هيئة التنسيق النقابيّة… الهادمة البانية
حسين علي ماجد
الشكر والتحية لكم يا أبناء هيئة التنسيق النقابية، والتقدير لوعيكم وانتفاضتكم ولمواطنيّتكم ووحدتكم ولمقاومتكم الهادمة الشرّ والظلم والظلام والباطل، الهادفة إلى بناء لبنان الخير والعدالة والنور والحق، ولصمودكم وثباتكم في وجه ثالوث الشر، فرعون وهامان وقارون ثالوث التسلط والطائفية والمال وأتباعهم وزبائنيتهم.
إنه صراع تاريخي بين الإنسانية والبهيمية التي تتجاهل أنّ الأرض هي للناس جميعاً وأنّ خرابها من أعواز أهلها، وتستبدّ بمصير الأوطان والمواطنين محتكرة منفردة للطبيعة وخيراتها، تساعد الجماد ليقضي على الأحياء، وتساند الموت لتسلب الحياة، لا دين لها ولا قومية ولا وطن، لاعقل، لا قلب ولا حياء.
لقد حرّر الشعب بجيشه ومقاومته هذا الوطن، ويبنيه محافظاً عليه حراً عزيزاً مستقلاً لجميع أبنائه، فتنكّروا له وانقضّوا عليه ورسّخوا استغلالهم وسيطرتهم وتسلّطهم متحكّمين فينا، مستخفّين بالجهود والتقديمات والتضحيات، ووقفوا يصرخون من دون خجل أو حياء أو فهم بما ينطقون قائلين: «ملء عين الزمان سيفنا والقلم» ويحاربون ممتشقي السيوف الأبطال وحملة الأقلام الشرفاء ويأكلون حقوقهم، إنهم لم ولن يملكوا أو يحملوا يوماً سيفاً ولا قلماً.
اصبروا واستعدّوا وأقدموا وضحّوا مهما كبرت التضحية وعظمت فهي أسهل من استمرارنا في تقديم التضحيات ولو كانت صغيرة مدى الحياة، ولا تهدأوا ولا تتراجعوا حتى تحققوا للجميع عيشاً حراً كريماً، وتبنوا وطناً قوياً منيعاً آمناً، واعلموا أنّ يوم العدل على الظالم والمستبدّ أشدّ وطأة من يوم الجور على المظلوم.
تعلمون من دون شك أنّ بعض حكامنا لا يقيمون لنا وللشعب كلّه وزناً، ولا يشعرون حتى بوجوده إلاّ عندما يحتاجونه سلماً أو مطية، ولقد استغلوا طيبته وأفادوا من نبل أخلاقه عندما رفعهم فوق قدرهم فبادلوه بالكره والعداء وحطّوا من قدره بقدر ما رفعهم.
لقد أجهزوا بكذبهم ومواقفهم وقوانينهم على ما تبقى من ديمقراطيتهم ودفنوا أغنيتهم وهي حكم الشعب من الشعب وللشعب وتبنّوا ويربّون اليوم وبكلّ فخر حكومة الشركات من الشركات وللشركات.
تيقّنوا أنّ نضالكم أيقظ الضمائر وعزّز الثقة بالنفوس واكتشف القدرات والطاقات وحرّك السكون واللامبالاة، فلا تيأسوا، فدائرتكم إلى اتساع، وجماهيركم إلى ازدياد، إنكم على حق والحق إلى جانبكم فاخرجوا ولبّوا دعوة أبي ذر الغفاري شاهرين سيوفكم لتأمين قوتكم والحفاظ على إنسانيتكم، ونفّذوا حكمة الإمام علي وقد تمثّل لكم الفقر فاقضوا عليه وعلى
مسبّباته وتخلصوا من حكم مسبّبيه واسجونهم في أوكارهم الطائفية والسياسية والمالية.
لا تستهينوا بهم فلهم جنودهم في مجالات الرشوة والتزوير والتهريب والتسويق، ولهم شركاء ومعينون، إنهم ورثة المال والحكم والمراكز والألقاب أمير، باشا، بيك، أفندي، آغا وشيخ… يفاخرون بعائلاتهم وأجدادهم وآبائهم، ومعظمهم من بقايا الأتراك إقطاعاً ومخلفات الفرنسيين احتكاراً، لا تكترثوا بهم ولا تهتمّوا لهم، فمن أبطأ به عمله وسلوكه وسمعته لم يسرع به حسبه، ومن يرث منصبه غير قادر وغير مؤهّل للقيام بمهمّات هذا المنصب، فليملكوا ولكن لن نسمح لهم بعد أن يحكموا.
عاجلوهم بحقوقكم ولا تمهلوهم لأنهم إذا تأخروا وفكّروا رجعوا الى طبعهم المعهود، ولا تعتمدوا على «الهامانات» حماة الطائفية ومؤسساتهم ليساعدوكم ويخلصوكم، لأنّ معظمهم يشاركون «فرعون» السلطة ويسايرون ويساندون «قارون» أخطبوط المال والجميع يؤلفون الحكم الطاغية.
تجاوزوا مواقف البعض واعذروهم على تصريحاتهم وتسرّعهم، وتواصلوا معهم وحاوروهم لأنّ موقعهم الطبيعي إلى جانبكم، وإن مقولة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» التي يردّدها بعضهم تسمح للذئاب بالحياة بيننا ليأكلوننا عندما يجوعون، فلن يشبعوا ولن يبقى منا ومنهم أحداً لأنهم بحسب علمنا ليسوا ولن يصبحوا ذئاباً، وهل يأكل الشاة من اختارته راعياً لها؟
لقد أعدوا لكلّ حق باطلاً. استعانوا بأكاذيب حقيرة لتبرير مواقفهم وللاحتفاظ بامتيازاتهم وليظهروا أنفسهم أنهم حريصون على الوطن وعلى اقتصاده، وخائفون على بعض فئات الشعب من الضرائب وأنهم يحتجون على النعوت التي تصفهم بها هيئة التنسيق، وسخروا أبواقهم وحراس نظامهم للتنظير لهم ممن يتقاضون راتباً من خزينة الدولة يفوق رواتب خمسين رئيس دائرة في القطاع العام. وأن بعضهم يملك مليارات الدولارات وألوف الأسر تكاد لا تملك قوتها. إن وراء كلّ ثروة من ثروات معظمهم سرقة أو جريمة، ويصحّ في بعض منهم حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم «بيوت الأثرياء بيوت الشياطين».
أما في ما يتعلق بثورة المجلس النيابي لكرامة ساكنيه والتي اعتبرها البعض تطاولاً على النواب، فإننا لم ولن ننسى المآتم وتقبل بعض الكتل النيابية التعازي وهي توديع خريجيها عندما عملوا لحسابهم الخاص مكتملة ثرواتهم وفوح روائح خزائنهم العطرة تزكم الأنوف، والشعب اللبناني اليوم يأنس لمسرحهم النقال بين المجالس والهيئات والصناديق، وبعرض مستمر للفضائح والتعديات والسرقات، يعرضها بأسلوب شائق وسيناريو رفيع في لغته وعباراته، ونقول لهم «ليس بعاقل من ينزعج من قول الزور فيه ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه».
انتفاضتكم تأسيس لعصر لبناني جديد، تجاوزت بنوعيتها ومطالبها وصمودها وتنوّعها معظم التنظيمات النقابية والمدنية والأهلية، فهي امتداد إذا جاز القول لعاميتي لحفد عام ١٨٢١ وإنطلياس عام١٨٤٠ حين ثار اللبنانيون بفطرتهم وبمواطنيتهم ضدّ الإقطاع والإقطاعيين.
تحلّوا بالصبر وعزّزوا بنيتكم التنظيمية أوّلاً وتواصلوا مع من لا يضمر لكم شراً، ولنبن مجتمعاً إذا اهتدوا وغيّروا ما بأنفسهم وبدّلوا سلوكهم ولن يبدّلوا، لأنهم لم يتركوا في لبنان قاسماً أو جامعاً مشتركاً حتى بتنا نخاف على الشمس والهواء. لنبن مجتمعاً لجميع أبنائه للجميع وبالجميع.
لقد فوجئوا بانطلاقتكم وتوجّسوا منها خوفاً، فكان طبيعياً أن يتظافر هذا الجسم المريض ضدّ العضو الجديد السليم، وقد أدركتم منذ البداية أنّ تنظيمكم هو المستهدف قبل سلسلة رواتبكم، بدليل أنها أعطيت لغيركم من دون اعتراض. ولكن تفاءلوا بالخير، سوف نحقق أهدافنا، وليعلم الجميع أنّ قضايا الداخل تحصّن قضايا الخارج وتتكامل وتتوحّد معها، وكلنا ثقة بمراجعة بعض من نثق بهم لمواقفهم ووقوفهم إلى جانب الحق والعدالة والإنصاف.
موظف متقاعد