معركة حلب وردّ تركيا أردوغان
حميدي العبدالله
واضح أنّ معركة حلب بقدر ما هي موجهة ضدّ التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على أجزاء واسعة منها، ولا سيما المناطق الحدودية المحاذية للأراضي التركية، هي موجهة ضدّ تركيا أردوغان بالقدر نفسه، لأنّ نجاح الجيش السوري في استعادة الأحياء التي سيطر عليها الإرهاب سيعني فشلاً ذريعاً لتركيا أردوغان. وهو فشل يأتي متزامناً مع الانتخابات التي ستجري بعد أقلّ من أسبوعين، وبالتالي فإنّ الكثيرين يتساءلون عن ماهية الردّ التركي، أمام انهيار كلّ الأحلام في سورية.
واضح أنّ أقصى ما هدّدت به تركيا أردوغان، السماح بامتلاك التنظيمات الإرهابية أسلحة مضادّة للطائرات واحتمال اعتراض الطائرات التركية للطائرات الروسية التي تقوم بتوجيه ضربات لمعاقل الإرهابيين داخل الأراضي السورية قرب الحدود التركية. وهذا قد يؤثر على فعالية الطيران الحربي الروسي، ولكن لا يبدو أنّ هذا الخيار في متناول تركيا أردوغان، فقد كشف النقاب عن اتصال أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حذّره فيه من أنّ إدخال الصواريخ أو السماح بذلك سيواجَه بردّ قاس من روسيا، وبديهي أنّ هذا الردّ القاسي سوف يستهدف تركيا وليس أيّ طرف آخر. فهل تركيا وحلفاؤها في الناتو مستعدون لدخول مغامرة حرب عالمية جديدة مع دولة بحجم روسيا وقدراتها المعروفة؟ الجواب واضح في سلوك الحكومة التركية والحكومات الغربية، واضح أيضاً في سلوك الحكومة التركية التي مارست سياسة ضبط النفس عندما دخلت طائرات روسية المجال الجوي التركي، وواضح كذلك في سلوك الولايات المتحدة من خلال التفاهم الذي أبرم لتفادي أيّ تصادم في الأجواء السورية.
أما إذا قرّرت تركيا مضايقة الطائرات الروسية، فقد كان الردّ الروسي واضحاً أيضاً في الاتصال الهاتفي الذي أجراه بوتين بأردوغان وأبلغه بصراحة بأنّ أيّ تعرّض للطائرات الروسية سيلاقي ردّاً حازماً.
إذاً، لم يبقَ أمام تركيا أردوغان شيء تفعله سوى مواصلة سياسة فتح الحدود أمام الإرهابيين، وتسهيل وصول المزيد من العتاد إليهم، ولكن حتى هذا لم يعد ممكناً على النحو السابق، أولاً بسبب الرقابة الجوية الصارمة التي يقوم بها سلاح الجو الروسي عبر الأقمار الصناعية وعبر طائرات من دون طيار، وثانياً بسبب القدرة الجوية على ضرب أيّ إمدادات في أيّ مكان داخل الأراضي السورية، كلّ ذلك يؤكد أنّ الأيام القليلة المتبقية قبل موعد إجراء الانتخابات التركية لا تتيح أمام تركيا أردوغان فرصاً جدية لوقف رسالة معركة حلب التي ستكون لها عواقب وتأثيرات وخيمة على أردوغان وحزبه.