البغدادي كلّف المكي بإدارة التماس مع «اليونيفيل»

يوسف المصري ـ خاص

عاد القلق بخصوص عودة العنف الإرهابي إلى لبنان، يسيطر على محافل أمنية وسياسية لبنانية جدية. وليس خافياً أنّ سبب القلق الراهن هو توقّع حدوث انعكاسات للأحداث المستجدة في العراق في لبنان ودول عدة في المنطقة أيضاً.

ولا يأتي تأكيد هذه التوقعات من التحليل الأمني والسياسي المرتبط بما يمثله داعش كجيل جديد من «القاعدة»، يؤمن بضرورة عبور الحدود الإقليمية وإحلال السيادة الجهادية لجماعة البغدادي على حساب السيادة الوطنية لدول سايكس ـ بيكو، في كلّ منطقة توجد فيها قواته أو خلاياه النائمة. بل إنّ تأكيد هذه التوقعات يتأتى أيضاً من وجود معلومات موثقة ومؤكدة عن أنّ داعش بدأ منذ الصيف الماضي وإثر صعود نجمه في سورية، بالعمل على بناء جسد تنظيمي إرهابي عنقودي له في لبنان، وذلك بعيداً من حراك جماعتيْ «جبهة النصرة» و«كتائب عبد الله عزام» اللتين أعلنتا في تلك المرحلة «الجهاد» ضدّ حزب الله في لبنان. بمعنى آخر فإنه في حين كانت الجماعتان النصرة وعزام تنفذان في لبنان عملياتهما الإرهابية في الضاحية وغير منطقة لبنانية، كان داعش يبني جسده الضارب ويوقظ خلاياه النائمة في الظلّ وتحت الأرض، استعداداً لإعلان «الجهاد» الإرهابي في لبنان وفق توقيت يناسب أجندته الخاصة.

وبالفعل فإنّ داعش، بحسب مصادر مطلعة، نجح في تحييد نفسه طوال العام الماضي، بحيث أنّ عمليات الأمن اللبناني لتفكيك خلايا النصرة وعزام، التي أعقبت هجماتهما الإرهابية في بلد الأرز، لم تشمل خلاياه المستكينة. وبالتالي حافظ داعش على وجوده وطوّر بناءه على مدى الأشهر الماضية، استعداداً لبدء عمل إرهابي خاص به ووفق أجندته وتوقيته.

وساد خلال فترة الأشهر الماضية سؤال أمني مهم، وهو هل استغلّ داعش فعلاً الحرب بين الأمن اللبناني وكلّ من جبهة النصرة وكتائب عبد الله عزام، ليقوم في الظلّ ببناء جسده الإرهابي في لبنان بعيداً من الأعين وتحفزاً لصراع دموي لاحق يفتحه بتوقيته الخاص؟!

وقائع معلوماتية

ما قاد إلى طرح هذا السؤال آنذاك هو وجود معلومات مؤكدة بأنّ داعش خلال الصيف الماضي أرسل بأمر من أبو بكر البغدادي مجموعة من نحو 16 ناشطاً من عناصره إلى لبنان، وذلك لبناء خلايا نائمة في غير منطقة لبنانية. ولكن هذه المجموعة الداعشية التي رُصد دخولها إلى لبنان، ضاعت آثارها لاحقاً. وطوال الحرب الأمنية الأخيرة بين الإرهاب الأصولي الأمن اللبناني لم تُلاحظ أية حركة لها. والسؤال الجديد القديم: هل أتمّت هذه المجموعة مهمتها، بمعنى هل أنشأت خلاياها الضاربة؟ وهل الوقت الآن صار مناسباً على خلفية الحدث العراقي لأن يقوم داعش بإصدار الأمر العملياتي إليها بغية فتح جبهته في لبنان؟ وهو ما يحتاجه داعش الآن لإظهار نفسه بأنه قوة تمتلك أوراقاً إرهابية ضاربة بدءاً بالعراق مروراً بسورية وصولاً إلى لبنان.

المعلومات عن المجموعة المؤسسة

وقالت تقارير استخباراتية موضوعة خلال الصيف الماضي إنّ نظرية «توحيد فضاء المواجهة الجهادية للقاعدة وفق صيغة داعش، لتمتد من العراق إلى سورية فلبنان»، بدأت إرهاصات تطبيقاتها العملية تصل فعلياً لبلد الأرز منذ ذاك الوقت صيف 2013 . وتظهر هذه المعلومات أن التنافس بين داعش وجبهة النصرة في سورية للإمساك بزمام مبادرة حراك الجهاديين فوق الساحة السورية، بدأت بوادر إرهاصاته العملية تصل إلى لبنان أيضاً، ولكن ضمن أجندتين اثنتين مختلفتين. ففي حين أن النصرة بدأت تخوض منذ أشهر حينها عمليات أمنية في لبنان وفق قواعد اشتباك لإشغال لحزب الله، فإنّ داعش بدأ من جهته بإرسال نشطاء خبراء إلى لبنان لبناء حيثية إرهابية مستقلة له في هذا البلد، تمهيداً لفتح اشتباك في توقيت يناسب أجندته السياسية المغايرة لأجندة أبو محمد الجولاني وأيمن الظواهري. وأكدت هذه التقارير آنذاك أنّ البغدادي قرر العمل في كل دول المشرق العراق وسورية ولبنان على نحو مستقل عن شقيقاته في «القاعدة» وبأسلوب يجعله القوة الأوحد فوق هذه الساحات.

مجموعة المكي

وقدمت تلك المعلومات حينها وقائع مادية تثبت أن الدولة الإسلامية في العراق والشام بدأت بالدخول إلى لبنان. وتحدثت هذه المعلومات بالوقائع عن المجموعة التي كلفها البغدادي بالدخول إلى لبنان الصيف الماضي، وسمتها بالمجموعة المؤسسة للجسد الإرهابي لداعش في لبنان، وذكرت أبرز أسماء عناصرها واسم مموّلها وبنك أهدافها.

وقالت هذه المعلومات إنه بالتزامن مع صعود نجم داعش في سورية، تعاظمت حركة دخول أفراد ونشطاء ينتمون إليها إلى لبنان. وبحسب هذه المعلومات فإن نحو 16 عنصراً دخلوا لبنان ما بين يومي 15 و 16 الشهر الماضي، وهم ينتمون إلى القيادتين العسكرية والتنفيذية في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، عرف منهم ساجد الأطرش وصبحي رمضان وشخص من آل العريجي وزهير البنوي وسالم العدناني وسمير الانا وخليل فؤاد وعلي عبد الرؤف وإسلام خالد وشريف المنصوري.

وتكشف المعلومات عينها أن الشخص – المشغل المباشر لهذه المجموعة هو أمير سعودي الجنسية يدعى عارف المكي المرتبط مباشرة بأمير دولة الإسلام في العراق أبو بكر البغدادي. ولائحة الأهداف التي وضعها المكي لأفراد مجموعته التي أرسلها إلى لبنان تشتمل على تنفيذ عمليات ضدّ مناطق ومرافئ حساسة في لبنان.

وتشير هذه المعلومات إلى وجود صلة عملياتية أيضاً بين المكي وأحمد جاد الله الذي تقع ضمن مسؤولياته الرئيسة الإشراف على مخزون من أسلحة كيماوية وغاز السارين التي بحوزة دولة الإسلام في العراق والشام.

وتكشف هذه المعلومات أهداف خطرة تكلفت هذه المجموعة بالتحضير لها، وذلك بالتعاضد مع مجموعات أخرى شقيقة لها، وهي منقادة أيضاً من داعش. وتضمّ هذه الأخيرة التي لا تزال قيد الإنشاء نحو 15 خلية نائمة تنشط في الجنوب ونحو 30 خلية مماثلة تنشط في الشمال. ومن هذه الأهداف الموكلة لها استهداف «اليونيفيل» وإطلاق صواريخ عبر الحدود باتجاه الأراضي الفلسطينية. وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن مراجع لبنانية عبّرت آنذاك خلال فترة ارتفاع منسوب إمكان توجيه ضربة أميركية ضدّ سورية، عن قلقها من وجود معلومات خارجية تحذّر من إمكان أن تستغلّ قوى تابعة لدولة الإسلام في العراق والشام ظروف العدوان الأميركي على سورية لتقوم بإطلاق صواريخ بدائية محملة بمواد كيماوية، من لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويلاحظ بحسب المعلومات المتوافرة عن طبيعة المهمات المكلفة بها مجموعة المكي أنها تتضمّن ثلاثة أهداف، أولها العمل على تنفيذ قرار القيادة التنفيذية والعسكرية لداعش بدخول لبنان، وذلك تطبيقاً لتوجيه صادر عن أمير دولة الإسلام في العراق أبو بكر البغدادي أصبح معلناً الآن بعد تصريحه في 15 – 6 – 2013 أن دولة الإسلام في العراق والشام ستهدم كل حدود سايكس بيكو في بلاد الشام ، ومفاده أن داعش سيرسم بالنار حدود الدولة الإسلامية في العراق والشام ولبنان.

ثانياً، يبدو واضحاً أنّ مهمة استهداف قوات «اليونيفيل» تحتلّ منزلة مهمة على لائحة مهماتها الإرهابية في لبنان. وثمة ميل لدى مصادر مطلعة للاعتقاد بأنّ دولة الإسلام في العراق والشام، تريد خلق تماس مع قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان من أجل تهديد الغرب وتركيا بالمسّ بهما في حال حصل ما يخشاه داعش الآن بخصوص أن يتوجه كلّ من أميركا وفرنسا ومعهما تركيا إلى خلق حالات صحوة سورية وإعادة إحياء حالات الصحوة العراقية ضدّها أيضاً وفي كلّ الأماكن التي يتقدم داعش للسيطرة عليها مستقبلاً في المناطق الشمالية السورية المحاذية لكلّ من الحدود التركية والعراقية.

ثالثاً، من بين أبرز أهداف الحراك المستجد لداعش تجاه لبنان، هو الوجود داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان توصلاً للسيطرة على بعضها. وتفيد معلومات ذات صلة بهذا الهدف أنه خلال نهاية شهر آب الماضي عقد اجتماع حضره خمسة ممثلين عن أبو بكر البغدادي إلى جانب نشطاء من القاعدة بينهم عبد الملك الماجد وخالد العبد وأبو محمد المقدسي. وخلص الاجتماع إلى قرارات منها ضرورة إحداث زيادة في أعداد عناصر القاعدة كخلايا نائمة داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتشكيل غرف عمليات مركزية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى