روسيا تتحدّى.. فهل يصمد الأميركيون؟

لم تشأ روسيا الدخول في المرحلة السابقة في أيّ تحالف دولي من شأنه مكافحة الإرهاب، فهي لم تكن مقتنعة لا بالخيار ولا بالقرار ولا بالمشاركين في هذا التحالف. ثبت فشل التحالف الدولي في إحراز تقدّم والخروج من انحيازه والتسليم بعجزه، وثبتت صحة الخيار الروسي بعدم الانضمام إليه، فهذا الحلف الذي لا تنقصه قدرات القتال تنقصه صحة القرار وإرادة تغيير الواقع في سورية، والقدرة ظهرت في نجاح التحالف الدولي في إبعاد مخاطر «داعش» عن كوباني كمثال وقدرته على إحداث خروق عسكرية.

أتت روسيا لتقول اليوم إنها تحمل قراراً جدياً بالتغيير على الأراضي السورية، هذا القرار الذي افتقدته الولايات المتحدة الأميركية، أو عجزت عن التوصل إلى إجماع حوله، لكن روسيا قدمت الى سورية بعد أمر أساسي وهو إقناع الأميركيين بضرورة الحلّ السياسي على الارض. وقد نجح الروس في ذلك، هكذا قال بوغدانوف امام احد زواره العرب، وبعد نجاح روسيا بإقناع أميركا بأنّ الحلّ السياسي المنشود لا يمكن ان يكون من دون الرئيس بشار الأسد. وبعدما شعرت روسيا أنها أكثر ارتياحاً لوضعها وقدراتها قرّرت رفع القرار أمام العالم.

مكافحة الإرهاب ليست خياراً روسياً من بين خيارات عدة، فروسيا التي رأت في الأزمة السورية جرحاً نازفاً لا يستطيع التعافي لكنه لا يتدهور لتسوء حاله، وجدت أنّ في الإسراع بتعافيه إبعاداً لمخاطر الإرهاب الذي يتهدّدها والذي عانت وتعاني مما يسبّبه من بؤر وخلايا تنتشر في البلاد وقد تدخل أوروبا من الباب العريض، وبالتالي فإنّ القتال في سورية بالنسبة اليها ليس إنقاذ نظام انما استراتيجية وقرار.

أثبتت روسيا أنّ أحادية التحكم بالعالم قد انتهت، وها هي اليوم تقسّم أوروبا والعالم بين مواقف مؤيدة لقرارها العسكري في سورية، وبين رافضة، وتثبت أن هذه الأحادية سقطت فعلاً لا قولاً، وانّ هناك من هو غير قادر بعد على مجاراة القرارات الأميركية على حسابه، وبالتالي تدرك واشنطن انها تتفرّج اليوم على تحركات موسكو من دون القدرة على حشد مواقف أولاً ولا قدرة على التغيير ثانياً، وبالتالي وطالما انّ الاميركيين لم يثبتوا أنهم يريدون الإسراع في الحلّ السياسي في سورية، فإنّ الروس غير مستعدين أكثر لإطالة عمر الأزمة التي تهدّد أمنهم القومي بالمدى المنظور.

روسيا التي تحركت اليوم تدخل رسمياً بوابة استعادة القطب الحاكم في العالم، فأعادت سياسة ثنائية الأقطاب التي فقدتها، وفي المحصلة يمكن فرز العالم اليوم بين دول مؤيدة لروسيا ودول مؤيدة لأميركا، وبالتالي فإنّ الزمن تغير والسياسات تتغيّر والوزن الأميركي في المنطقة يتغيّر.

روسيا تتحدّى.. لكنها أمام استحقاق أكبر من الرهان على وضعها كندّ لندّ أمام الاميركيين، وهو قدرتها في إثبات جديتها بأسرع وقت ممكن وقدرتها على إحداث فرق يعتدّ به امام العالم الذي ستقدّم نفسها أمامه كدولة أولى تقود مكافحة الإرهاب عالمياً، لأن من ينجح في سورية يستحق أعلى اوسمة الشرف العسكرية لمكافحة التطرف الذي يهدّد العالم…

روسيا تسحب صفة المخلّص من الأميركي الذي ادّعى أخذ مكافحة الارهاب على عاتقه منذ دخل العراق وافغانستان، وها هي اليوم تباشر عمليات لن تقتصر على سورية فقط انما على العراق كما تشير بعض الأجواء، لعلمها بترابط الأزمة كامتداد وهدف.

روسيا تتحدّى فهل يصمد الأميركيون طويلاً؟ أم سيبدأ تبلور المشهد السياسي في سورية أسرع بكثير مما كان متوقعاً؟

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى