المايسترو الأميركي و… الجوقة!

محمد ح. الحاج

تجري الحياة البشرية ضمن مسالك وتجارب مختلفة، وقد يمكن القياس على بعضها بمنتهى البساطة، ففي الحياة الاجتماعية نجد مجموعات متجانسة تؤدّي دوراً ما، في الموسيقى، في الرقص، في الرياضة وفي مختلف الفنون والأعمال، وكلّ مجموعة من هؤلاء على رأسها شبه سلطة، يمكن أن نقول إنه القائد أو المدرّب، وفي الموسيقى والغناء هو المايسترو، كذلك في عالم السياسة… هو المايسترو.

في الغرب، يمثل الناتو أكبر التجمعات السياسية والعسكرية، المايسترو هو أميركا، وكان المايسترو في عالم القطب الآخر هو الروسي الذي اعتكف أو جرى تهميشه أواخر القرن الماضي، هو في الطريق الآن لاستعادة هذا الدور بعد استبدال وارسو بتجمع بريكس ومنظمة شنغهاي، هذا واقع لا يمكن تجاهله، شاء الغرب أم لم يشأ، عصا المايسترو الروسي بدأت تتحرك.

في أزمة «الخريف العربي الذي جاء عاصفاً» كانت عصا المايسترو الأميركي هي الفاعلة، وكانت الإشارة أو الكلمة التي تصدر عن هذا المايسترو هي دليل عمل الآخرين، ولم يقتصر الأمر على أعضاء الفريق، بل كانت على الهامش أدوات وتنظيمات ضمن سلسلة الأتباع أغلبهم مرتزقة رغم كونهم يحملون صفة دولة أو حكومة، وهكذا، سقطت قلاع وملوك وفيلة والكثير من البيادق على رقعة المنطقة… بوضوح أكثر، كان المايسترو يتجاهل واحداً من الكورال… فيسقط… زين العابدين، مبارك، القذافي… أما باقي الجوقة فكانوا يردّدون كلمات المايسترو وإنْ استبدلوا بعض حروفها… الطاغية يصبح رحيماً… إنسانياً، ديمقراطيا… الخ المعزوفة، والمتحضّر، الإنساني يصبح طاغية، ديكتاتوري، الأمر مناسب تماماً للمايسترو ومصالحه.

في بداياته لاستهداف الشام قرّر المايسترو «أنّ الرئيس الأسد فقد شرعيته، وأن لا دور له في مستقبل سورية»، لم يكن المايسترو بحاجة إلى وكالة من الشعب السوري، فهو يقرر، وعلى منواله جرت أحاديث الفرقة وباقي الجوقة، الفرنسي، البريطاني… وكأنّ صك الانتداب ما زال ساري المفعول، ولحق بهم باقي أعضاء الناتو ضمن سلوك ببغاوي مكشوف، الأسوأ كان موقف الأدوات والأتباع في عالمنا العربي ولكن، لأسبابهم الخاصة المنطلقة من قاعدة الأخذ بالثأر، طالت التجربة سنوات وأدرك المايسترو أنّ خيوط اللعبة الدولية لا تكتمل بأصابعه المحدودة الطاقة، فأقرّ تحت ضغط المتغيّرات وحالات الفشل أنّ أيّ حلّ لمشاكل المنطقة وخصوصاً في سورية لا يكون إلا سياسياً، وفي الشام بمشاركة واستمرارية الرئيس الأسد وإنْ جرى تغليف التراجع بالحديث عن «مرحلة انتقالية»، هكذا بدأ صدى موقف المايسترو يتردّد على ألسنة الجوقة بتردّدات متشابهة، أصوات عالية، وأصوات ضعيفة، خصوصية المصالح لا شك تنعكس وخاصة الفرنسي والتركي، النشاز وحده الأعرابي، لكن بموافقة ضمنية من المايسترو الأميركي، وهذا له أبعاد ودلالات تخدم مشروعه المستقبلي بالتأكيد.

رسالة المايسترو الأميركي إلى العالم والمراقبين واضحة… الطرف المتشدّد هو العربي، وهذا الطرف لا يستطيع مسايرة الواقع لأنه مدفوع بالغريزة وليس بفهم واستيعاب المتغيّرات، وقد يقول إنه المعني أكثر بواقع الداخل السوري عربياً واسلامياً… بينما هو في الحقيقة العارية الأكثر بعداً عن الواقعية أو إدراك المصالح الفعلية للشعب السوري الذي دمّر هذا التدخل الأعرابي الفظ مصالحه وبناه التحتية وتركيبته الاجتماعية النادرة، التي شكلت عبر زمن طويل المثال والقدوة، وهو من بعَث الحضارة بتنوّعها وتشكيلاتها ومعتقداتها عبر العصور، موقف يبعث الفرح في قلب المايسترو، ويعطي صورة للآخر تجسّد براءته وكأنه ينطلق من موقف الإخلاص لحليفه وإنْ كان دكتاتورياً أو مجرد من الإنسانية، بل، من العقل والمنطق حتى، الطرف العربي هو متمرّد نشاز على حركة المايسترو، لكن برضاه وقبوله.

لا عجب أبدأً أنّ مايسترو القطب الآخر يتصدّى لقيادة فرقة أكثر تجانساً ووضوحاً ويفرض إيقاعه، يقصّ الخشبة تحت أرجل المايسترو الأميركي ليسقط تتجلى هنا لعبة توم وجيري وهي إنتاج هوليودي يمكن القياس عليه… هي لعبة متكاملة إذاً أدركها الأخير، تبدأ المساومة، تتغيّر الحركة فتأتي الإشارات مضطربة، ليعلن عدم مسؤوليته عن النشاز، لعبة يرفضها المايسترو الآخر ويدعو إلى إعادة تشكيل الفرقة واستبعاد النشاز أو مشاركته بشكل ثانوي على قاعدة قبول الشروط الجديدة، للعبة جديدة تحمل معها نهايات سعيدة لمكافحة إرهاب دولي… لوقف مسرحية مكافحة كاذبة لوهم تمّ إعداده وإطلاقه بعد زراعته في هياكل خشبية أشبه بأحصنة طروادة… المكافحة ضمن شروط الأميركي تكاذب واضح، صراع طواحين الهواء نهاراً، وإمدادها بالماء والهواء ليلاً لضمان استمرار اللعبة… يرفع المايسترو الجديد يده ملوّحاً بعصا غليظة ليست بنعومة عصا المايسترو الحقيقي، هي أقرب إلى عصا ترويض حيوانات السيرك… لا تنتظروا الرحمة…!

من يخالجه الشك باستمرارية وجوده يكون الأكثر عنفاً وقسوة، هكذا سلك الصهيوني منذ لحظة بداية إعلان هذا الوجود، السعودي أيضاً يمارس نفس الدور أو يقلده في اليمن، قبل ذلك في العراق والشام… الملك فيصل قال في رسالته للرئيس جونسون أواخر عام 1966 ما معناه: إن لم تقفوا معنا وتضربوا عدونا المشترك مصر فإنّ مملكتنا لن تبقى قائمة بعد العام 1970… نأمل أن تدفعوا «إسرائيل» لضرب الجيش المصري واحتلال سيناء حتى لا يرفع جندي مصري رأسه شرق قناة السويس، وأن لا يتم استثناء سورية حتى لا تسدّ الفراغ، كما طالب بدعم البرزاني حتى لا يتمدّد العروبي من العراق جنوباً…!

كيف يمكن نسيان ذلك… ألا يضربون اليوم في كلّ المحيط لتبقى مملكة آل سعود على أشلاء العرب وهي الضامنة «لليهود المساكين».

كلمات القادة على منبر الأمم المتحدة، المتنافرة بطبيعتها تعطي صورة واضحة لعملية خلط شاملة للأوراق، وتظهر التخبّط في أوساط الداخل الغربي بشكل أكثر نفوراً، كما تظهر هشاشة الموقف الأعرابي وسطحيته وضحالته، متى يتعلم الأعراب دروس السياسة والاتعاظ من الواقع… وهل يبيح لهم الوهم الاستمرار في ركوب أمواج المكيدة والتآمر واللعب على أوتار الدين والمذهب…؟ وهل هي ذات المؤشرات على اقتراب النهاية؟ وكم سقط قبلهم من أتباع وأدوات؟ يمكن للمايسترو الأميركي ادخال وجوه جديدة واستبدال المترهّلين، لكنه لن يأتي بوجوه أفضل، فقط هو يتلاءم مع معطيات الواقع وحركة التاريخ والأزمنة، وموازين القوة… وهذه لا يمكن أن تستقرّ على حال.

دفع السوريون أثماناً غالية للحفاظ على حريتهم واستقلالية قرارهم، وحدهم من يقرّر… هكذا يقول بوتين… المايسترو الذي بدأ نجمه في السطوع مع فريقه المتجانس… لن تكون هزيمة للإرهاب من دون الأسد… والجيش السوري، وإذا كان الوجود الروسي على الأرض السورية هو الضمانة فمرحباً به، كذلك الوجود الإيراني، وهما بطبيعة الحال لم يكونا ولن يشكلا احتلالاً، على الأقلّ بعد تجربة امتدّت لعقود، أما إنْ حصل، فوعد السوريين أنهم لن يتوقفوا عن الصراع للحفاظ على ذاتهم وحريتهم المقدسة.

هامش: يؤكد الرئيس المصري حرصه الحفاظ على وحدة الأرض السورية ومؤسسات الدولة وتضامنه مع القيادة السورية لمكافحة الارهاب…! أيها الرئيس: يمكنك الحديث وأنت متكئ وبراحة تامة، لكن تصرف وأنت جالس مستقيم… أوقف الشراكة في العدوان على اليمن والتحق بالحلف الذي يحارب الإرهاب حقاً، فشعبك مستهدف… أنت تتحالف مع نظام أنشأ ورعى وموّل وما زال كلّ الإرهاب الفاعل والمنتشر اليوم… خدمة لأمر لا تجهله… بل تتجاهله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى