سورية والعراق بين الإرهاب الدولي وإرهاب الإعلام

جمال العفلق

ما أن انتشر خبر سقوط الموصل، حتى بدأت المحطات العالمية والعربية حربها النفسية على العراق، وسارع الإعلام إلى رسم الصورة السوداء، فقامت الدنيا ولم تقعد، وبدأ تحويل الصورة من هجمة بربرية دموية منظمة، الى صورة حراك شعبي ومطالب محقة. ولم يكن ينقص هذه الصورة إلاّ وصف هذه الدموية بالحراك السلمي، على ما كان يوصف في سورية… ولا يزال!

فما بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه القرضاوي إلاّ إحدى الصور التي تدعم الإرهاب وتزيد من الشحن الطائفي والمذهبي. وليس غريباً على القرضاوي واتحاده مثل هذه المواقف، فهو يعتبر نفسه عراب «الربيع العربي» بالإضافة الى برنار هنري ليفي وروبرت فورد ورجب طيب أردوغان، ووصل التطرف لدى البعض إلى وصف هذا الأخير بـ«خليفة المسلمين»!

لن يكون الشعب العراقي أغلى من الشعب السوري أو الليبي لدى القرضاوي الذي ينشر بياناته من خلال القنوات العربية، وهو المدعوم من قبل أميركا، إذ يجلس في قطر وينشر سمومه ويبثها بدعم من أكبر قاعدة أميركية في المنطقة، ولا نظلم الرجل إذا قلنا إنه يكتب بياناته بمساعدة خبراء من السفارة الأميركية وغيرها.

أن يصف بيان اتحاد العالمي لعلماء المسلمين الحوادث في العراق على أنها حراك شعبي، ويحمّل الحكومة المسؤولية عن ذلك، متجاهلاً عمليات السلب والنهب والاغتصاب، ليس إلاّ تعميقاً لدور هذا الاتحاد في زرع الفتنة وتمزيق الشعوب، على طريقة «مشروع الشرق الأوسط الجديد».

يحلم القرضاوي، الذي بارك اغتيال العالِم الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي في دمشق، بأن يكون إمام الدولة السنية التي نشرت «داعش» خريطتها وتمتدّ على بلاد الشام والعراق. ولم يكن موقف القرضاوي الوحيد، فتصريح الجامعة العربية «المطاط» على لسان أمينها العام، والذي عقد اجتماعاً على مستوى مندوبين ليقرّر اجتماعاً آخر على مستوى وزراء الخارجية العرب على هامش اجتماعات منظمة العمل الإسلامي في جدة. ورغم أنّ دور الجامعة السلبي دائماً في القضايا العربية إلاّ أنّ مواقفها المسيّسة دولياً تكون مستنداً قانونياً مثلما حدث في قضية ليبيا عندما أعطت الضوء الأخضر للغرب لتدمير ليبيا، وتعمل على إيجاد مخرج قانوني لها لإعطاء الضوء الأخضر مرة أخرى لتدمير سورية عبر ما يُسمّى تأمين ممرات إنسانية. فلا أحد ينكر أنّ الجامعة العربية بعد إطلاق مشروع ما يُسمّى بـ«الربيع العربي» أصبحت مرهونة علناً لقطر والسعودية.

ما تباين هذه المواقف التي صدرت عربياً ودولياً وإسلامياً إلاّ دليل على نوايا مبيّتة لإعادة افتراس العراق، ولم ينس اللاعبون دفع معارضة الخارج السورية إلى التصريح وتسجيل المواقف التي قرأت ما حدث في الموصل على أنه حراك شعبي وثورة ضد الظلم، كما وصف ذلك ميشيل كيلو في أحد تصريحاته المكتوبة.

علّمتنا التجربة السورية أنه إذا بدأ إعلام ما يُسمّى بـ«الربيع العربي» العمل على قضية فعلينا أن نفهم أنّ المؤامرة اكتملت أركانها وبدأ العمل على تنفيذها لتحقيق الأهداف في رسم تلك الخريطة التي يرفض الذين يدّعون أنهم معارضة ودعاة حرية ومساواة فهمها أو قبولها على الأقلّ في العلن. فهذا الإرهاب الذي يسيطر على منابع النفط ليموّل نفسه ذاتياً، مَن يشتري منه غير الداعمين للإرهاب وبأبخس الأسعار؟ فمن غير المقبول ان نسمع تصريحات القائمين على حقوق الإنسان تصف الحوادث بالدموية في سورية والعراق وتحمل الحكومتين المسؤولية من دون التطرق الى أفعال المرتزقة من تهجير وسلب ونهب وقتل واغتصاب.

لكن الواضح في هذه الحرب، ورغم دمويتها، أنها أفرزت عملاً عسكرياً مشتركاً بين العراق وسورية سيفضي في النهاية الى تدمير هذا الهيكل الإرهابي وردّه الى مصدرة من حيث أتى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى