ربط نزاع… ووقت مستقطَع: أسبوعان لنقلات الشطرنج النوعيّة
ناصر قنديل
– ثلاثة عناوين هامة تتشارك في مصطلح ربط النزاع، وثلاثة لا فرص فيها لورود هذا المصطلح، لأنها تقلب الطاولة، لكن أربعة تستدعي النقلات النوعية على رقعة الشطرنج، ومن يتحدّث عن ربط النزاع ماذا عساه ينتظر؟ الواضح أن لا مستجدّ يتوقعه طالبو ربط النزاع إلا الانتخابات التركية بالرهان على فرص عودة حزب الرئيس التركي رجب أردوغان لتشكيل الحكومة الجديدة التي سترسم السياسة الخارجية لهذا البلد الإقليمي الهامّ، الذي وصفته صحيفة «آسيا تايمز» بقلم أحد كبار محلليها ديفيد غولدمان بأنها الدولة الفاشلة التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى والتي سيكون زوالها التغيير الوحيد المتوقع في خريطة «سايكس ـــــ بيكو»، بعدما صارت دولة «الإخوان» الوحيدة في المنطقة والعالم عبئاً على حلفائها وعقبة أمام خصومها. وطريق التفكك هو قيام دولة كردية في شرقها يرتضيها الأكراد دولتهم النهائية من دون تعريض وجودهم المتنوّع في الكيانات المجاورة للاهتزاز، أما ربط النزاع بين خنادق الاشتباك الدولية والإقليمية فيتوقف على مسار الانتخابات ونتائجها. ومن يتحدّث عن ربط النزاع واضح أنه هو الفريق المراهن على عودة قوية لأردوغان تمنحه فرص تغيير منهجية المواجهة.
– للمتسائلين عن سرّ الدور الألماني الصاعد في المنطقة وكيف يبدو حاضراً في العنوان الكردي، يتقدّم الجواب بسبب وجود أكبر جالية كردية في بلد خارج الشرق الأوسط لديها، وارتباط أكراد ألمانيا بعلاقات هامة وخاصة مع الدولة الألمانية وأجهزتها الأمنية، وهذا يفسّر موقف ألمانيا المبادر في سحب صواريخ الباتريوت من تركيا برسالة واضحة لأردوغان، والتلقي الإيجابي بلغة التحدّي لتدفق اللاجئين الذين فجّر طوفانهم أردوغان رداً على سحب الباتريوت.
– مصطلح ربط النزاع لا يحتاج تفسيراً، فهو يعني تعليق القرار النهائي بسلوك خيارات التأقلم مع وقائع المنطقة والعالم الجديدة، خصوصاً بعد النقلة الاستراتيجية للحصان الروسي من وراء البحر الأسود إلى أمام البحر المتوسط، تماماً كما هي نقلة الحصان بين أحجار اللعبة فوق رقعة شطرنج مليئة بالأحجار واللاعبين، وحيث القلاع ثابتة، والحجر الذي يتوقف على بقائه أو رحيله التغيير، هو ما يعادل في لعبة الشطرنج البهلول الذي يملك هوامش مناورة عديدة، وهو هنا الرئيس التركي موضوع الترقّب.
– واشنطن التي تلعب ورقة الأكراد كقوة صاعدة في المنطقة بالتعاون مع ألمانيا، وقفت معهم في معارك عين العرب كوباني وفي أربيل، من وراء ظهر ورغماً عن أنف تركيا، لا تمانع اليوم الرهان السعودي على عودة أردوغان، لكن من دون استثمارها أيّ رصيد إضافي لبقائه، ولذلك فهي تنتظر، لكنها لا تستخدم لربط النزاع صواريخ الباتريوت وترجئ سحبها لأنّ هذه الخطوة ستكون حماقة تصعيدية في وجه الوجود العسكري الروسي وطائراته لا تحتمل واشنطن عبثاً بها. وهي اتخذت قرار السحب تثبيتاً لرفضها إقامة المنطقة العازلة التي طلبها أردوغان، لكنها تدرك أنّ التأجيل لا يعود ربط نزاع بل يصير فتح نزاع جديد لا تريده، وكذلك لا تربط واشنطن النزاع بتأجيل تنفيذ التزامها بفكفكة نظام العقوبات على إيران، وفقاً لنصوص التفاهم النووي، بل يصدر الرئيس الأميركي قراراً بالبدء بتنفيذ رفع العقوبات، ومثله يفعل الاتحاد الأوروبي أما الملف الثالث الذي لا يحتمل ربط نزاع من طرف أميركا، فهو التسليم بغرفة العمليات الرباعية الروسية السورية العراقية الإيرانية، بعدما صار رفضها عنوان تصادم مع الحكومة العراقية وقيادة الجيش العراقي قد يضع واشنطن أمام استعصاء حربها على «داعش» وإخلاء ساحة الحرب وقطاف النصر للشراكة الروسية الإيرانية مع سورية والعراق.
– تذهب واشنطن إلى انسحابها من أفغانستان فتقرّر إبطاء خطواتها، وتنتظر، فالسعودية شريك في الملف الأفغاني من موقع تمويلها لباكستان، وواشنطن تتريّث لتقرّر كيف تبرمج انسحابها بسرعة تحت سقف التسليم بتولي روسيا والصين وإيران مستقبل أفغانستان، أم تدخل في تفاوض جديد في ضوء نتائج الانتخابات التركية والترسمل بالصعود في الدور السعودي الجديد لاستنزاف روسيا، وما سيترتب على حركة روسيا وإيران في المدى السوري خصوصاً. وفي المقابل تذهب السعودية إلى ربط نزاع في اليمن فتقبل بلسان رجلها منصور هادي المفاوضات التي دعت إليها الأمم المتحدة، تحسّباً للفشل التركي، فتكون منصة التفاوض قائمة، ولا يبدو الالتحاق بها بعد الفشل مذلّة وهزيمة، لكن السعودية أعطت تعليماتها لجماعاتها بعدم التقدّم خطوة واحدة نحو التفاهمات بانتظار إشارتها. والإشارة تنتظر أول الشهر المقبل والمتغيّر التركي، وثالث مواضيع ربط النزاع ما أعلنه وزير الداخلية اللبناني من تلويح بالاستقالة من الحكومة والانسحاب من الحوار، لتسخين المشهد وفتح الباب أمام التنفيذ التصعيدي إذا سارت الرياح التركية كما تشتهي السفن السعودية، لكن من دون تنفيذ التفجير السياسي الآن خشية حدوث العكس. والمشاهد الثلاثة تعبير دقيق عن قرار بربط النزاع.
– ملفات تنتظر، وملفات لا تستطيع الانتظار والعبث، لبنان وأفغانستان واليمن على لائحة ربط النزاع بانتظار مفعول المال السعودي في الانتخابات التركية، وإلغاء العقوبات وغرفة عمليات بغداد والباتريوت، استحقاقات تُنفذ في مواعيدها، لذلك كانت نقلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للقلعة من خط الوسط لحماية الملك إلى الزاوية، «واللي بدو يفلّ يفلّ» نقلة موفقة في مكانها وزمانها، ومثلها إصرار الحوثيّين على تكذيب منصور هادي بتأكيد ربط قبولهم دعوة التفاوض بالبنود السبعة، وليس بالقرار الأممي وحده، ولذلك تبدو حركة الجيش السوري نحو الحدود التركية، خصوصاً نحو حلب، في التوقيت والاختيار الصحيحين.
– النقلات الواجبة، تبدأ من سؤال ماذا ستفعل السعودية إنْ فاز أردوغان بتشكيل الحكومة والإقدام على فعل ما يوازيه استباقاً لأنّ التصعيد آتٍ في هذه الحالة. والاستباق يمنح عنصر الثبات ويعزز الموقع في الحرب النفسية، ويقطع طريق تصوير الخيارات كمبادرات للفريق السعودي، أو لحلفاء السعودية. أولى النقلات الواجبة إقدام إيران وروسيا والصين على الإعلان عن اعتبار التأجيل الأميركي للانسحاب من أفغانستان، تحرّراً من أيّ موجبات في حفظ أمن هذا الانسحاب وتحميل إدارة أوباما نتائج أيّ تصعيد يتسبّب به ضدّ قواته في أفغانستان، لأنّ نجاح الرهان الأردوغاني سيرتّب تصعيداً فيكون الموقف الاستباقي تغطية للأداء المقبل، وإنْ فشل الرهان يضطر أوباما إلى الخضوع للروزنامة الروسية الإيرانية الصينية بالانسحاب، وثانية النقلات الواجبة اشتراط الحوثيين أن يكون البند الأول على جدول أعمال التفاوض وقف الحرب والحصار، لأنّ قرار السعودية أصلاً لن يسمح بالتقدّم خطوة في السياسة، وعندما يخسر السعوديون رهان تركيا سيُضطرون للقبول لأنّ السقف يكون قد صار مرسوماً. أما ثالثة النقلات الواجبة فهي خروج حزب الله والتيار الوطني الحر من الحكومة والحوار وإنهاء مرحلة التساكن والتعايش، لأنّ هذا سيحدث إنْ نجح الخيار الأردوغاني، ولكن بمبادرة من جماعة السعودية، وإنْ فشل الرهان الأردوغاني يكون للعودة إلى التساكن ثمن مختلف، لأنّ ربط النزاع كالهَجْر الزوجي يمنح الفريق السعودي فرصة التراجع السلس بلا ثمن للعودة، بينما يُجبره الطلاق على دفع مؤخر المهر والنفقة، أو القبول بشروط العودة. أما النقلة الرابعة فهي حشد كلّ القدرات التي يملكها الجيش السوري والقدرات الروسية والحلفاء القادرون في البرّ لحسم حلب وريفها وإدلب وريفها حتى الحدود التركية خلال الأسبوعين المقبلين.
– في كلّ حال المؤشرات كلها والتحليلات تقول إنّ حلم أردوغان بالفوز كحلم إبليس بالجنة، لكن إشعال جهنم تحضيراً لاستقباله يمنح الاحتفال بعض التشويق.