تركيا الهَلِعة
يوسف المصري
كلّ الخطة التركية بخصوص سورية تمّ إفسادها بضربة واحدة. كان سيناريو أنقرة وضع خطة من ثلاث مراحل: أولها تشديد الحرب الأمنية على حزب العمال الكردستاني، وذلك من أجل شدّ العَصّب التركي الشوفيني، للإفادة منه في هذه المرحلة بتعديل نتائج الانتخابات الماضية من خلال نيل اردوغان نسبة أعلى من الأصوات في الانتخابات المبكرة التي ستجري في الأول من شهر تشرين الثاني المقبل.
ضمن هذه المرحلة خطّط أردوغان لإعادة طرح القضية الكردية في تركيا بوصفها قضية إرهاب وليست قضية حقوق قومية مغبونة.
… وخطّط أيضاً لوضع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي حقق لأول مرة تمثيلاً برلمانياً لأكراد في انتخابات هذا العام، تحت سقف من الإرهاب ضدّه، بوصفه يمنح حزب العمال الكردستاني غطاء سياسياً.
وفي كلّ حال أراد اردوغان إجراء انتخابات نيابية في ظلّ أجواء سياسية معادية للكرد وفي ظلّ مناخ أمني قامع لهم.
المرحلة الثانية التي خطط لها أردوغان تتمثل بتحقيقه فوزاً كاسحاً في الانتخابات، وذلك وفق نتائج تعيد لحزبه صفة الحاكم المنفرد، وتسمح له شخصياً بإجراء تعديلات في الدستور فتجعله رئيس الجمهورية المتفرد «الديكتاتور».
المرحلة الثالثة خصّصها أردوغان للاستدارة نحو سورية مسلحاً بغطاء برلماني تركي مطلق التأييد له، وبموجبها خطط لإنشاء منطقة أمنية في سورية محظورة على سلاح الجو العربي السوري.
وأراد إقناع الأوروبيين بأنه سيستخدم هذه «المنطقة الأمنية» لحلّ قضيتهم مع النازحين السوريين، حيث يتمّ نقلهم إليها بدلاً من استمرار تسرّبهم إلى بلدان أوروبية.
وكانت فكرة أردوغان تقضي بنقل كثافة سكانية سورية وازنة إلى المنطقة الأمنية التي خطط لأن تشرف عليها أمنياً وعسكرياً المخابرات التركية، ويشرف على إدارة شؤون النازحين فيها «قائمقام ناحية تركية حدودية»، فيما أردوغان يصبح سيّد اللعبة السورية، فهو بيده الفيتو الأمني على حركة الجيش العربي السوري، وهو بيده الفيتو الأوروبي في المسألة السورية من خلال تحكّمه بعنق زجاجة منع نزوح السوريين إلى دول أوروبا، وهو بيده ثالثاً الورقة الديموغرافية السورية الناخبة والوازنة، يقوم باستعراضها مهدّداً باستعمالها في حال جرت أية انتخابات رئاسية في سورية في إطار الحلّ السياسي الدولي.
ماذا يملك أردوغان الآن من كلّ عناصر خطته الطموح:
اولاً ــــ تركيا أصبحت حالياً من دون غطاء حماية الباتريوت. فجأة سحبت هولندا وألمانيا وأميركا منصات الباتريوت التابعة لها، والتي كانت موجودة في تركيا ضمن مهمة تأمين سلامة أجوائها.
اليوم تركيا مكشوفة أمام الطائرات الروسية، فيما يد سلاح الجو التركي مغلولة حتى عنق أنقرة.
ثانياً ــــــ الحَرَج التركي الأردوغاني من دخول الروس إلى الميدان السوري وإعلان بوتين أنّ لجان الحماية الكردية شركاء للجيش العربي السوري ولسلاح الجو الروسي في تنفيذ مهمات إنقاذ سورية من الإرهاب، بلغ ذروته، ومن المؤكد أنه سيتجسّد في صناديق الاقتراع النيابية تصويتاً في مصلحة تراجع الثقة الشعبية بأردوغان المهزوم في سورية.
ثالثاً ــــــ أردوغان اليوم ضعيف أمام الجيش التركي الذي كان له رأي آخر في الأحداث السورية، ورأي آخر في كيفية إدارة الملف الكردي، ورأي آخر يتوافق مع الأميركيين في كيفية إعادة تموضع الدور التركي في الإقليم على أساس مصالح وليس على أساس مشاريع دينية.
أردوغان يرقص على حبل اقتحام روسيا معادلة الجغرافيا السياسية المشرقية، فيما وضعه الداخلي يحفل بمؤشرات ضعف غير مسبوقة.