تقرير
نشرت صحيفة «كومرسانت» الروسية مقالاً جاء فيه: تثير الضربات العسكرية الجوّية التي يوجّهها سلاح الجوّ الروسي إلى مواقع الإسلاميين المتطرّفين في سورية، عدم قبول متزايداً في الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة لواشنطن. وعلى رغم تأكيد موسكو أن الضربات تستهدف مواقع تنظيم «داعش»، إلا أن السياسيين الغربيين، إضافة إلى وسائل الإعلام، يحمّلون روسيا «مسؤولية قصف جماعات المعارضة السورية التي لا تمتّ بِصِلة للإسلاميين، ما أدّى إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين».
ووفقاً لما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، شمل اليوم الأول من العملية التي تنفّذها القوات الروسية في سورية، والتي بدأت في 30 أيلول الماضي، 20 طلعة جوية استهدفت ثمانية مواقع في النهار وثمانية في الليل.
كما صرّح المتحدث الرسمي بِاسم وزارة الدفاع الروسية اللواء إيغور كوناشينكوف أن الطيران الحربي الروسي دمّر مركز قيادة تنظيم «داعش» على مشارف اللطامنة. علاوة على ذلك، «وبفضل إصابة مباشرة بالقذائف، تم تدمير مصنع متفجرات وذخائر بالكامل إلى الشمال من مدينة حمص، حيث كان يتم تجهيز السيارات المفخخة للقيام بعمليات إرهابية». كما أُحبِطت محاولة مقاتلي «داعش» استعادة مركز القيادة المحطّم في حماة، إضافة إلى توجيه ضربات في منطقة إدلب حيث يقع معسكر إعداد المقاتلين.
في تلك الأثناء، أفاد مصدر في وزارة الدفاع الروسية أمس أنه لم يتم التخطيط لاستهداف أيّ موقع من مواقع البنية التحتية المدنية أو أي موقع يُفترض أنه مأهول بالناس المسالمين. وقد أجرت طائرات السلاح الجوّي الروسي «سو ـ 24 ـ إم» و«سو ـ 25» ثماني طلعات استهدفت خمسة مواقع لـ«داعش». وأمس أيضاً، وبحسب اللواء كوناشينكوف، وجّهت طائرات «سو ـ 34» آخر الضربات انطلاقاً من قاعدة حميميم في اللاذقية. ووفقاً لمصادر «كومرسانت» لدى هيئات الردّ العسكري السريع، تقرّر تنفيذ أكثر من عشرين طلعة بوساطة مقاتلات دعم المشاة «سو ـ 25 ـ إس إم» ومقاتلات دعم القوات البرية «سو-24 إم» و«سو ـ 34». ويتم اختيار الأهداف والإشراف على مدى تنفيذها بناء على معطيات ترِد من العسكريين السوريين، إضافة إلى إحداثيات تزوّد بها طائرات من دون طيار وأجهزة الاستطلاع الفضائي.
يسعى الجانب الروسي في معرض تعليقه على القصف الجوّي في سورية إلى توخّي الدقة المتناهية في سرد التفاصيل وإلى التشديد على طبيعتها كون هدفها القضاء على البنية التحتية لتنظيم «داعش».
إلا أن المعارضة السورية، التي تحارب الرئيس بشار الأسد و«داعش» في آن واحد، والتي تحظى بدعم من أميركا وحلفاء الأخيرة في أوروبا والشرق الأوسط، تنظر إلى الحدث من خلال وجهة نظر مختلفة مبدئياً. ففي هذا الصدد، وفي لقاء مع قناة «سكاي نيوز» البريطانية دان رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض خالد خوجة سلاح الجوّ الروسي، واتهمه بالتسبب في مقتل أكثر من 36 مدنياً في حمص من جرّاء قصف اليوم الأول. ويشير ما جاء على لسان خوجة إلى أنه لم يتم توجيه ضربة واحدة من الضربات الجوية الروسية الأربع إلى أي من مواقع «داعش».
كما دانت أميركا وحلفاؤها موسكو وحمّلوها مسؤولية تعارض التصريحات المعلنة حول الأهداف وما يتحقق على أرض الواقع. وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري لنظيره الروسي سيرغي لافروف إن «أميركا بحاجة إلى شفافية في شأن أهداف روسيا، الهدف يجب أن يكون داعش. نحن نخشى ألا يكون الأمر كذلك».
وقال أيضاً إن ذلك ـ في حال تأكد المعلومات عن قصف مواقع «المعارضة المعتدلة» ـ يطرح سؤالاً حول أهداف روسيا الحقيقية ـ أهي الحرب على «داعش» أم حماية نظام بشار الأسد؟ ولئن كانت وزارة الخارجية لا تزال تمتنع عن توجيه إدانة صريحة لموسكو، فإن عدداً من أعضاء الكونغرس الجمهوريين يوجهون الآن للكرملين انتقادات صريحة وحادة، إذ يصرّ هؤلاء على أن روسيا لا تحارب «داعش»، إنما تحارب المعارضة المعتدلة.
حول ذلك يقول جون ماكين رئيس لجنة التسليح في الكونغرس الأميركي: «أستطيع التأكيد بثقة تامة أن الضربات الجوّية العسكرية كانت تستهدف الجيش السوري الحرّ الذي يتلقى تسليحاً من الاستخبارات الأميركية، انطلاقاً من أن لدينا اتصالات مع أشخاص هناك».
كما صدر عن البيت الأبيض مساء أمس في وقت متأخر تصريح عنيف يقول بـ«عدم قدرة روسيا على تحديد الفرق بين المتطرفين ومجموعات المعارضة السورية ـ سوء التقدير هذا الذي قد ينعكس عواقب وخيمة على موسكو». كما قال الناطق بِاسم الإدارة الأميركية إيرنست جوش. وأضاف: «إذا تبين أن المعلومات حول وجود قوات إيرانية في سورية صحيحة، فذلك سيكون بمثابة إشارة إلى أن تدخل روسيا في الصراع يفاقم المشكلة».
وأظهر عدد من سياسيي الدول الأوروبية شركاء أميركا ارتيابهم حيال خطوة موسكو. من بين هؤلاء وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي تبادل أطراف الحديث مع نواب البرلمان في باريس، إذ علق على القصف الروسي في سورية قائلاً: «من المثير للفضول أنهم لم يصيبوا أهداف تنظيم داعش. حللوا الأمور بأنفسكم وتوصلوا إلى النتائج».
إلى ذلك، اتخذت الرياض أكثر المواقف تشدّداً إزاء الخطوة الروسية في سورية. فقد وجّه مندوب المملكة العربية السعودية في هيئة الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في كلمة ألقاها في نيويورك، انتقاداً حاداً وغير مسبوق لروسيا، محملاً إياها مسؤولية «سقوط ضحايا مدنيين»، وسعيها إلى تقويض عملية التسوية في سورية. وفي ضوء ذلك، طالب المندوب السعودي الاتحاد الروسي بوقف عمليات القصف فوراً.
وبالنظر إلى التصريحات التي تصدر عن الغرب ودول الخليج العربي، فإن الاعتراض على العملية الروسية في سورية آخذٌ بالتنامي، ما من شأنه أن يجر موسكو إلى حرب إعلامية يتم تحميلها فيها مسؤولية تصعيد مستقبلي في سورية.
أما في ما يتعلق باتهام روسيا بسقوط ضحايا أبرياء من جرّاء القصف الروسي في سورية، فإن الرئيس فلاديمير بوتين ردّ على هذه الاتهامات أمس أثناء انعقاد مجلس مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان محذّراً بالقول: «نحن محصّنون ضدّ هذا الهجوم الإعلامي». وأضاف أن المعلومة الأولى عن سقوط ضحايا في صفوف المدنيين ظهرت قبل أن تقلع الطائرات الروسية.
من جانبه، طمأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من نيويورك أن سلاح الجوّ الروسي يستهدف وبشكل قاطع مواقع ذات صلة بتنظيم «داعش». واسترسل في مؤتمره الصحافي قائلاً: إنهم الأميركيون يؤكدون أن بحوزتهم أدلة تؤكد توجيه ضربات إلى السكان. وقد طلبنا منهم تقديم هذه الأدلة لأننا نتحمل مسؤولية هذه الأهداف». وقال: «بدأ الحديث عن تعرّض مدنيين لإصابات من جرّاء القصف الجوّي، لكن ليست لدينا أيّ معطيات حول هذا الشأن. نحن نعمل بحرص كي تأتي الضربات بالصواريخ الموجّهة في غاية الدقة».