مفكّرون وشعراء وأدباء ناضلوا للحرّية وكرامة الإنسان والقضيّة الفلسطينيّة
دمشق ـ سلوى صالح
اختار الدكتور حسين جمعة سبعة مبدعين سوريين وعرب رسخوا في ذاكرة الأجيال من خلال ما عبروا عنه من روح وطنية وقومية نضالية وضعوها في خدمة أمتهم، ليضمّنهم كتابه «أسماء في الذاكرة» الصادر لدى اتحاد الكتاب العرب، ويحمل الرقم واحد ضمن سلسلة «الدراسات» لعام 2014.
في طليعة هؤلاء المبدعين المفكر الفيلسوف عبد الرحمن الكواكبي الذي دخل أبواب الفكر النهضوي من أوسعها، وكان واحداً من رجال عصر النهضة المستنيرين بعدما فتح عينيه على ظلم الدولة العثمانية منذ نشأته في حلب عام 1854، وانتقاله إلى أنطاكية ثم مكة فالقاهرة التي دفن فيها. وكانت دعوته إلى دولة مدنية عربية بمثابة ثورة على الاستبداد فراح يفضحه على قاعدة الانتماء العروبي القومي وفق مفهوم المواطنة العربية.
المبدع الثاني هو الشاعر المناضل صالح العلي، بما يمثل من صورة القائد الوطني السوري الذي يعتز بانتمائه الوطني في بعده القومي والإسلامي فضلاً عن محاربته مختلف أنماط التخلف والجهل واستلاب الكرامة الانسانية، لذا انبرى لمواجهة الاحتلال الفرنسي بكل ما يملك من إرادة وقوة وكان شعره سجلاً توثيقياً لذلك.
عندما تحقق حلم المجاهد العلي بحرية وطنه وألقى خطاب الجلاء في دمشق، كان حلم الحياة الأفضل يراود الشاعر اللبناني رشيد سليم الخوري الذي لقب بالشاعر القروي فجاب البحار ليستقر في أميركا الجنوبية حاملاً وطنه وهويته العربية في داخله رغم المعاناة والضغوط التي تعرض لها، فكان شاعر الوطنية والعروبة المتمسك بالوطن حتى عاد اليه علماً من أعلام الفكر العربي ورواد القومية العربية.
إلى الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، المبدع الذي يعتبر من رواد الشعر العربي الحديث، والذي استطاع أن يجعل حياته القصيرة مصدراً للإبداع والثورة فعرض لفلسفة إرادة النضال وتحدي الاستعمار والظلم وساهم في خدمة قضايا مجتمعه.
أما الشاعر سليمان العيسى فكان مبدعاً من طراز خاص منذ طفولته في أنطاكية، حتى عانق تراب مقبرة الشيخ رسلان في دمشق اذ عاش حلم العروبة بكامل جوارحه وجسد السياق الفكري والزماني والأدبي لأمته وعاش في ذاكرة أبنائها، وبخاصة أطفالها الذين اعتبرهم الأمل والرجاء اذا خاب الفأل في الآباء والأجداد.
للروائي الناقد الأديب الشهيد غسان كنفاني نصيب في الكتاب كمبدع ألقت به نكبة 1948 خارج حدود وطنه فلسطين، فارتسمت صورة المأساة في مخيلته فردوساً مفقوداً إذ أدرك قيمة الأرض والانتماء إلى ترابها فكتب أولى قصصه عام 1951 معبراً عن ذلك وتابع إنتاج ابداعه المقاوم وقد امتلأ شوقاً وحنيناً إلى وطنه، وكان أول من تناول الأدب الصهيوني بالنقد والتحليل، وأول من نقل شعر المقاومة الى العرب خارج الأرض المحتلة، حتى اغتاله العدو الصهيوني في قمة شبابه وعطائه عام 1972.
توقف الدكتور جمعة في كتابه عند الأديبة السورية المبدعة الروائية قمر كيلاني التي أثبتت مهارة عالية في نسج الحكايات الدمشقية الأصيلة وفي الكتابات النقدية المتوهجة بالخيال الذي يطوف في موضوعات اجتماعية ونضالية شتى، ما جعلها واحدة من رواد الأدب الملتزم بقضايا الوطن من لبنان إلى فلسطين، واستشرفت جملة من الحوادث الوطنية والقومية التي خلدتها في عالم السرد الروائي.
اتبع الكاتب في عرض سيرة حياة المبدعين منهج التكثيف والإيجاز والوقوف عند إحدى الظواهر الأدبية أو النقدية أو الفكرية التي تغافل عنها الدارسون، مبدياً رأيه في الآثار الفكرية لكل مبدع وما قيل في مواقفه.
لم يقسم الكتاب فصولاً وأقسام وانما جعله أبحاثا متتابعة مراعيا السبق التاريخي لكل مبدع ودراسة ما يعينه على معرفة تجلياته الكبرى مفضلاً إثبات نص أو أكثر في ملحق خاص ببعض الشخصيات، مذيلاً كل بحث بفهرس لمصادره.