كيري يحاول بلوغ هدنة تحمي «النصرة» باجتماع حول سورية… وموسكو تدرس الجيش السوري يقترب من إسوارة حلب… والانتفاضة تفرض أولوية حماية القدس

كتب المحرّر السياسيّ

فيما تستعدّ المنطقة لملاقاة حدثين كبيرين خلال أسبوعين، واحد هو الاستحقاق الانتخابي الذي سيجري في تركيا مطلع الشهر المقبل ويقرّر مستقبل حزب العدالة والتنمية، الظهير والملاذ الذي أديرت الحرب على سورية تحت رايته وقيادته، والثاني ما سيبلغه الهجوم البرّي السوري بغطاء جوي روسي شمال سورية وجنوبها، والذي تقول بشائره إنه إنْ لم يصل إلى خطَّي الحدود مع تركيا والأردن فسيكون على مشارفهما، في ضوء الإنجازات المتدحرجة بتسارع أذهل المتابعين والخبراء، وبدأت التساؤلات عن مصدر هذه القوة الخارقة التي نزلت إلى ساحات القتال، فالحديث عن آلاف الإيرانيين ثبت بطلانه، والربط بالغطاء الجوي الروسي والروح المعنوية التي قامت نتائج الغارات الروسية بضخّها في صفوف ضباط الجيش السوري وجنوده هامّ وفعّال، لكن من أين جاءت هذه الآلاف من الجنود التي تخوض حرباً بهذه القسوة، فهؤلاء محترفون وليسوا متطوّعين، ولا مجنّدين جدداً، إنهم القوة التي اختزنها الجيش للهجوم المعاكس، كما يقول العارفون، ومعهم وحدات نقلت من محاور داخلية تمركزت بدلاً منها وحدات الدفاع الوطني وأجهزة شبه عسكرية، ليصير تقدير الخبراء أنّ أكثر من عشرين ألفاً من الجنود والضباط يقاتلون في كلّ من جبهتَي الشمال والجنوب حتى يتسنّى تحقيق هذا الحجم من الإنجازات خلال أسبوع واحد من بدء الهجوم البري، وما يفتح الأفق لمفاجآت ميدانية كبرى، مع انهيارات شاملة تعمّ صفوف الجماعات المسلحة، خصوصاً في مدينة حلب، التي تبدو محاطة بإسوارة من التضحيات ينسجها الجيش السوري بثبات، بينما بدا أنّ جرعات المال والسلاح والذخائر والبيانات الإعلامية لم تنفع في شدّ عصب الجماعات المسلحة.

على إيقاع هذه التطورات أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعوته إلى اجتماع يضمّ واشنطن وموسكو مع أنقرة والرياض وعمّان للتشاور في كيفية السعي من أجل الحلّ السياسي في سورية، ومعلوم أنّ الثلاثي الإقليمي الذي اختاره كيري هو المتورّط في دعم «جبهة النصرة» التي تمثل الشقيقة الكبرى في عائلة تنظيم «القاعدة» التي تحمل عشرات الأسماء و»جبهة النصرة» تتهاوى مواقعها وتُقتل قياداتها، وتهرب قطعان الأجانب التي التحقت بصفوفها، والرهان التركي السعودي الأردني شمالاً وجنوباً عليها يسقط، فيدخل كيري على الخط أملاً في النجاح بالتفاهم مع روسيا على معادلة وسط تمنح «النصرة» وصفة الانضمام إلى الحلّ السياسي بشروط قتال «داعش» والانفصال عن تنظيم «القاعدة» مقابل وقف الغارات الروسية والهجمات السورية عليها، وترك البت بالأمر معلقاً عملياً بتفاوض بارد لأسابيع تكون قد عُرفت خلالها نتائج الانتخابات التركية، لكن تكون في رهان كيري قد توقفت المحدلة العسكرية عن سحق البنية العسكرية لـ»النصرة» وأخواتها، فيتمّ بعد النتيجة التركية البتّ بالخطوة اللاحقة، ولذلك ولأسباب تتصل بلائحة المدعوين التي استثنت مصر وإيران، وتجاهلت مجموعة التواصل التي أعلنت عنها موسكو تحضيراً لمؤتمر جنيف الثالث. تريّثت موسكو وقرّرت أن تدرس.

فلسطينياً وبسرعة قياسية تلاقي سرعة إنجازات الجيش السوري والطيران الروسي، نجح شباب الانتفاضة الفلسطينية، رغم إصرار البعض بتسميتها هبّة، بفرض روزنامتهم على مجلس الأمن فتقدّمت فرنسا بمشروع مخفّف من الشعار الذي يرفعه شباب الانتفاضة بتأمين الحماية الدولية للقدس، ودعت باريس إلى نشر مراقبين دوليين في المسجد الأقصى، لتلقى هجوماً صاعقاً من حكومة الاحتلال، ورداً قاسياً من جون كيري وزير الخارجية الأميركي، لأنّ الحماية الدولية تعني سقوط عاصمة الدولة اليهودية المفترضة فالمسجد الأقصى وفق المتطرفين مرقد هيكل سليمان المزعوم، والأيام، كما يقول شباب الانتفاضة لا تزال في بداياتها، والمزيد من القتل الوحشي وانفلات قطعان المستوطنين سيجعل شعار الانتفاضة بطلب الحماية الدولية ضاغطاً أكثر، إلا إذا قرّرت حكومة الاحتلال وقف الاستيطان والتهويد وبالتالي وقف القتل، والتعايش مع الحق المشروع للفلسطينيين بالتظاهر والصلاة والتنقل.

لبنانياً يخيّم الجمود والانتظار، بعدما حملت التطورات مؤشرين هامَّين وضعا حداً للغة التصعيد، الأول قرار سعودي ملزم لنواب ووزراء تيار المستقبل بالتوقف عن التلويح بالانسحاب من الحوارين اللذين يرعاهما رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعدم ملامسة المحرّمات بالتهديد بفرط عقد الحكومة. والثاني رسالة ودّ للرئيس بري حملها النائب وليد جنبلاط من السعودية تدعوه للتغاضي عن بعض الصبيانية الظاهرة في مواقف بعض رموز تيار المستقبل، ومواصلة مساعيه الوفاقية وتعلن مساندتها لها بقوة، ومعلوم أنّ السعودية كانت تريد هذا التسخين، لكنها لا تريد له أن يذهب حدّ التفجير، كما فعل المنفّذون، بسبب قصر نظرهم، فاضطرت الرياض للتدخّل.

لا تحول دراماتيكيّ للبنان

لا شيء واضح في المدى المنظور أن هناك تحوّلاً دراماتيكياً للبنان، فالمخاطر التي من الممكن أن يشكّلها تنظيم داعش الإرهابي من ناحية حمص انعدمت إلى حد كبير، فالحضور الروسي الفعال في سورية جعل وضع المجموعات الإرهابية على السلسلة الشرقية في حالة دفاع وليس في حالة هجوم، وفي هوامش صعبة جداً. ويظهر ذلك جلياً في ضرب الجيش اللبناني في عرسال أمس 8 من أفراد جبهة النصرة كانوا خارج المخيمات، وتحديداً في الجرد، حيث تعقبهم الجيش وتمكّن من قتلهم، فضلاً عن تمكن الجيش في الأيام الماضية من اعتقال إرهابيين كبار على حواجزه في عرسال، من دون أن تُسجل ردّات فعل من الإرهابيين.

وتشدّد مصادر مطلعة لـ«البناء» على «أن أي توتير أمني في لبنان يحتاج إلى غطاء سعودي غير متوفر، فالسعودية أعجز من أن تفجّر الوضع في لبنان، ويحتاج إلى قدرات لوجستية وخطابات سياسية غير متوفرة اليوم كما كانت في السابق خلال أحداث عبرا وطرابلس». وتؤكد المصادر «أن الحالة الوحيدة التي تفجر لبنان هي إرادة غربية بقيادة الولايات المتحدة، وهذه الإرادة معدومة في الوقت الراهن، فالأميركيون حريصون على الاستقرار».

لا مبادرة رئاسية مصرية

وفي الملف الرئاسي، تحدثت أوساط سياسية لـ«البناء» عن «مبادرة مصرية رئاسية تسبق المتغيرات السورية المرتقبة وتفصل الملف اللبناني عن ملفات المنطقة، ومن شأنها أن تعيد لمصر دورها وموقعها المتقدم في المنطقة، وتقوم على سحب كل من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشحهما للانتخابات الرئاسية والاتفاق على شخصية مسيحية معتدلة وتسووية وإجراء انتخابات نيابية وفق قانون انتخابي جديد، وإجراء بعض التعديلات الدستورية». ولفتت الأوساط إلى «أن مصر مستعدة في حال لم تلقَ هذه المبادرة القبول عند المعنيين، دعوة المكوّنات السياسية الرئيسية إلى طاولة حوار في القاهرة في محاولة لتحسين هذه المبادرة وجعلها أكثر قبولاً».

في المقابل، نفى مصدر مطلع قريب جداً من الرابية في حديث لـ«البناء» «وجود أي مبادرة رئاسية مصرية»، مشيراً إلى «أن زيارة السفير المصري محمد بدر الدين زايد إلى الرابية كانت استكشافية لا أكثر ولا أقل وأن العماد ميشال عون كرّر خلال اللقاء موقفه من الانتخابات الرئاسية ومن ضرورة إقرار قانون انتخابي على أساس النسبية تجري على أساسه الانتخابات النيابية».

وكان زايد شدّد على وجوب إنهاء الأزمة الرئاسية وإيجاد الحلول عبر التفكير بشكل خلاق جديد. وقال: «ليس لنا أن نتدخّل في شأن ترشيح بعض الأسماء وما يهمّنا هو استقرار لبنان وإنهاء الفراغ الرئاسي وتفعيل عمل الحكومة». ولفت إلى «أن القراءة الدقيقة وفق وجهة نظرنا في مصر أن الأمور الإقليمية لن تُحسم وبالتالي التعويل عليها لن يفيد أحداً».

حرص على الحكومة وعلى الحوار

وفي الشأن الحكومي، وعلى ضوء الخطابات العالية اللهجة بين حزب الله وتيار المستقبل وتكليف الرئيس بري وزير المال علي حسن خليل تبريد الأجواء بين الطرفين، أكدت مصادر مقربة من عين التينة لـ«البناء» أن «لا مصلحة لأحد في تطيير الحكومة»، لافتة إلى «أن هذه الحكومة هي حكومة الضرورة وهي مصلحة لكل مكوّناتها السياسية». ولفتت مصادر عليمة لـ«البناء» إلى «أن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط سمع من السعوديين خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، حرصاً على الحكومة وعلى استمرار الحوار وعلى دور الرئيس بري التوافقي إلى جانب دوره».

وأكد وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور «أن الحكومة ستدخل في غيبوبة لن تستفيق منها الا لمعالجة ملف النفايات»، لافتاً إلى «أن لا اتصالات حتى اللحظة ممكن أن تنقذ الحكومة من حالة الشلل المتجهة اليها».

خطة البقاع وفق مصلحة البقاعيين

وفيما لا تزال عمليات التوافق على إيجاد مطمر في البقاع تراوح مكانها، وإن كانت المهمة أوكلت إلى ثنائي القرار في البقاع الشمالي حزب الله وحركة أمل وبتفاهم مع «الحكومة لاقتراح أن يكون المطمر في البقاع الشمالي وتحديداً في منطقة جغرافية بين الهرمل والقاع، يواصل وزير الزراعة أكرم شهيب مشاوراته مع الفعاليات الحزبية البقاعية لهذه الغاية.

وقالت مصادر مقربة من المعنيين لـ«البناء» «إن استحداث تلك المنطقة ليس بجديد، بل كان من ضمن المقترحات السابقة، ولدينا مواقع أخرى بديلة وجاهزة في حال استمر المعترضون في اعتراضاتهم». ورأت المصادر «أن خطة المطامر التي كانت مقترحة على الحدود الشرقية مع سوريا مجدل عنجر – عنجر – الزبداني ومطمر رياق – كفرزبد هما من ضمن صفقة سعى إليها نائب زحلي يملك مجموعة من العقارات وبالشراكة مع شخص من بلدة مجدل عنجر، وأن إنجاز المشروع سينفذه مقاول معروف في المنطقة وتربطه صداقة عملية مع عائلة النائب المذكور. ولفتت المصادر إلى «أن «خطة السير به ليست بعيدة المنال وإنما تحتاج إلى بعض الوقت لتلافي بعض ا شكاليات وتوزيع المنافع العملانية على أرض الواقع».

من هنا تقرأ المصادر المقربة من أصحاب القرار لـ«البناء» أن خطة البقاع ستسير وفق إرادة أصحاب القرار النابعة من القاعدة غير البعيدة عن عملية توافق بين «تنمية المنطقة» وبين «المكلفين» بتمرير الخطة التي لن تكون إلا وفق قرار متجانس تحكمه المصلحة العامة للبقاعيين».

«القديم على قدمه» في اللجان النيابية

وبانتظار جلسة الحوار الوطني الأسبوع المقبل في عين التينة مع عودة رئيس مجلس النواب نبيه بري من جنيف امس، يترأس بري اليوم مع بدء العقد العادي الثاني للمجلس عملاً بأحكام المادة 44 من الدستور وعملاً بأحكام النظام الداخلي، جلسة انتخاب أعضاء ورؤساء ومقرري اللجان النيابية والتي ستبقي القديم على قدمه.

وأكد عضو هيئة مكتب المجلس النائب انطوان زهرا لـ«البناء» «أن العادة درجت خلال الولاية الواحدة، وكما هو عليه الوضع دائماً، أن لا يحدث أي تغيير في رؤساء وأعضاء ومقرري اللجان وفي هيئة مكتب المجلس، باستثناء بعض التغييرات الشكلية التي تتعلق بطلب كتلة سياسية نقل نواب أعضاء في لجنة إلى لجنة أخرى واستبدالهم بأسماء أخرى من الكتلة نفسها، أو إذا حدث أن وُزِّر أحد النواب يتم استبداله بآخر من الكتلة نفسها». وإذ لفت إلى أن كل ما سرب عن مطالبة بتغيير رئيس إحدى اللجان النيابية، شدّد زهرا على «أن هذه المطالبة لن تلقى آذاناً صاغية، فأي تغيير سيعقبه تغيير في اللجان الأخرى وسندخل عندها في انتخابات كاملة، لذلك من مصلحة الجميع أن تبقى الأمور على حالها».

ورأى حزب الكتائب في بيان بعد اجتماعه الأسبوعي برئاسة النائب سامي الجميل، أن «بقدر ما يلتزم حزب الكتائب المشاركة في جلسات الحوار يؤكد أن للحوار وظيفته المحددة بتسهيل انتخابات رئاسة الجمهورية، إلا انه لا يمكنه أن يشكل بديلاً من الحكومة، أو رديفاً لها، وإلا تصبح المشاركة فيه بمثابة المساهمة في تعطيل الحكومة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى