تقرير
نشرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية موضوعاً يتعلق بتأزّم العلاقات الروسية ـ التركية نتيجة اختراق الأجواء التركية من جانب مقاتلتين روسيتين، إضافة إلى اختلاف المواقف حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
وجاء في المقال: أسفرت العملية العسكرية الروسية في سورية عن توتر شديد في العلاقات بين موسكو وأنقرة، علماً أن هذه العلاقات متوترة أصلاً بسبب تباين وجهات النظر في شأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وبسبب اختراق سلاح الطيران الروسي الأجواء التركية «سو ـ 30» و«سو ـ 24»، بحسب الناتو في الثالث والرابع من الشهر الجاري على التوالي . وتوعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا بأنها «قد تخسر صديقاً مهماً» كأنقرة، فيما أعلن «ناتو» أن انتهاك سلاح الطيران الروسي كان مقصوداً.
وعلى رغم سعي روسيا إلى التخفيف من حدّة الموقف، إذ عزت اختراق طائرتها إلى سوء الأحوال الجوية، لم يخفّف ذلك من غضب السلطات التركية التي حذّرت موسكو من تدخّل حلف شمال الأطلسي.
إلى ذلك، علمت «كوميرسانت» أن الحادث لم يؤثر على الاتصالات الروسية ـ التركية حتى الآن، وأن كل الاتصالات، بما في ذلك على أعلى المستويات، لا تزال مدرجة على جدول الأعمال.
مشكلة اختراق طائرات سلاح الطيران الروسي الأجواء التركية فيما كانت في طريقها إلى الأراضي السورية، واعتراض الطائرات التركية لها، عادت إلى السطح مجدداً في الولايات المتحدة، وذلك بعد استنكار الحادث من قِبل تركيا والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، إضافة إلى شجب الإدارة الأميركية له على لسان وزير الدفاع آشتون كارتر الذي وصف نهج السلاح الجوي الروسي بغير المسؤول وغير المهني، فيما أكدت روسيا أن الحادث هو الأول من نوعه.
وحاولت السلطات الروسية تهدئة الأمور، وذلك عبر إصرار وزارة الخارجية أمس على التصريح الذي صدر يوم الاثنين عن وزارة الدفاع الروسية، والذي يفيد بأن طائرتين روسيتين اخترقتا في الثالث من تشرين الأول 2015 الأجواء التركية لثوان معدودة من جرّاء سوء الأحوال الجوية.
ووجّه أناتولي أنطونوف نائب وزير الدفاع الروسي أمس دعوة إلى ممثلين عن وزارة الدفاع التركية لزيارة موسكو بغية التباحث في سبل تفادي سوء التفاهم الذي قد يسفر عن عمليات سلاح الجوّ الروسي في سورية.
لكن التوضيح الروسي قوبل بالرفض، إذ كشف الخصوم أنهم يرون أن تحليق المقاتلات الروسية بمحاذاة الحدود السورية ـ التركية لم يكن مصادفة. وبات معروفاً أمس أن الخارجية التركية استدعت السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف للمرة الثانية يوم السبت، وطلبت منه إيضاحات حول الواقعة التي تمت قبل أيام. كما أعلنت وزارة الخارجية التركية أن روسيا ستتحمل مسؤولية أي حادث غير مرغوب فيه.
من جانبه، أرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إشارات بأنه يمكن تقويم سلوك روسيا على أنه اعتداء على بلده، منوهاً إلى أن الاعتداء على تركيا يعد اعتداء على حلف شمال الأطلسي برمته، محذراً روسيا من مغامرة تخسرها أنقرة كصديق.
وقد أعرب «الأطلسي» عن تأييده المطلق لموقف تركيا، إذ وصف أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ كلا الاختراقين من قِبل روسيا للأجواء التركية بالأمر المرفوض والخطر، منحياً جانباً إيضاح وزارة الدفاع الروسية بأن الاختراق وقع محض الصدفة.
وأضاف أن الـ«ناتو» لم يتسلّم إيضاحاً وافياً لحيثيات الواقعة، وأنه يبحث إمكانية استخدام خطوط الاتصالات العسكرية المتاحة لديه من أجل التواصل مع روسيا. والجدير ذكره، أنه تم تجميد الاتصالات على خط مجلس روسيا ـ الناتو بسبب اختلاف المواقف بين موسكو والغرب حول النزاع في أوكرانيا. هذا ومن المقرر أن يُطرح الاختراق الروسي للأجواء التركية على طاولة اجتماعات وزراء الدفاع في الدول الأعضاء في حلف الـ«ناتو» في الثامن من تشرين الأول الجاري في بروكسل، إذ سيتطرق الوزراء كذلك إلى العمليات العسكرية الروسية في سورية وإلى قلق أعضاء الحلف إزاء تعاظم الوجود العسكري الروسي في هذا البلد.
على الصعيد الروسي ترى موسكو أن ردّ فعل «الأطلسي» يندرج في الحرب الإعلامية الغربية ضدّ روسيا. وفي السياق ذاته، صرح المندوب الروسي الدائم لدى حلف الناتو آلِكسندر غروشكو أنه تم استخدام الواقعة في الأجواء التركية لإقحام الحلف في هذه الحرب.
وقد يؤدّي الحادث إلى فتور في العلاقة بين روسيا وتركيا، لا سيما أنّ التناقض في ما بين موقفي البلدين على صعيد الملف السوري لا يزال مصدر حساسية شديدة، إذ إن تركيا تصر على تنحي بشار الأسد الذي يحظى بالتأييد الروسي. وفي المقابل كشفت السفارة التركية لـ«كوميرسانت» أن لقاء سيجمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره التركي فريدون سينيرلي أوغلو في هذا الشهر من حيث المبدأ، وذلك في إطار مجموعة التخطيط الاستراتيجي المشترك، كما أن لقاء ثنائياً على أعلى المستويات بات على الأبواب، علماً أنه لم يتم تحديد اللقاء المزمع عقده حتى الآن وفقاً لما أفاد به المصدر لـ«كوميرسانت».
من جهة أخرى، ترافقت العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا بتطور معهود وحيوي. إلا أنه تم إيقاف مشاريع حكومية ضخمة. فبعد رفض مدّ أنبوب الغاز «السيل الجنوبي»، بدأت «غازبروم» وأنقرة محاولة توافق على بناء نسخة مصغرة منه هي «السيل التركي»، الذي تبلغ قدرته القصوى 63 مليار متر مكعب، ليتفق الجانبان فعلياً على بناء خط واحد لا تتجاوز قدرته 16 مليار متر مكعب، وتكفي لسدّ الاحتياجات التركية الداخلية، فيما لا يزال مستقبل مضاعفة القوة ضبابياً.
وشهد الربيع الأخير مباحثات ثنائية شابها التوتر والخلاف، ليعلن رئيس «غازبروم» آلِكسي ميلر أمس وبشكل نهائي أن روسيا غير مستعدة لتشييد أكثر من خطين. علاوة على ذلك رفضت «غازبروم» مضاعفة تزويد تركيا بشكل كبير عبر «السيل الأزرق». فقد تم الإعلان مؤخراً أن حجم زيادة الضخ لن يزيد عن مليار متر مكعب فقط لا غير، عوضاً عن ثلاثة مليارات سبق أن أُعلِن عنها.
المشاريع الأخرى تسير بتعثر أيضاً. فقد أُجّل إنشاء أول محطة كهرذرية في تركيا هي محطة «أكويو» التي تبنيها روسيا، وكان من المقرّر الشروع باستخدامها عام 2022، مع تعليل هذا التأجيل بعقبات فنية. ومن جانبها أعلنت المعارضة التركية عشية الانتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا أنها ستطالب بإعادة النظر في اتفاقية تشييد المحطة الكهرذرية، إلا أنه لم تُتخذ حتى الآن أيّ إجراءات ذات أهمية تُذكر.