التصعيدي ذاته من دون إدراك الحقائق الآنفة الذكر.
سورية التاريخ والحضارة الإنسانية لن تكون إلا كما قال بوتين ستالينغراد كبيرة بصمود شعبها وجيشها وقائدها بوجه هؤلاء الطامعين الغزاة القادمين من خلف الحدود، وكما قال الدكتور بشار الجعفري لممثل آل سعود في الأمم المتحدة: اليد التي ستمتدّ إلى سورية ستُقطع، والتاريخ خير شاهد ونحن بكتابتنا نؤرّخ اللحظة.
عضو مجلس الشعب السوري