الخندق الأول
شهناز صبحي فاكوش
سورية في مواجهة الإرهاب، خمس سنوات من الصمود، حرب لأجل السيادة والإنسانية، ضدّ الإرهاب المدعوم غربياً وأميركياً صهيونياً وخليجياً.
الكذبة الكبرى الديمقراطية، تدعمها دول لا تعرف الديمقراطية ولا تشمّ رائحتها عصابة آل سعود، تحكم بلا دستور ولا قوانين ناظمة. يُسجَن المرء عندهم لأدنى خلاف مع أيّ صعلوك في الأسرة الحاكمة. كما حدث مع الدكتورة المصرية…
سورية تحارب وحدها النازيين الجدد، الذين ملأوا أرضها دماء، وحرقاً، حصداً للرؤوس، تدميراً للتاريخ والحضارة… والعار يجلّل رؤوس العرب وهم بين داعم لقتلتها، أو ناءٍ بنفسه أو صامت متفرّج… وجميعهم أيديهم ملطخة بدماء السوريين.
سورية وحدها تحارب اليوم في معركة الوجود للأمة، يناصرها حلفاؤها الروس والإيرانيون، في حين تخلى عنها الأعراب والمتأسلمون، من دول تدّعي الإسلام بل هم يتآمرون عليها، ويساندون الإرهابيين ويموّلونهم لقتل السوريين.
في سورية مجازر هي ذات مجازر الصهيونية في فلسطين وذات مجازر النازية في الحرب العالمية الثانية.
سورية اليوم تواجه غزوة أممية، حيث تحالفت الأضداد التي يصعب اجتماعها وفق المعطيات السياسية… أميركا الإمبريالية، تركيا الإخوانية، «إسرائيل» الصهيونية اليهودية الاستعمارية، الناتو والتكفيريون. تناقضات متنافرة اجتمعت على سورية.
التكفيريون والإرهابيون، «داعش» و«النصرة»، «القاعدة» و«الجيش اللاحر»، «جند الشام» وكلّ الإرهابيين الذين صنّفوا دولياً، وغيرهم، كلاب مسعورة تنهش في الجسد السوري، بقدر ما تمارس من القتل والإرهاب بقدر ما تقبض أثماناً أكبر من مال نفط الخليج.
حرب بالوكالة على سورية، في طلب إنهاء نظامٍ هو الوحيد الذي يرفض الهيمنة الغربية والتبعية، ويرفض الصهيونية بكلّ أشكالها، بما فيها المستعربة التي تدور في فلكها الصهيوني، النظام العربي الوحيد الأنقى، مستهدف أميركياً وإسرائيلياً.
إنّ أكبر أزمة في تاريخ العرب المعاصر هي الأزمة السورية. فهل يمتلك بعض العرب الشجاعة الكافية بذات قدر الشجاعة الروسية، لمحاربة الإرهاب في سورية ودعمها سياسياً، لتخليص سورية من أزمتها، ومعافاتها من سقم مفروض بقسوة.
هل يمكن أن يفقه الذين غابت منهم الذاكرة، والذين لا يفقهون، أنّ سقوط سورية الدولة أو انهيارها كما يسعون، سيؤدّي إلى انهيار الأمة كما أحجار الدومينو…
أذكر لجان بول سارتر الذي أعلى صوته في وجه حكام بلاده فرنسا، عندما مارست أقسى أنواع الاحتلال في الجزائر، صارخاً في فرنسا… هل يمكن لعربي أن يصرخ في حكام بلاد النفط أنّ عارهم في سورية.
أو في رسالة كالتي أرسلها الدكتور أشرف بيومي إلى الرئيس السيسي، مبيّناً الخطأ الجسيم في اشتراك مصر في الحرب الشائنة الإرهابية على اليمن السعيد. ما جعله أكثر تعاسة مما فرضته عليه هيمنة عصابة آل سعود قبل حربها الظالمة عليه.
سورية نذرت نفسها عبر تاريخها القديم والمعاصر لتكون في الخندق الأمامي، مدافعة عن الأمة والمكوّن الذي تنتمي إليه، من زنوبيا وقبلها وبعدها حتى تاريخنا الحالي. والأزمة الخانقة التي نعيش فيها.
على الجميع أن يدرك أنّ ما يحصل في سورية جريمة صهيونية استعمارية، ووصمة عار في تاريخ العرب. الذي ستقرأه الأجيال في المستقبل.
سورية اليوم بصمود جيشها وشعبها، تكتب بدايات التحوّل العالمي ما تشهد له قبة الأمم المتحدة في عامها السبعين. انتصار سورية سيعرّي هؤلاء المرتزقة، والأموال الخليجية التي تعفّرت بدم السوريين، وستظلّ رائحتها تزكم الأنوف دهوراً.
لن ننسى، ولن تنسى ذاكرة السوريين، أنّ التخطيط الاستعماري ما كان لينجح في الإرهاب على سورية، لولا المال الخليجي. الذي كان بإمكانه أن يجعل من الأمة العربية، أمة الحضارة في التاريخ المعاصر، كما كانت على مدى العصور.
مَنْ غُرّر بهم من المواطنين السوريين استفاقوا على حقيقة أنهم كانوا فريسة لضباع الاستعمار والمؤامرة الجهنمية، التي تحرق بلادهم سورية، في استغلال مطالب المشروعة، لتكون مطيّة المؤامرة الجهنمية الدموية، التي أصبحوا هم وقودها.
أما من استسلم لفكرة اللجوء، فالبعض منهم اكتشف سريعاً أنه سلعة تتاجر بها الدول التي نصبت المخيمات له. بِذلّها ومهانتها بدلاً من كرامته في وطنه. أما اللاجئون الجدد فها هم يكتشفون أثمانهم في الغرب يوماً بعد يوم. ألمٌ لا يضاهيه وجع…
اقتُلِعوا من أرضهم وجذورهم، من لم يجد لروحه منفىً سيعود أدراجه ليعمّر وطنه بعد التعافي، فيرمّم جراح وطنه المذبوح، مع المرابطين والمقاومين، المتمسّكين بالثرى الغالي. الذين آثروا إلا أن تكون آخر شهقات حياتهم على الأرض الطهور.
الحرب على سورية، قتل للأمة برمّتها. الوطن لم يقع على ظهره ليظلّ وجهه للسماء فينهض بسرعة، متجاوزاً محنته… هو انكفأ على وجهه، لأنّ معظم
السوريين الذين انسكبت دماؤهم كسرسوب ماء لجدولٍ نقي، فهم يستشهدون كالسنديان واقفين… وتوارى جثامينهم ثرى بلادهم…
الجميع من المتآمرين على سورية يرتبكون اليوم للأهداف المحققة، التي ينجزها الجيش العربي السوري، ومقاتلاته الجوية بمشاركة الحليف الروسي الذي لم يتجاوز الشرعية الدولية ولا السيادة السورية.
الانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري جعلت الصحوة في عقول الكثيرين من حملة البنادق ضدّ الوطن الأم. والتوبة تجعلهم يتيممون وجه الوطن، لتستعيد بنادقهم وجهتها الحقيقية. فتكون بوصلتها الهادية الوطن الأم.
سورية تنتصر لتكتب مستقبل أبنائها، وتترك لهم إرثاً يستقون منه دروس ملاحم الأبطال في الدفاع عن الوطن. والدرس الأكبر أنهم وحدهم المعنيون بتقرير مصيرهم، ورسم حياتهم واختيار قائدهم. لأنه شأنهم وحدهم.
المدّعون في محاربة «داعش» اتضح زيفهم، أما «المعارضة المعتدلة» المفتعلة فانكشف فشلها بإعلان مصنّعيها. والشعب السوري في الوطن والمغتربات بعث أوذح ردّ على مّن يطالب برحيل الأسد… سورية في الخندق الأول وستنتصر…