صباح زوين تغادر العالم المائل

لنا عبد الرحمن

لم يشبه رحيلها قصيدتها المتوترة، المتوجّعة، التي تترك بصمتها حين تقرأها من المرة الأولى، وتدرك أنك أمام قصيدة مختلفة.

رحلت صباح زوين بصمت، في وقت تلهّى فيه العالم، ومال عن الشعر، وانشغل بالحروب الكبيرة والصغيرة.

هي التي كانت جميع كلماتها ومعاركها انتصاراً للقصيدة، تركت نصف صفحة مطوية في كتاب تقرأه ومضت بعيداً.

أول مرة قرأت صباح زوين كانت عام 1996 في ديوانها «البيت المائل والوقت والجدران»، وانبهرت به جداً، ثم أحببت كل ما كتبته. في قصائدها شيء يشبه روحها هي، وغير متشابه مع أحد، حرّ، ومفتوح على المدى. كلمات نضرة، في أجواء تشكل حزنها الخاص وسط المحطات وأزيز القطارات الهادرة، والتأهب للرحيل، والتأمل عبر النوافذ المشرعة على الأفق.

دائماً هناك روح معلقة في قصيدة زوين، روح هائمة لا في الأرض ولا في السماء، شاردة بين الحنين والرغبة في المضي بعيداً امرأة ترتحل من مدينة إلى أخرى لا تبحث عن شيء، ولا تريد أكثر من حرية العصافير.

في قصيدة صباح زوين يقف القارئ أمام تساؤلاتها الجوهرية حول الحياة، الوجود، الموت، الحب، الشعر مرتكزة على استعارات وتشبيهات تزيد من التباس الجملة المائلة غالباً نحو غياب اليقين. هذا يمكن رؤيته في عناوين دواوينها: «كلّما أنتِ، وكلّما انحنيتِ على أحرفكِ»، «في محاولة مني»، «كأني، لأني، لست»، هي التي قالت عن نفسها ذات مرة: «أنا التي أكثر ما يقلقني في الشعر هو الشكل واللغة والمكان».

تقول في ديوانها «كلما أنتِ، وكلما انحنيتِ على أحرفك»: «كم ركضتِ، وعبر المدن الكثيرة وكم، ثم بجسدكِ رسمتِ أنتِ تخوم الأرصفة والشوارع وزوايا البيوت، أنتِ التي وقفتِ على عتبة الباب، وكانت الشمس وكان الجبل، كانت، وذلك الذهب على الخشب، أو، ساقاكِ الناصعتان في وهج النور، في وهج الصباح دائماً كنتِ، عندما الكلمة تحوّلت بريقاً وعندما بنورها الكلمة صورة ساطعة تكون، كيف وجهكِ وكيف بريقه في قلب المكان».

انفتحت زوين على أكثر من لغة غير العربية، مثل الفرنسية والإسبانية، كتبت في البداية مجموعتين شعريتين بالفرنسية، ثم عادت لتكتب بلغتها الأم. لكن هذا التفاعل اللغوي يحضر منفلتاً في قصائدها، خاصة في الصورة الشعرية المتوترة والخالية من الافتعال، يتشكل وجودها من حيرة عميقة، يتم التعبير عنها من صميم ارتباكها الوجودي، ربما من هنا جاءت فرادة قصيدتها، وخصوصيتها، ليس على مستوى المعنى فحسب، بل تنوع الشكل أيضا فكتبت قصيدة النثر، والقصيدة القصيرة جداً. والنص الشعري المفتوح كما في «البيت المائل والوقت والجدران».

رحلت صباح زوين بعد صراع مع سرطان الرئة، لم نكن نعرف أنها تعاني منه. غابت بصمت.

صباح زوين، لروحك السلام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى