القدس ستبقى عربية كما فلسطين… رغم غبائهم

د. سلوى الخليل الأمين

أقمنا الحياة شهادة معلقة على حدّ سيوفنا وأقلامنا وكلمة الحق في وجه سلطان جائر، كبرنا وكبرت المعاني العظام معنا، وتفاعلت صعداً على دروب القيم والوفاء للأرض والوطن، من منطلق الذوْد عن الكرامات حين تحلّ الخطوب، وحين يدلهمّ الظلام، وحين يحاصرنا الكافرون بدين الله وشرائعه السماوية، بتشكيل دين جديد على مقاسات عقولهم الذاهبة إلى جهنّم وبئس المصير.

هي فلسطين يا سادة العرب والمسلمين، هي فلسطين الواقفة على حدّ السكين المسلطة على رقاب نسائها وشيوخها وأطفالها والشباب الغرّ الميامين، الذين أبوا أن تدنّس مدينتهم القدس الشريف، وأن يقطع تواصلهم ببيت الله المسجد الأقصى، الذي جعله الله في بداية عهد النبوة قبلة المسلمين الأولى، والذي شهد رحلتي الإسراء والمعراج لنبيّه الكريم محمد بن عبدالله حيث نزلت الآية الأولى الكريمة في سورة الإسراء بالقول: «سبحان من أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير»، كي يتمّ الإثبات أنّ المسجد الأقصى هو مسجد له قدسيته الخاصة عند المسلمين كافة، وبالتالي فإنّ تدنيسه من قبل الصهاينة أمر يستدعي المقاومة والشهادة التي هي وصية الله في مجابهة القوم الضالين.

فالقدس يا جهابذة العرب المسلمين هي المدينة الشريفة المقدّسة في شرعنا وديننا الحنيف، فهي التي خصّها النبي محمد بن عبد الله بالقول: إنها أرض المحشر والمنشر منقول عن ابن ماجه ، لذا فإنّ الموت في سبيلها هو الحق القائم، خصوصاً أنها تضمّ المسجد الأقصى الذي هو أحد القبلتين الشريفتين عند المسلمين او بالأصحّ: «أولى القبلتين وثاني المسجدين بعد المسجد النبوي في المدينة وثالث الحرمين» منقول عن البخاري ، لهذا فإنّ تدنيسها حرام، وقتل بنيها حرام، والتعدّي على المسجد المقدس حرام.

إذاً أين انتم يا حماة الإسلام مما يحصل في مدينة السلام، القدس الشريف، ومن محاصرة المصلين ومنعهم من إقامة الصلاة داخل المسجد، ومن ثم مجابهة سكان القدس الأصليّين بالنار والبارود؟

إنّ فلسطين، يا سادة الديار ومربع الشطار، لن تنسى مهازلكم القائمة على بيع الوطن العربي في سوق النخاسة لبني صهيون، ومن ورائهم الإدارة الأميركية التي تستعبدكم وتذلكم وتصادر كراماتكم، وتعتدي على ثرواتكم، وتشجعكم على تبديد أموالكم على العصابات الإرهابية، التي تدكّ سيادة سورية والعراق وليبيا ولبنان واليمن بعصفها المجنون.

ترى لماذا لم تهزّكم أخبار القدس الشريف؟ بل هزّكم الطيران الروسي الحليف الآتي إلى سورية العروبة بأمر من رئيسه فلاديمير بوتين، الذي رفع مندوبه الأممي الصوت عالياً في مجلس الأمن بالأمس مدافعاً عن حماية المدينة المقدسة التي هي القدس، في الوقت الذي لم تحرك ساكناً حليفتكم الولايات المتحدة الأميركية بإبداء أيّ اعتراض على ما يجري في القدس ورام الله ومدينة الخليل ونابلس وغيرها من المدن الفلسطينية التي رفع فيها الفلسطينيون الشرفاء راية الجهاد المقدس والفداء، إضافة إلى انّ مواليكم من عبدة الدولار ومن القيّمين على دور الإفتاء والمساجد في عالمنا العربي لم يحركوا ساكناً، ولم يوجّهوا الشكر لمندوب روسيا المدافع بصلابة عن شرف القدس وكرامة المسجد الأقصى، ولم يندّدوا بجرائم بني صهيون، ولم يساندوا جمعة الغضب الفلسطيني والمقدسي، التي أكدت على استمرار انتفاضة القدس الثالثة، التي لن يوقفها بعد اليوم بيان، أو اتفاقيات معلبة، أو ثروات تتبختر على مرمى المدى الأوسع، الذي لن يبقى طويلاً في مأمن من شرارات اللهب الفلسطيني المستعاد بقوة، إكراماً لفلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

إنّ الانتفاضة الحالية هي انتفاضة الشرف والحرية والشهادة والسلام في آن، فمن يُرِد السلام فليعط لكلّ ذي حق حقه، والحق هو عودة فلسطين لأبنائها، ومحاربة كلّ الحركات الإرهابية والمتطرفة من صهيونية و«قاعدة» و«داعش» و«نصرة» و«بوكو حرام» وغيرها من زبانية الزمن الرديء، الذي جعل الدين مطية في عصر العولمة وانفتاح مدارات الكون بعضها على البعض الآخر، بحيث لم يعد للحاكم الغبي سلطة إخفاء المعلومات، التي باتت في متناول البشر كافة، على أنحاء الكرة الأرضية، بسبب المدّ التكنولوجي المتطور.

فما صحّ في الماضي البعيد من تعتيم وظلم وقهر واستعباد، لم يعد يصلح في هذا الزمن المفتوح عالمياً والمتطور علمياً ومعرفياً وتكنولوجياً، إذ أصبح للعقل مسارحه الواسعة، ولم يعد باستطاعة أيّ متكلم على منبر محلي او عالمي، أن يخفي الحقيقة عن أعين الناس، والدليل هو ما يحدث في سورية والعراق، فكم وكم أخفوا حقائق الأمور بشيطنتهم المدروسة وحقدهم الأعمى، وكم أساؤوا عبر وسائل إعلامهم إلى أهل الفداء والشهادة، لكن في نهاية المطاف سقطت أكاذيبهم ومراهاناتهم المعتمدة على غباء الناس في هاوية أعمالهم الشريرة، التي بات القضاء عليها أمراً ساري المفعول، بدليل انّ كلّ النتائج التي أوقعت لبنان في مأزقه الاقتصادي المروّع ونفاياته المقرفة، وما حصل في سورية والعراق من دمار وتدمير وقتل وتهجير، باتت أفعاله واضحة المعالم، وها هي روسيا، بتدخلها السريع للقضاء على عصاباتهم الإرهابية، تكشف المستور من الألاعيب التي ظنوها ستبقى طيّ الكتمان.

فضائحهم بالجملة، وآخرها فضيحة شركة «تويوتا» وألوف السيارات التي تمّ دفع ثمنها بالمال العربي من أجل نشر الإرهاب وتغذيته في سورية والعراق، ومن أجل تقوية دولة «داعش» الخرافية، التي ستنقضّ يوماً على مساكنهم الآمنة، كي تعلن صلاتها من مكة المكرمة، هذا إذا لم يتمّ تدارك الأمر بإعلان النفير العام، عبر تأييد روسيا وإيران وسورية والعراق في حربهم ضدّ الإرهاب، وصولاً إلى تحرير فلسطين، من أجل إرساء السلام المنشود في ربوعها، بعودة أهلها إلى بيوتهم وديارهم التي أجبروا على تركها منذ العام 1948، لأنّ الرهان على السماح لـ«إسرائيل» بإعلان يهودية فلسطين، أمر ساقط ودونه الشهادة الدائمة، ففلسطين ستبقى عربية كما القدس، رغم غبائكم المستشري صعداً يا سادة الزمن الرديء.

رئيسة ديوان أهل القلم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى