لحّام: سنفتقده في الظروف المفصلية

زحلة ـ أحمد موسى

تواصل عائلة الراحل النائب والوزير السابق الياس سكاف تقبل التعازي بفقيدها، الذي ودّعته زحلة ولبنان الرسمي والشعبي بمأتم مهيب يوم أول أمس. ومن أبرز المعزين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في كنيسة سيدة النجاة في زحلة، ووزراء ونواب وشخصيات سياسية وحزبية وفاعليات ووفود شعبية.

وكان موكب التشييع انطلق في التاسعة صباح أول أمس من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، ولدى وصوله إلى الكحالة استقبله أهاليها وأنزلوا النعش إلى داخل كنيسة السيدة حيث تُليت الصلاة على جثمانه. بعدها تابع الموكب طريقه باتجاه ضهر البيدر. حيث كانت محطة استقبال ثانية في المريجات وسط الأهازيج وقرع الأجراس وإطلاق النار والمفرقعات، نزولاً الى تقاطع قب الياس شتورا، حيث وافاه محبُّوه ومناصروه من عمّيق والبقاع الغربي، ونظموا له استعراضاً رفعت فيه الأعلام اللبنانية ونثرت الورود ورقصت فرق الخيالة حاملة رايات الحزن والأعلام اللبنانية.

وتابع الموكب طريقه وسط الحشود والوفود الشعبية التي انتشرت على جانبي الطريق في سعدنايل وتعلبايا، حيث رفعت مئات اللافتات وأقواس النصر التي حملت صور الراحل وعبارات تستذكر مواقفه، وتحيّي «مَن فتح صفحة مشرقة بتاريخ زحلة التي خسرت نائباً ووزيراً وزعيماً وأخاً ورفيق درب».

ثم انتقل الموكب إلى حوش الأمراء – كسارة – ساحة المنارة، فمدخل زحلة، حيث أنزل النعش وحُمل على الأكف وسط إطلاق نار كثيف، وسلك المشيّعون بولفار زحلة إلى مدرسة الكلية الشرقية فدار الكتلة الشعبية، وصولاً إلى كاتدرائية زحلة للروم الملكيين الكاثوليك، حيث رأس صلاة الجنازة بطريرك انطاكيا للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً بالنائب ميشال موسى، رئيس الحكومة تمام سلام ممثلاً بوزير الداخلية نهاد المشنوق، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان ممثلاً بالدكتور جورج جريج وعضو الكتلة القومية النائب مروان فارس ووفد من منفذية زحلة، الرئيس السابق ميشال سليمان، الرئيس حسين الحسيني، ممثل البطريرك الماروني بشارة الراعي المطران جوزف معوّض، ممثل بطريرك انطاكيا للروم الأرثوذكس يوحنا يازجي المطران الياس كفوري، والسفير البابوي غابريال كاتشيا.

كما حضر عدد كبير من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وممثلون عن مختلف الأحزاب اللبنانية، وحشد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ورجال دين، ووفود شعبية من مناطق البقاع.

درويش

واستُهلّت صلاة الجنازة بكلمة للمطران درويش، قال فيها «غابت ابتسامتك البريئة، وتركت أحباءك وأصحابك يتحدثون عليك يا حبيب زحلة». وأضاف «لا شك في أن الزحليين والبقاعيين عموماً، قد انتابهم حزن شديد وغصة في القلب حين بلغهم خبر رحيلك. كلنا رأينا عياناً، أو على الشاشات ووسائل الإعلام ابتسامتك الرضية، وكأنها فيض من طيبة قلبك وحلاوة روحك، وكلنا نعلم كيف ضاق الراحل الكبير بالظلم والعجرفة، فما رضي أن يغضّ الطرف عما يمسّ بكرامة البلد، أو ما ينذر بخرابه، فنفى نفسه راضياً بالغربة، وهو كان الحاضن الكبير في أفراح اللبنانيين ومواسيهم على امتداد عشرات السنين».

لحام

وألقى البطريرك لحام كلمة جاء فيها «نودّع اليوم هذا الوجه المشرق المميز. إنه جزء من تاريخ زحلة ديناً ودنيا. إنه شخصية اجتماعية وسياسية ولبنانية. هذا اليوم هو يوم عبور الياس من هذه الحياة الفانية الدنيا، وذلك في يوم عيد ميلاده. ينتقل إلى شاطئ بحر محبة الله اللامتناهية. هذا اليوم، هو يوم عبور فقيدنا الغالي، وكلنا نفتقده اليوم، وسنفتقده في خواتم الأيام وفي الظروف المفصلية في تاريخ زحلة المحبوبة وتاريخ لبنان الحبيب، وبلغة الحياة والقيامة شايفين لابسين أكثر الرعاة والكهنة بنفسجي أو أحمر، أما أنا فارتدي اللون الأبيض، لأننا ننتقل من الصليب إلى القيامة رمزها البياض».

وتابع «اليوم، في وداعه كلنا أخوة وأبناء زحلة متضامنون، ومؤتمنون معاً على رسالة زحلة فهي رسالة لبنان. وإني لأذكر ما قاله السيد المسيح: لهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إن كنتم تحبون بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الناس أنكم زحليون، إن كنتم تحبون بعضكم بعضاً. وأقول للبنانيين بهذا يعرف الناس أنكم تحبون لبنان، وسوف تنجحون في انتخاب رئيس إن كنتم تحبون بعضكم بعضاً».

ميريام سكاف

وألقت أرملة الراحل ميريام سكاف كلمة باللهجة العامية، قالت فيها: «متل لي كأنو عيد. شوي رح بتطل رافع كاس نبيد. ولأول مرة بشوف عيد مبلش من البحر للجبل. رافع ع كتافو موكب أسود من بيروت لزحلة. ملوّن ع كل هالدرب. بناس وورد وكتير من الحب. وفي إيدين عم بتلوّح. ووراق شجر عم تنزل لتسلم عليك وتقلك ما تغيب. تعا، فتحهن عليي عيونك يا إيلي. تعا، مش دموع هودي الي بعيونك، هيدي فتافيت حلم انكسر. مش حزن هيدا اللي بقلبنا. هيدي حرقة عمر انقهر. قوم يا مزيّن هالدني. خليك شال. ما تصير خيال. قوم طفّي شموعك. خود من عمري عمر بس ما تبعد عن هالبال. شو حلو حب الناس إلك. إنت اللي انزرعت فيهن. كنت حلمن. وقفت عند أوجاعن. وكل ما شفيوا كنت تكبر. صرت القصة اللي رح تتخبّر.

وصّانا بالحب حتى بوج البغض. وتركلنا زاد بيكفي بلاد. زاد من الكرامة ووقفات العز والروح الإنسانية اللي كانت موزعة ع الكل. وتحت هالمبادئ بنعلن إنو بيت إيلي جوزف طعمة سكاف. لي عمر فيكن. رح يكبر ويعلا فيكن، ورح يضل مفتوح للناس. كل الناس. وجعكن وجعنا. وفرحكن فرحنا. وبلوغكن الأهداف هوي هدفنا. ويمكن قلال منكن بيعرف إنو إيلي سكاف اختبر طفولة أكتر من صعبة. كان فيها الشقي رفيق أول الصبا، وعي عالدني لقي حالو ببلد بعيد. بحقول ما بيعرفا. واضطر إنو يفلح الأرض تتضل حاملتو هالأرض. إبن 16 سنة تعرف إيلي على بيو لأوّل مرة. واليوم عم يترك ولادو هنّي وبعمر الـ16. وكأنو القدر عم يرسم عمار عالقد. وعم بيحدد عدد سنين الرعاية الأبوية.

يا جوزف ويا جبران. يا ولاد إيلي سكاف. انتو هالحلم الي بيكن عاش على أملو. كونوا الحقيقة لي ما بتغيب. إيلي لي كان رفيقكن وبيّكن بنفس الوقت. تركلكن قيم عالية وإرث من محبة الناس لي تجمّعت لتصير «كتلة شعبية». بيّكن يا ولادي ما بيشبه حدا. وكان ما يفرّق بين حدا. مسيرتو السياسية ما اقتصرت عالنجاح لوحدو. إنما محطات الفشل تعلّم منها كتير. وأول درس حفظو أنو بالسياسة ممكن كمان تمرق عليك أمراض خبيثة وما إلها علاج. وإيلي سكاف من الشخصيات لي وقفت بوجّ الريح، حتى لو ما كانت عم تشتهي السفن. ولما قرر إيلي يفل أخذ معو وجعو وبس. وترك الأمراض السياسية لاصحابا. ومين قال إنو ما تركت ع جسمو مرارة وحسرة. ومين قال إنو هالإنسان الطيب ما كان عم يتواجه بنوايا سيئة. وبحرب جربت وما قدرت تهزّ الزعامة يلي تربّع فيها ع قلوب الناس.

الكتلة الشعبية

أما كلمة «الكتلة الشعبية» فألقاها جان أبو خالد، وجاء فيها «قلت لي وأنت تصارع المرض: «نحن قوم لا نعمّر طويلاً»! ولقد غاب عن بالك أنك من قوم منذورين لخدمة الناس، تعيشون مع الناس همومهم، وتحملون أوزارهم، ومن ثقل ما تحملون، باكراً ترحلون، وأنكم في ضمير الناس لخالدون. فسلام عليك يوم ولدتَ، وسلام عليك يوم قضيتَ، وسلام عليك يوم تُبعَث حيا».

وشدّد على «أن الكتلة الشعبية، موحدة كما أرادها هو، مستمرة في تحقيق ما كان يضمر للبنان من منعة وقوة ونماء، وطنا جامعا نهائيا لجميع بنيه ودولة تصون الأمن والعدالة والمساواة وتقف بوجه الطائفية والفساد».

بعدها، حُمل جثمان الراحل الياس سكاف، على الأكف، في موكب مهيب اخترق شوارع زحلة من أمام كنيسة سيدة النجاة وصولا حتى مدافن العائلة في بيادر زحلة، ليوارى في ثراها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى