التّدخّل الرّوسي: جولة الضّرورة قبل تسوية الضّرورة

وائل بنجدّو

إنّ مفهوم الإمبريالية هو مفهوم اقتصادي بالأساس يحدّده تملّك الدولة المعنية للاحتكارات، فليس تدخّل روسيا العسكري في سورية هو ما سيثبت طابعها الإمبريالي أو ينفيه. كثيرة هي الدول التي تدخلت عسكرياً في بلدان أخرى وكانت بلداناً تحكمها أنظمة تابعة أو اشتراكية أو وطنية، مثل مصر في عهد عبد الناصر أو الاتحاد السوفياتي أو السعودية… فهل تتحوّل هذه الدول دولاً إمبريالية بمجرّد تدخلها عسكرياً في بلد آخر؟!

خمسة احتكارات كبرى تتسَيَّد بها الإمبريالية الأميركية وحلفاؤها أوروبا واليابان العالم، وتمسك من خلالها بأَعِنَّةَ الاقتصاد العالمي وهي: السيطرة على الثروات الطبيعية، أسلحة الدمار الشامل، الإعلام و«البروباغندا»، التكنولوجيا، النظام النقدي العالمي عبر بعض المؤسسات المالية وأهمّها صندوق النقد والبنك الدوليين.

كذلك هناك عوامل أخرى تجعل للولايات المتحدة قدرة شاملة على السيطرة وهي هيمنتها على البحار والمحيطات وغزو القطبين والاكتشافات السريعة للفضاء التي لا نعرف ماذا تُخبِّئ للولايات المتّحدة الأميركيّة و للإنسانيّة.

إنّ الصين وروسيا وهما قوّتان «فوق إقليمية وما دون كونية»، وهما دولتان صاعدتان والصّعود هو مفهوم اقتصادي وخاصّة الصين.

إنّ الموقف من التدخل الروسي يجب أن ينطلق من المعطيات الميدانية وتحديد الأولويات التي تتمثل حالياً في: القضاء على الإرهاب ووقف الحرب مع الحفاظ على وحدة سورية. فالإجابة عن سؤال كيف نريد شكل سورية بعد الحرب والإمكانيّات المُتاحة لذلك هي المحدّد الرئيس للموقف من التدخل. لقد باَتَت كلّ الأطراف المتصارعة في سورية مُتّفقة على ضرورة إنهاء الحرب وإنْ لم يصرِّح الجميع بذلك لسببين رئيسيّيْن: الأوّل هو صعوبة حسمها بالقوّة العسكريّة والثّاني خطر الإرهاب الذي أضحى يهدّد الجميع حتّى مَن ساهم في صناعته مثل تركيا والسّعوديّة. لكنّ الأطراف الإقليمية والدّوليّة التي تتقدّم باتجاه «تسوية الضّرورة» ليست متّفقة على أولويات الحلّ السياسي التي ذكرناها بداية، وعلى طبيعة المرحلة الانتقالية التي تُعتبر عِماد الشكل الذي ستكون عليه سورية ما بعد الحرب.

هذا الحلّ السياسي ستُرسم ملامحه في الميدان ووِفْق تطوّرات الأوضاع الميدانية وتغيير موازين القُوى. وسَيُحاول كلّ محور من المحاور الرّئيسة الثّلاثة في المنطقة: قطر ــــ تركيا، السّعودية الإمارات ــــــ الأردن وسورية ــــ إيران تمثّل الولايات المتّحدة مرجعاً للمحورين الأوّلين وضابط إيقاع للتّنافس بينهما، وتمثّل روسيا الحليف الأهمّ لسورية وإيران تحقيق انتصارات عسكريّة وتقدّم ميداني قبل جلوسه إلى طاولة المفاوضات التي يبدو أنّ لا مفرّ منها بالنّسبة للجميع. فَفي هذه الوضعية الشديدة السّيولة التي يزداد فيها احتمال أن تأتي النتائج بعكس المُتوقّع لكلّ القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة تركيا، إسرائيل، السّعوديّة، إيران ومن خلفها القوى الدولية سواء أكانت الإمبريالية الأميركية أو البلدان الصاعدة التي تضع الهيمنة الأميركية موضع تساؤل روسيا، الصين سيرفع الجميع شعار التسويات والتّفاوض.

لكن قبل ذلك لا بدّ من جولة رّبع الساعة الأخير التي يلعب فيها كلّ طرف أوراقه الأخيرة وبكلّ قوّة، ليتمكّن من فرض تصوّره على مائدة المفاوضات المُقبلة، لذلك من المرجّح أن تتصاعد وتيرة العمليات العسكريّة في الفترة القصيرة المقبلة، فالاتّفاقات السّياسية الحاسمة وطبيعة الهدنة تصنعها قبل كلّ شيء وبعده الصراعات العسكرية ونتائجها في ساحة الحرب.

روسيا تُدرك ذلك جيّداً لذلك اختارت بعناية توقيت البدء في عمليّتها العسكريّة لتُقلِّص من نفوذ الإرهابيين والمعارضة المسلحة التي تدرّبها الولايات المتحدة. وبما أنّ الرُّوس يَتبنّون تصَوُّراً يحافظ على وحدة سورية ويُحَاصر الإرهابيِّين في مواجهة التّصوّر الأميركي الذي يُعِيد تجربة الانتقال في العراق التي قادها بول بريمر بعد احتلال العراق في آذار العام 2003، فإنّ هذا التّدخّل ستكون له فائدة سياسيّة في مرحلة ما بعد الحرب التي تُصوَّبُ كلّ الأبصار إليها حاليًّا. إنها جولة الضرورة قبل تسوية الضرورة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى