الصمود السوري وقوى المقاومة أفشلا «الربيع العربي»

ناديا شحادة

تعامُل الولايات المتحدة الأميركية مع منطقة الشرق الأوسط يسير وفق حاجات مصالحها، والدليل على ذلك تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما في 19 أيار العام 2011 التي قال فيها إن مستقبل بلاده مرتبط بمنطقة الشرق الأوسط. فواشنطن تتبع منذ عقود مجموعة من المصالح الجوهرية في المنطقة فالحرب التي شنتها على العراق في 20 آذار العام 2003 لتحقيق الأهداف التي اتخذتها ذريعة لتلك الحرب، منها القضاء على أسلحة الدمار الشامل لدى العراق التي كانت أحد المزاعم التي اختلقتها الإدارة الأميركية لاحتلال العراق وإسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين وتوفير النموذج الناجح لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، حسب ادعائها. وكان الهدف الأساس من تلك الحرب إعادة الهيمنة على العالم والتي كانت بدأتها من منطقة الشرق الأوسط وتمثلت بشن حرب على العراق.

يؤكد المتابعون أن بالعودة إلى تاريخ التدخلات العسكرية الأميركية في مناطق عدة من العالم يظهر أن التدخلات تبدأ تحت مبرر معين، لكن يتطور فيما بعد إلى حالة مغايرة تماما للحجة الأولى. فغزو العراق الذي كان بذريعة امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. لكن عندما اتضح انه لا يملك تلك الأسلحة تغيّرت الذريعة لكون صدام ديكتاتوراً ظالماً تجب إطاحته وتحرير شعب العراق من قبضته، وحتى لو ثبت ذلك فإنه كان بالإمكان تجنب الحرب واللجوء إلى حل سياسي آخر وانتخابات شرعية ونزيهة.

ومنذ ذلك التدخل الأميركي الدولي في العراق وإسقاط النظام الديكتاتوري نجحت واشنطن في تسويق فرضية حق دولة أجنبية بالتحدث عن وجوب رحيل حاكم بلد يناهضها في سياساته من دون العودة إلى إدارة شعبه. فخلال السنوات التي حصل فيها الغزو وجد الشعب العراقي نفسه مرة أخرى ضحية للسياسة الأميركية التي نصبت رئيساً جديداً للعراق مدعوماً منها.

ورغم فشل سياسة واشنطن في العراق، فإن سياستها في التدخل في إرادة شعوب العالم العربي لم تتوقف. فمنذ اندلاع ما يُسمى بـ «الربيع العربي» كرّر الأميركيون فعلتهم في تونس التي كانت شرارة انطلاق ما سُمي ذلك «الربيع»، حيث بادرت الولايات المتحدة التي سعت لكي يكون لها دور في النظام القادم برسم توجهاته لضمان مصالحها من خلال تسليم الحكم لجماعة الإخوان المسلمين وبدأت بالتنسيق معهم وإعادة صناعتهم في تونس وليبيا ومصر واليمن. وبات واضحاً أن «الربيع العربي» هو سيناريو وخطط أعدّت مسبقة خلف الكواليس تحت إشراف الولايات المتحدة، فوصول الإسلاميين الى الحكم لم يكن ترجمة لعملية ديمقراطية ولا استجابة لرغبة شعبية، بل هو مخطط صنعته ونفذته الخارجية الأميركية ومكاتب المخابرات، ودعم جماعة الأخوان المسلمين المتحالفة معهم هو جزء من الخطة الأميركية التي رأت في طموحات «الجماعة» ما يتوافق مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. وقد أكدت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلنتون ذلك.

يؤكد المراقبون أن المتأمل في حقيقة «الثورات» العربية يرى بما لا يدع مجالاً للشك أن ما حدث على الساحة العربية ليس ثورات شعبية تلقائية خرجت تنادي بمتطلبات تلك الشعوب وإنما هي مؤامرة كبرى نفذتها الولايات المتحدة بالاتفاق مع الأخوان المسلمين. تلك المؤامرة التي تحطمت على صخرة الصمود السوري حيث استطاع الجيش السوري وقوى المقاومة إفشال مخطط «الربيع العربي» التكفيري ذي الوجه الوهابي القطري الصهيوني، وبات على الولايات المتحدة وحلفائها أن يفهموا أن قواعد اللعبة تغيرت والتمسك بالشرعية ضمان للجميع وأن الإرادة الشعبية هي صاحبة الكلمة بتسمية حكامها بالانتخابات النزيهة ولم يعد للأجانب أن يقرروا مَن يجب أن يحكم بلداً ما، فمطالبة الفرنسي والسعودي والتركي والأميركي برحيل الرئيس بشار الأسد غير مقبول لا شرعاً ولا قانونياً. وقد اكد ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال في 29 أيلول بأن الرئيسين الاميركي والفرنسي ليسا مواطنين سوريين ولا يتوجب عليهما الضلوع في اختيار قادة بلد آخر غير قادة بلديهما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى