مخطوفون وأسرى مضربون
هاني جودة
تلقّى شعبنا خبر فقدان كيان الاحتلال ثلاثة من قطعان المستوطنين في مدينة الخليل بفرح وأمل سيطول أسرانا في سجون الاحتلال الذين أوجعتهم سنوات القهر وأذاب بعضهم الشيخوخة والمرض. أسرانا هم الهمّ الأول، همّ العمر الذي يمشي بسرعة والحرمان الذي يلاطم الصخر. بعضهم لو كُتبت له خمسون حياة لن يقضي محكوميته، وآخر كلّما حان وقت الإفراج عنه جدّد القاضي والجلاد محكوميته ليصل عدد أشهر الاعتقال الإداري إلى المؤبد. فقدان ثلاثة قتلة ومجرمين يتجوّلون في مدينة الخليل يبطشون إرهاباً بالسكان الآمنين يجعل قوى الإرهاب الدولي تنتمي بشراسة إلى سلوكها مجدداً، وتعرض جلّ خدماتها للكشف عن مصير إرهابيين دوليين. وليس غريباً على سفير «بريطانيا بلفور» أن يقدّم باسم دولته خدمات واستعداداً للتعاون الأمني والاستخباريّ، هذا الاختفاء لثلاثة عن القطيع جعل الاحتلال يتخبّط، فهو لا يعرف إلى من يوجه اتهاماته وممّن يستجدي مساعدة. نتنياهو مشلول الحركة: كيف اختفى الثلاثة من القطيع؟ لا جهة أعلنت حتى الآن بشكل أو بآخر تبنّيها الخطف أو القتل أو عن مصيرهم!
الملاحظ الآن أنّ القوى الشعبية والرسمية الفلسطينية لا تعلم شيئاً عن مصير الثلاثة أين اختفى الحمقى؟ أيال بن ايريس تشوره وجلعاد ميخائيل بن بيتجليم وعقوب نفتيالي بن رحيل دبوره! ولا بدّ لمتابع الحوادث أن يعلم نقاطاً عدة مهمة لعملية اختفاء الثلاثة:
إنّ طبيعة مجتمع الاحتلال تميل إلى العنف والإرهاب وتنتشر فيها عمليات القتل وتنشط العصابات المختلفة، فيما لا تستطيع شرطة الاحتلال القضاء على الجريمة أو معالجتها، وظهرت حوادث قبل ذلك تتعلق بإطلاق نار وتفجيرات وخطف كان وراء جميع هذه الأعمال عصابات يهودية.
«الجيل الجديد» أكثر جرأة وخطرًا
يقول ضابط كبير في شرطة الاحتلال: «إنّ الجيل الجديد من منظمات الجريمة أكثر ذكاءً، فهم يستعينون بخبراء «الهايتك» وباقتصاديين لتبييض الأموال، فهم يستعينون مثلاً بجنود الجيش المتخصصين في تركيب العبوات الناسفة. وهم أيضاً أكثر «نظافةً» في أدائهم: مثلاً بدلاً من أن يرسلوا قاتلين مأجورين مثلما كان يحصل في الماضي، فإنهم يفجرون عبوات ناسفة عن بُعد أو بواسطة ساعات توقيت جديدة». وهناك مثال لرئيس إحدى العصابات هو عمير مولنر، رئيس منظمة الجريمة الأكبر في كيان الاحتلال، بدأ حياته جندياً مغموراً لدى المجرمين القدامى، وانضمّ في شبابه إلى الكثير من العصابات. انتظرت جميع وحدات الشرطة وقوع مولنر لكنها لم تنجح في إثبات شيء. يعتبر مولنر مجرماً محنكاً بارد الأعصاب، ومن الصعب إدانته. قبل سنوات، لدى اعتقاله بتهمة حيازة سلاح والحكم عليه بالسجن 32 شهراً، احتفلت الشرطة كما لو أنّه حُكم عليه بالسجن عشرة أعوام، وكذلك عصابات شالوم دومراني، ريكو شيرازي، آفي روحان، الأخوين موصلي، الأخوين زاغوري، الأخوين ماغيديش، ميخائيل مور، عائلة ألبيرون، وهي وغيرها تهدّد استقرار الكيان.
المنطقة التي اختفى فيها الثلاثة مصنفة «ج» وتعريفها «سكان فلسطينيون، سيطرة أمنية عسكرية «إسرائيلية» أنّ ثمة احتمالاً كبيراً بأن يكون العمل انتقامياً داخلياً، خصوصاً أنّ النفوذ الأمني والعسكري للاحتلال كبير في مناطق «ج».
استطاعت المقاومة خطف جلعاد شاليط في عملية اشتباك مباشر داخل مستوطنة على حدود غزة، وكسرت منظومة الأمن للاحتلال، وقد تكون قوى المقاومة نجحت مجدداً في خطف الثلاثة لدعم إضراب الأسرى في سجون الاحتلال، والذي يقابَل بإهمال عربي ودولي، وأيضاً لدعم جميع الأسرى في سجون الاحتلال، ويرحّب الشارع الفلسطيني عامة بهذه العملية إنْ كانت قوى المقاومة هي التي نفذتها. كيف لهذا العالم الذي ينتفض لفقدان ثلاثة مستوطنين أن يتجاهل أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني؟! علماً أنّ إدارة السجون تمنع العلاج عن المرضى وتكتفي بتقديم «الأكامول» لهم، أو تقديم النصيحة لهم بالإكثار من شرب الماء، رغم أنّ البعض في حاجة ماسة إلى العلاج ومعظمهم مزمن، لذا نقول لكلّ من يرقّ خوفاً من الآتي: اختفاء ثلاثة مجانين لا يرهب شعباً مناضلاً، ولا يمكن أن تتكرّر تجربة شاليط بالقتل الذي اتبع في غزة من قبل حكومة الاحتلال بحثاً عن شاليط، فالخليل اليوم هي غزة ونابلس، والخليل اليوم هي جنين وخان يونس والقدس والناصرة، ومهما بلغت الآلام فإن آلام أسرانا أعظم وحرية شعبنا أهمّ.