عملية الخليل… وسلطة التنسيق الأمني

رامز مصطفى

ما هي حكاية رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، مع التنسيق الأمني؟ كلما قام يده عن قدمه يكون التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني حاضراً في كلامه! هو لا يترك مناسبة، أو مقابلة أو تصريح، أو لقاء أو اجتماع، إلاّ ويتحدث بإسهاب عن التنسيق الأمني والتمسك به على اعتبار أنه مقدس، ولا يمكن التنازل أو التخلي عنه. حتى أن أبو مازن ومع تشكيل حكومة التوافق الوطني، والتي جاءت ثمرة اتفاق مخيم الشاطئ مع حركة حماس لم يراعِها ولو في الحدّ الأدنى، ليؤكد على التنسيق الأمني، بمعنى أنه يقول ليس لحماس وحدها بل ولكافة الفصائل والشعب الفلسطيني من لا يعجبه كلامي، ليذهب إلى بحر غزة ويشرب منه . وكأنّ هذا التنسيق العار والمدان والمشبوه أصبح اللازمة للسلطة الفلسطينية ورئيسها. في الوقت الذي لا يقيم نتنياهو وحكومته أيّ وزن يذكر للأجهزة الأمنية في السلطة، والتي هي من المفترض أنها الطرف الثاني في عقد هذا التنسيق كما الزيجة التي لا طلاق فيها، لا بأبغضه، ولا في حق العصمة والمسك بها .

ومع عملية الخليل وما نتج منها من اختفاء ثلاثة مستوطنين صهاينة، من مستعمرة غوش عتصيون في الخليل، وتصاعد حفلة الجنون التي تشهدها الدوائر في حكومة نتنياهو. حيث تشنّ قوات الاحتلال حملة عسكرية واستخباراتية واسعة النطاق لم تشهد لها مدن وقرى الضفة الغربية مثيلاً لها. ونتج منها اعتقال العشرات من الناشطين الفلسطينيين، ومن بينهم وزراء ونواب وفي مقدمهم عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي، ومحرّرون سابقون من سجون الاحتلال. هذه الحملة والتي طاولت أيضاً قطاع غزة بالغارات الجوية على عدد من مواقع المقاومة الفلسطينية. هذه العملية والتي أتت بالتزامن مع الإضراب المفتوح الذي أعلنه أسرانا الإداريون في سجون الاحتلال منذ ما يزيد على الخمسين يوماً. وإذا كانت حملة الهستيريا التي تنتاب نتنياهو وحكومته وقادته العسكريين والأمنيين كتعبير دقيق عن مدى القلق الصهيوني من عودة الروح للمقاومة في الضفة الغربية، من خلال عملية الخليل، التي مثلت بارقة الأمل في استعادة قوى المقاومة زمام المبادرة في مناطق الضفة الغربية. بعد ما سببه التنسيق الأمني بين أجهزة أمن السلطة وأجهزة أمن الكيان الصهيوني، من أضرار فادحة أقلها أنها كبلت المقاومة وجعلت ناشطيها عرضة للاعتقال أو الاغتيال على يد سلطات الاحتلال الصهيوني. هذا التنسيق الذي عاد رئيس السلطة لإشهاره كما السيف في وجه الفصائل وقوى المقاومة في الضفة والقطاع. وهو الذي أبدى حماسة منقطعة النظير في إبدائه في مدّ يد العون للأجهزة الأمنية الصهيونية في بحثها عن هؤلاء المستوطنين الذين شاركوا في الاعتداء على شعبنا وأهلنا في الخليل وغيرها من مناطق الضفة. والأغرب أنّ رئيس السلطة يتساءل باستغراب: «لماذا الاحتلال يتصرف هكذا، ونحن أول من اكتشف السيارة المحروقة التي استخدمها الخاطفون». وقد ذهب أبو مازن في كلامه عن عملية الخليل، ومن على منبر مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد في السعودية. إلى اعتبار التنسيق الأمني مع «إسرائيل» أنه «مصلحة للفلسطينيين حتى لا تندلع انتفاضة جديدة»، ويتابع رئيس السلطة كلامه «الفتيان الإسرائيليون الثلاثة المختفين بالضفة هم بشر ونحن نبحث عنهم حتى نعيدهم إلى عائلاتهم، وسنحاسب من قام باختطافهم كائناً من كان». وأضاف أبو مازن: «إن من قام بخطف المستوطنين يريد أن يدمر السلطة، مؤكداً أنها سيكون لها حديث آخر معه أياً كان» ودافع عباس عن التنسيق الأمني مع الكيان الإسرائيلي، وقال إنه من مصلحة السلطة لكي تحمي الشعب الفلسطيني، وختم بالقول: «هذا ليس عاراً وإنما واقع نحن نلتزم به، كما تلتزم به حكومة التوافق الوطني».

بدورها الفصائل الفلسطينية تقف في المقلب الآخر من خلفية تقييمها لعملية الخليل في التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وفي القيام بكل ما من شأنه تحرير أسرانا، بما فيه الإقدام على عمليات تهدف إلى أسر جنود صهاينة. وبالتالي رفضها بل تنديدها بتصريحات رئيس السلطة حول التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي يمارس القتل والاعتقال والإرهاب بحق شعبنا ونخبه وقياداته وأبنائه. وفي ردها على تصريحات أبو مازن في شأن التنسيق الأمني، قالت الجبهة الشعبية القيادة العامة: «إن تصريحات ومواقف رئيس السلطة من التنسيق الأمني وتباهيه في وصفه بالمقدس ليس فيه جديد، بل هو تأكيد المؤكد على سلوك لطالما خبره الشعب الفلسطيني». ومن ناحيته، اعتبر محمد البريم «أبو مجاهد» الناطق الإعلامي للجان المقاومة: «أن هذه التصريحات لا تليق برئيس السلطة، فحديثه استكمال لدور الاحتلال». أما النائب عن كتلة التغيير والإصلاح يحيى العبادسة فصرح: «أخشى أن يكون عباس فقد ذاكرته ولم يعد له ذاكرة وطنية، مؤكداً أن الذي يجري معيب بكل معنى الكلمة». فيما اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وعلى لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري «أن تصريحات الرئيس عباس حول التنسيق الأمني غير مبرّرة وضارة بالمصلحة الفلسطينية، وهي تمثل إساءة إلى نفسيات آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون للموت البطيء في سجون الاحتلال». أما مسؤول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب فقال في تصريحٍ لـ»وكالة فلسطين اليوم الإخبارية»: إن «التنسيق الأمني» أشبه بكأس السم الذي تجرّعناه على يد من ارتكبوا إثم التوقيع على اتفاق أوسلو المشؤوم وتوابعه». بدورها الجبهة الشعبية قالت: «فليذكرنا المتحمّسون للتنسيق الأمني كم مرة قامت فيها حكومة الاحتلال وأذرعها الأمنية بمنع اعتداءات المستوطنين على أهلنا وأرضنا في كل بقاع الضفة، وكم مرة منعت قوات جيش الاحتلال من اجتياح المدن والقرى لاعتقال فلسطينيين أو هدم بيوت، وكم مرة منعت المستوطنين من غزو المسجد الأقصى وغير ذلك الكثير».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى