فضاءات لبنانية واعدة… الابتكار تشكيلاً
هاني الحلبي
اختتم السبت الماضي «معرض بيروت التجريبي الرابع 2015» في جامعة «المنار» ـ طرابلس، الذي انطلقت فعالياته فيها منذ 5 تشرين الأول الجاري، بعد مرحلة أولى في «زيتونة باي» في بيروت من 8 أيلول الماضي حتى 20 منه. وفي المرحلتين، أكد الفنانون اللبنانيون سوياً الابتكار والريادة في فنون المعرض من التجهيز والتجميع واللصق وفن الفيديو والفنون الرقمية وفن الأداء وغيرها التي قدّمها عشرات الفنانين في معرض التجهيز الرابع في بيروت وطرابلس.
كان لافتاً في معرض التجهيز الرابع، إطلاق مخيلة الفنان لابتكار كل ما يخطر في بال وما لا يخطر، في أفق لا نهاية له بتشكيل المادة وكيفية هذا التشكيل لإيصال مفهوم العمل. وسبَر هذا المفهوم حدود النقد وغاص فيه حتى منتهى القوة والجرأة والوضوح، سياسياً وفنياً واجتماعياً ونفسياً وروحياً. من كيان لبنان ومسألة وجوده ومصيره، إلى سجن الروح في قفص المادة والجسد، إلى حوار الثنائي بين شريكين في حميمية متنوّعة، إلى قضية الانتماء للأرض وتذوّق قيمتها وحرية هذا الانتماء… نماذج من فضاءات فنية لبنانية لونية وتشكيلية تجهيزية واعدة.
استخدم الدكتور الفنان الياس ديب في تشكيلته بمقاييس 200-200-60 تنويعاً من أصداف وأكريليك على «كانفا» وزجاج وأشرطة وملونة ومرايا وأكواب زجاج وبلاستيك… بين ألوان الأبيض والأزرق والأسود والظلال. فخلق تفاوت الظل الغياب والضوء الحضور، وزاوج الأشكال والخطوط والمساحات في مربّعات متداخلة متفاوتة متمايزة الحجم والمكانة والتأثير.
وفي تشكيلته «دوامة الوطن ـ الأم»، يرى ديب أنه يصيب دوار الانتصار أحياناً رأس شخص واحد يسكن برجه العاجي. إنما الأكثر غرابة من الظاهرات غير العادية، أن يصيب الوباء نفسه طبقة كاملة من المنتفعين الذين يتحكمون بمقدرات الوطن الأم وأقداره، وقد أصبح الشعب كله رهينة جنونهم وجنوحهم. «يا أولاد العار، أيها الفريسيون اخرجوا… هذه بلادي أنا»…
أما الفنانة رلى شمس الدين الحلبي، في مجسّمها ثلاثيّ الأبعاد «مدوّنات حميمة»، بمقاييس 394-110-10.5 سنتم، وهو تجهيز من حديد وبلاستيك، فرأت أنها آثرت منذ عام 2007 تدوين مذكراتها الحميمة من خلال التعبير الفني، الذي تخطى بعملها هذا، حدود اللوحة البعدين ، إلى تجهيز من حديد وبلاستيك بثلاثة أبعاد إذ انطوت مدوّنة يومياتها على حاملة فراشي الأسنان خاصتها، حيث مثّلت، من خلال وضع الفرشاتين فيها، حالتها العاطفية الخاصة بكل يوم، ناقلة بشكل عفوي وتلقائي، كل ما يمكن أن يمرّ من مشاعر بين شريكين…
وتضيف الحلبي: «من ناحية الشكل، يدلّ الامتداد الأفقي على الخط الزمني الذي يخلق روتينية الحياة، تكسر رتابته غيمة في أعلى يمين العمل، تشير برمزيتها إلى الصورة المثال أو النموذج الكامل الذي يصبو كل إنسان إلى إيجاده في شريكه… أما ظلال الفراشي على خلفية العمل، فتحاكي شكل كروموزمات الكائن البشري، ما يكرّس الاختلافات الفردية وبالتالي نسبية الانسجام».
في تشكيلية الفنان عباس مكي «الموتى الأحرار والأحياء الموتى» بمقاييس 240-240 سنتم، عرض لتناقض بين طبيعتين واحدة متمرّدة تموت لتكون خارج القيود وأخرى انهزامية خاضعة تعيش أسيرة المادة ورهينة الواقع، عندما يصارع الجسد المادة فينتصر عليها بموته أو يقبل المهادنة فينهزم حياً.
أما الفنان عدنان حقاني في لوحة «الأرض الطيبة» بمقاييس 163ـ50 سنتم، وهي تشكيلية من تراب لبناني بألوان طبيعية، فيحاول العمل قراءة بصرية، بنصّه التشكيلي والتجهيزي. وهو نصّ يعتمد الرؤية المفتوحة على المدى… يتناول العنصر الزخرفي في أبسط أشكاله منطلقاً من حيّز بسيط إلى فضاء زخرفيّ أوسع بلعبة التضادّ اللونيّ وتنويعاته، جامعاً بين دقة الصنعة ومتعة الرؤية، متوخّياً من خامة لبنانية طبيعية متنوّعة الألوان، إيصال مفهوم قيمة الحياة ورحابتها بالحبّ والتعاضد ووحدة الروح والمصير.
وعن المعرض عموماً قال رئيس جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت الدكتور الياس ديب: للحياة دورتها وللفنانين سعيهم الدؤوب من شواطئ بيروت إلى الزمن الآتي، والحياة مستمرة في واقع الإبداع. الفن اليوم تفاعل وتواصل بين الأصيل والجميل، بين الغريب والعجيب، بين ما كان وما سيأتي ربما. وتمثل فئات التجهيز والتجميع واللصق وفن الفيديو والفنون الرقمية وفن الأداء وغيرها كمجالات المعرض. وهي فئات متصلة ببعضها، متداخلة أحياناً متفارقة حيناً… وتمثل منعطفات فنية جديدة لتيارات معاصرة في بلد الإبداع والابتكار لما لا يخطر في بال.