معطيات استراتيجية تحكم صراع روسيا مع الغرب
حميدي العبدالله
تحكم الصراع بين روسيا والغرب، سواء في أوكرانيا أو في سورية، مجموعة من المعطيات هي التي ستقرّر من سيربح المواجهة في نهاية المطاف، طالما أنّ أيّ صراع سوف ينتهي إلى تثبيت معادلة ما.
تميل الكثير من التحليلات إلى الحرص على الإشارة إلى أنّ الغرب بما يستقطبه من حلفاء، وما يمثله من قدرات سيكون هو الرابح على غرار ما حدث في المواجهة الكبرى بين الاتحاد السوفياتي وحلفائه وبين الدول الغربية، وكانت أفغانستان المعركة الفاصلة التي قادت إلى هذه النتيجة.
إذا كانت المعطيات الاستراتيجية التي حكمت الصراع بين الاتحاد السوفياتي والغرب هي السائدة الآن في الصراع بين روسيا والغرب، عندها يمكن الاستنتاج بوضوح أنّ نهاية المعركة ستكون في مصلحة الغرب. ولكن إذا كانت هذه المعطيات قد تغيّرت، فلا بدّ من إعادة النظر بهذه القناعة واستشراف أفق آخر لنهاية المواجهة المحتدمة الآن بين روسيا والغرب.
عند التدخل السوفياتي في أفغانستان، كان الغرب قوة صاعدة اقتصادياً وعسكرياً، وكان الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية وحلف وارسو في أزمة كبيرة ظهرت تجلياتها بأشكال مختلفة، منها الاقتناع بالحاجة إلى إعادة النظر بمجمل النظام السوفياتي، وهو ما جرى التعبير عنه بوصول ميخائيل غورباتشوف، وإطلاقه ما عرف بــ»البيروسترويكا».
اليوم الوضع تغيّر جذرياً. الغرب لم يعد قوة صاعدة ويواجه أزمة اقتصادية حادّة باتت تهدّد العولمة، كما تهدّد بتفكيك الاتحاد الأوروبي، والقدرة العسكرية للولايات المتحدة استنزفت في حروب العراق وأفغانستان التي أقرّت الولايات المتحدة بفشلها. في المقابل روسيا اليوم تعتبر دولة فتية، دولة رأسمالية وليست شيوعية، ولهذا هي قادرة على إقامة علاقات وبناء مصالح مشتركة مع دول رأسمالية أخرى، وتحديداً في أوروبا، الأمر الذي يحول دون توحد الغرب ضدها، كما كانت عليه الحال في المواجهة مع الاتحاد السوفياتي، كما أنّ حلفاء الولايات المتحدة في مناطق عديدة من العالم يواجهون مشاكل وتحديات ترغمهم على التزام مواقف دفاعية، بل بعض حلفاء الولايات المتحدة ينتقلون الآن إلى مواقع جديدة، وهذا ما عبّر عنه موقف مصر، وهي أكبر دولة عربية، عندما أعلنت دعمها للإسهام الروسي في مكافحة الإرهاب في سورية إلى جانب الدولة والجيش السوري.
بديهي أنّ هذه المعطيات تؤكد عدم صحة المقارنة بين المواجهة بين الاتحاد السوفياتي والغرب والمواجهة الدائرة الآن بين روسيا والغرب، لهذا الأرجح أن تكون النتائج مختلفة، وإنْ كان من السابق لأوانه تحديد طبيعة تلك النتائج.