«ونعمل حالنا عايشين»…
فدى دبوس
«كنا صغار … ننام على ا رض… ونعمل حالنا ميتين… كبرنا…صرنا نوقف على إجرينا… ونعمل حالنا عايشين!» هو مثل يعرفه جميعنا لكن أحياناً نتوقف عنده لنشعر بأنه يعبّر عن حالة شعب بكامله.
هذا المثل الذي استوقفني خلال تصفّحي لتعليقات الناشطين على «فايسبوك» جعلني أتوقف عند تحليله لربطه بالواقع الذي نعيشه يومياً. كثيرة هي الظروف التي نشعر من خلالها بأننا نريد التظاهر بالحياة كي نستمر لكننا عند أوّل فرصة للتعبير عن سخطنا نهزم ليظهر ضعفنا بكامله.
لطالما تململنا من حالة اليأس التي تعمّ الناس والتي تظهر يومياً في كتاباتهم وتعليقاتهم وأحاديثهم، لكن أكثر الصور المؤلمة هي صور الموت والحزن التي باتت تتصدّر صفحات الناشطين.
كثير هذا الموت يا الله، وكثيرة هي الجثث التي نراها من خلف الشاشات يومياً ونحن نقف مكتوفي الأيدي نتصارع مع الحياة من أجل البقاء، فتلك أمّ ثكلى لطفل في اليمن لم يبلغ الحلم، وآخر والد لشهيد مقاوم فلسطينيّ يقاوم بجسده حتى آخر نقطة دم في عروقه، وهذا رجل سوريّ يجلس على حافة الطريق يبكي منزلاً كان يحوي بعضاً من الذكريات التي طُمست معالمها بفعل القذائف التي قرر الإرهاب دفنها… يومياً نصادف عدداً لا يستهان به من الصور التي تثير النفور في النفوس لتضعنا أمام صراع وجوديّ كبير.
هل أصبح الموت عادة؟ هل أصبحت مشاهد القتل والصواريخ والقذائف على البيوت أمراً طبيعياً؟ هل باتت المجازر فعلاً بشرياً محضاً؟ هل فقدنا الجوهر الإنساني؟ هل فقد الإنسان ماهيّته؟
والمضحك أن مواقع التواصل باتت مرتعاً خصباً لتسويق الإرهاب إمّا عن طريق العمد أو المصادفة، لا نعرف… لكنّها إحدى أبرز الوسائل التي تساهم في نشر الإرهاب الذي يفطر القلوب ويؤرق النظر. وكأنّ الناشطين باتوا يتعطّشون للدمّ ويهوون مشاهد القتل ويتقنون فنّ نقل صور الدمار، فلا يكونون في هذه اللحظة سوى أداة بيد الغرب لبثّ الرعب في النفووس خوفاً من غدّ ربّما لن تشرق شمسه علينا مجدداً.
كيف لنا أن نجيب على هذه الأسئلة ونحن نعيش زحمة الجوع والقتل والتشرّد من دون أدنى خيار لنا بحياة أفضل؟ المؤسف أن بعضنا حتى هذه الساعة لا يزال يركض خلف بعض ممّن يسمّونهم «زعماء» يهلل لهم ويمجّدهم من دون النظر إلى أن هؤلاء هم السبب في ما وصلنا إليه، ولا نستغرب شيئاً فالإنسان عدوّ نفسه في كثير من الأحيان.
الحقيقة أننا لا نملك غير الشكوى، فنحن شعب اعتاد على الشكوى والتذمّر من دون أن يسعى إلى التغيير وإن سعينا إلى التغيير نذهب مع أوّل موجة تأخذنا إلى شواطئ خالية من الأمان، وأبرزها تلك الحراكات المشبوهة المسيّسة التي يقف خلفها أعداؤنا باسم «الحرية»، تلك الحرية الزائفة التي تسعى إلى الخراب والدمار والتشويه.
نأسف فعلاً لما وصلنا إليه فالشعب تحوّل إلى أداة بيد قوى لا تراه سوى «ماريونيت» لتحقيق إنجازاتها في ما تبقّى من عالمنا العربيّ المليء بالفوضى والثورات الزائفة، والأغلبية تعود إلى من يدفع أكثر فهذه هي الحال، كلّ شيء بات محكوماً بالدولار اليوم، حتى مشاعر الناس وعواطفها باتت رهن عملة خضراء لا تشبهنا ولا نشبهها…