سورية… بهدوء تنتصر
د. حسام الدين خلاصي
أربع سنوات وأكثر مرّت عجافاً على سورية خاصة والمنطقة العربية عامة، وبدا العالم الغربي واثقاً من انتصاراته التي حققها في دول «الربيع العربي» المزعوم. أربع سنوات وأكثر استعملت فيها كلّ أنواع القوى في سورية بدءاً من القوة الناعمة المزعومة وتلفيق فكرة أنّ «الشعب يريد تغيير النظام» عبر ماكينة إعلامية محترفة وذكية وقوية وواسعة مزوّدة بخطاب إسلامي إخواني، وقامت بدراسة الواقع السوري وعزفت على كلّ أوتار التأجيج والتحريض السياسي والمذهبي والطائفي والديني والإثني. أضف إلى ذلك حشد الدول التي أسمت نفسها «صديقة لسورية» آنذاك، لاقتسام الكعكة في مرحلة تالية، وهي التي بدأت تخطط لاقتسام الكعكة في المنطقة تبعاً لتعاونها في تطبيق السياسة الأميركية التي بدت كالغول المدبر والذي لا يُردّ له طلب.
وقتها تباينت مواقف الدول وتخصّصت تركيا وقطر والسعودية وفرنسا في دعم وتسليح ما يُسمّى «المعارضة المعتدلة»، والتي أوجدوا لها اسم «الجيش الحر» آنذاك لـ»شرعنة» حملها للسلاح في وجه الجيش العربي السوري، على اعتبار أنها الجهة التي تدافع عن «الثورة» المزعومة، وبعدها تطور الصراع أثناء العدوان على غزة، لتظهر «جبهة النصرة» والفصائل والعصابات الإسلامية، ومن بعدها ظهرت خرافة «داعش» والتي لوّحت بـ»الجهاد لتحقيق دولة الخلافة الإسلامية» العابرة للمسافات والحدود من أجل هدفها.
كان هذا كله برعاية التحالف الأميركي الأوروبي الخليجي والذي تعهّد باطلاً بضرب «داعش»، وفي الوقت نفسه كان يرعاها ويغذيها ويسلحها.
إلى هنا والرواية كانت في عهدة المحللين السياسيين، قصة صمود وصبر للشعب الشريف في سورية رفضت المؤامرة وتصدّت لها وقصة بطولة أسطورية للجيش العربي السوري تصدّى عسكرياً لكلّ هذه المجاميع الإرهابية على الأراضي السورية، وقدّم التضحيات الواضحة، وثبت موقفاً وطنياً لم يسبق لجيش أن تحمّل كلّ أنواع الاعتداءات، ولم يسبق لجيش أن غطّى هذه المساحة الجغرافية المترامية وهزيمة العصابات الإرهابية في أكثر من موقع، فبدا للعالم المعتدي أجمع أنّ الدولة السورية لن تتحوّل إلى دولة فاشلة، وبالتالي هذه المعركة يجب أن تحسم بأسرع ما يمكن ويجب إنهاء النظام في سورية. وتعدّدت أساليب الهجوم وأنواع العصابات والحجج من أسلحة كيميائية إلى موضوع البراميل، إلى موضوع التهجير الذي كان آخر قصة كان يمكن أن تبنى عليها قصة فشل الدولة السورية لتسمح لكلّ من فرنسا المتصابية والسعودية صاحبة عواصف الحزم وتركيا راعية الإرهاب وحاضنته بأن تشن حرباً أخيرة على سورية بحجة فشل الدولة.
كلّ هذا والعالم والجمهور السوري تحديداً يعتقدون أنّ أميركا هي سيدة العالم وأنّ الحلفاء متقاعسون عن أداء الواجب على الأقلّ بالطريقة نفسها التي ينتهجها الأميركيون وحلفاؤهم في حجة محاربة «داعش». والكل كان يسأل السؤال التالي:
لماذا لا يأتي حلفاء سورية روسيا إيران لدعمها عسكرياً ولماذا الخجل في الدفاع عنها؟
ونتيجة هذا السؤال تغلغل نوع من اليأس في نفوس مؤيدي الدولة السورية من الحلفاء، أو اقتنعوا بمحدودية المساعدة التي تقدّم من قبل الحلفاء، حتى دهاة المحللين السياسيين لم يتجاوزوا هذه الرؤية. والكلّ سلّم الأمر لله وللجيش العربي السوري وقوة المقاومة اللبنانية التي وقفت بقوة مع سورية من القصيْر إلى القلمون والزبداني، وكان بادياً أنّ على سورية أن تتدبّر أمرها للدفاع عن نفسها محلياً بين جيش وقوى دفاع شعبي ومقاومة لبنانية، إضافة إلى شائعات تتعلّق بمساعدة بعض من المتطوّعين الإيرانيين.
إلى هنا لم يكن بادياً على معالم الصراع أنّ مسار المعارك سيتبدّل بين ليلة وضحاها في 30/9/2015، وفي لحظة أعتبرها تاريخية انطلقت المقاتلات الروسية لتقول: نحن هنا، وانطلقت الديبلوماسية السورية لتعلن أنها في حلف بدأت تتشكل معالمه بسرعة بين عراق ومقاومة وإيران ونعومة مصرية ضدّ الإرهاب الدولي ضمن إطار تعرية الموقف الأميركي الكاذب والفاجر في دعم الإرهاب الدولي على الأراضي السورية والعراقية وتغاضيها عن دعم الأردوغانية والسعودية والصهيونية للإرهاب بصورة مباشرة، وغير مباشرة.
ولن ننسى أنّ كلّ هذا التحوّل الصاعق سبقته تنازلات دولية وتراجعات عن مواقف الدول الغربية وتركيا أحياناً عن شرط رحيل الرئيس الأسد منعاً لتدخل الروس، لأنّ أجهزة الاستخبارات العدوّة لسورية كشفت متأخرةً أنّ الروس قرّروا القدوم إلى المنطقة ولكن سبق السيف العذل.
كلّ ما سبق يدلّنا إلى أنّ السنوات الأربع الماضية لم تكن عجافاً بالمعنى العسكري والسياسي على أعلى المستويات القيادية، بل كانت تطبخ في أرقى القيادات العسكرية خطة محكمة مدروسة بعناية مطلعة على تفاصيل الكذبة المؤامرة دولة الخلافة الإسلامية حتى منذ 2009 بصورة جدية ومدى خطورتها على بلاد المشرق برمّتها، لقد كانت القيادات السورية والروسية والإيرانية وقوى المقاومة تناور سياسياً وعسكرياً وتنتظر نضوج المرض حتى يتمّ استئصاله جذرياً من خلال حرب شاملة تقوم على مبدأ التعاون الشامل والسيادة الوطنية السورية والعراقية والمصرية لاحقاً.
هذا يعني أنّ سني الحرب المؤلمة على السوريين الذين وثقوا بقيادتهم وبجيشهم العربي السوري وصبر السوريين لم يذهب سدىً، وبدا واضحاً اليوم أنّ السنين التي مرّت كانت سني عمل استخباري وعسكري فائق الجودة وحدّدت لها الساعة الصفر، ومن ثم انطلقت إلى نصر محتوم، وكان يمكن أن لا تقوم لو أنّ الخصوم تراجعوا في الربع الساعة الأخير عن خياراتهم الدامية، وحفظوا ماء وجوههم في الخروج بحلّ سياسي يتفق عليه السوريون وحدهم بدون أيّ تدخل خارجي، ولكن عنجهية الكيان الصهيوني والحامية الأميركية لم تسمح لصوت العقل أن يتصرّف.
من هنا كانت حرب 30/9/2015 على الإرهاب الدولي وبقيادة سورية روسية مشتركة عمادها على الأرض الجيش العربي السوري الصامد طيلة سنوات الحرب الظالمة على سورية.
ومن هنا تستحق هذه القيادة السورية قيادة العالم لمحاربة الإرهاب الدولي مع اكتساب احترام كلّ الدول المستقلة القرار والدول التي اقتنعت بأنّ سورية دولة تعرّضت للظلم، حيث كانت هذه الدولة الوطنية السورية تطبخ على نار هادئة معالم النصر بإدارة ذكية وواعية وعلاقة متينة مع الحلفاء الصادقين لتقول للعالم أجمع إنّ الحروب العالمية الكبيرة لا يُحسم نصرُها إلا بهدووووء… وستفعلها سورية وتنتصر.