غزوة «داعش» وتعويض الهزيمة في سورية
غالب قنديل
تتوالى الوقائع التي تؤكد أنّ ما أعلنته المتحدثة باسم حكومة البحرين سميرة رجب عن حوادث العراق لم يكن زلة لسان، بل مجرّد رأس جسر سياسي وإعلامي لتعميم رواية زائفة تسند خطاباً يخدم سعي المملكة السعودية وشركائها في المنطقة الى الاستثمار على حركة الفصيل «القاعدي» المنشق، الذي حظيَ بمساعدات سعودية وتركية هائلة خلال العامين الماضيين لتصعيد الإرهاب في العراق وسورية.
يلاحظ الخبراء أنّ تركيبة «داعش» تحوي كمية كبيرة من الإرهابيين الأجانب، بينما يمثّل أعضاؤه وكوادره «السعوديون» والعراقيون ثقلاً نوعيّاً في هيكليته القيادية، وإذا كان انشقاق «داعش» عن شبكة «القاعدة» نذيراً بخروج فرعه السوري على سيطرة المشغّلين بعد رفضه الصارخ توجيهات أيمن الظواهري باعتماد «جبهة النصرة» كفرع رسمي لـ«القاعدة» في حلف الحرب على سورية، فإنّ دوره العراقي ظلّ يحظى بدعم واحتضان كبيرين من مصادر المال والسلاح ومن وسائل الإعلام السعودية والخليجية، ولم تحدّ المخاوف المعلنة أو المفترضة من تورّط الحكومة التركية في تقديم الدعم اللوجستي لتحرك «داعش» عبر الحدود مع سورية، ولا من الشراكة التركية التجارية مع هذا التنظيم لتسويق ما ينهبه من نفط سوري في مناطق سيطرته.
نشطت منظومة الإعلام الخليجية وملحقاتها لتعميم تسمية الثورة العشبية على عملية «داعش» التي نفذها بالشراكة مع فصائل وجماعات تكفيرية أخرى، بينما ظهرت في صلب الحلف العسكري والسياسي الذي يقوده «داعش» جماعات ورموز تنتمي إلى نظام الرئيس صدام حسين ومناصريه، الذين تحوّل العديد من قادتهم إلى اعتناق التكفير والتطرّف المذهبي، وبات بعضهم، بما في ذلك عدد من الضباط الكبار، شيوخاً وأمراء في الفصائل «الداعشية»، وهم مقيمون في الحضن السعودي.
في نظرة استراتيجية لموقع وتأثير غزوة الموصل وما تبعها في محافظات عراقية أخرى، يتبيّن لكلّ عين فاحصة أنّ الحكومات المتورّطة في العدوان على سورية وجدت عبر هذه العملية ضالتها في الردّ على الانتخابات الرئاسية السورية ونتائجها وانعكاساتها المتوقعة على توازن القوى في المنطقة.
تلك الحكومات تسعى إلى إشعال حرب أهلية عراقية لتعويض هزيمتها في سورية عبر خلط الأوراق في المنطقة، ولتحريك الضغوط والتهديدات في وجه إيران، محاولة التأثير في موقعها وقوتها في مسار التفاوض مع الغرب، وفي مستقبل العلاقات والتوازنات في منطقة الخليج.
مما لا شك فيه أنّ الاستثمار السعودي الخليجي التركي في المعارك التي يشهدها العراق يرمي إلى إيجاد مواقع للنفوذ الإقليمي داخل السلطة العراقية القائمة، بعد فشل محاولات كثيرة أعقبت الانسحاب الأميركي، ولذلك يجري تسييل التطورات والحوادث في إذكاء مناخ التصادم المذهبي في العراق والمنطقة بعدما أبرزت الانتخابات السورية صلابة الوحدة الوطنية المحققة بملايين أصوات السوريين حول زعامة الرئيس بشار الأسد، بينما تحقق الدولة الوطنية السورية نجاحاً متزايداً في تفكيك البيئة الحاضنة للإرهاب في ظلّ حرص القيادة السورية على مشاركة جميع المكوّنات الوطنية ومعها المؤسسات والمرجعيات الدينية السورية في ملحمة التصدي للعدوان الاستعماري الذي يستخدم جماعات التكفير والإرهاب، وقد شكل هذا النهج مصدر قوة رئيسي للدولة السورية ولجيشها الوطني، وهي تجربة حافلة بالدروس التي لا بدّ من تمثلها في خطة الدفاع عن العراق.
سوف يتوقف الكثير من نتائج المواجهات الدائرة على نهج القيادات العراقية في التصدي للهجمة الإرهابية التكفيرية، انطلاقاً من مبدأ ترسيخ الوحدة الوطنية والعمل الحثيث لتخليص العراق من دستور بريمر ونتائجة المدمّرة والتحرّك بصورة تجعل من مقاومة الإرهاب مخاضاً لولادة دولة وطنية قوية قادرة على الصمود، ولتشكُّلِ جيشٍ وطنيّ مقاتلٍ يرصّ صفوفه بهوية وطنية واضحة ينضوي المواطنون تحت رايتها، بعيداً عن العصبيات المذهبية والعرقية التي سعى المحتل الأميركي إلى جعلها وديعة متفجرة في حضن العراقيين.
إنّ الحكومات الداعمة للإرهاب التكفيري في العراق وسورية كانت تردّد في السرّ والعلن مزاعمها الكاذبة عن ارتباط «داعش» بسورية وإيران، وهي نفسها اليوم تمسح أكاذيب الأمس بجلابيبها وتروّج لما يقوم به «داعش» بوصفه تحوّلاً يعوّض الهزائم التي مُنيَت بها في سورية، وهذا سرّ الخطاب الانتصاري لجميع المتورّطين في العدوان على سورية الذي ظهر في الأيام القليلة اللاحقة لغزوة الموصل.
عضو المجلس الوطني للإعلام