مكتبة «البناء»

كتاب «مذكرات مخرج سينمائي» للمخرج والكاتب سيرغي أيزنشتاين يضمّ بين دفتيه عددًا من المقالات التي تهدف إلى مساعدة صانعي الأفلام على السيطرة على قدرات السينما وإمكاناتها، وقسم إيزنشتاين كتابه أربعة أجزاء: عن نفسي وعن أفلامي، مشاكل إخراج الفيلم، صور فنانين، رسوم واسكتشات رسمها سيرغي لأفلامه استعرض خلالها بداياته الفنية وكيف أصبح مخرجًا سينمائيًّا، وعددًا من مشاكل إخراج الفيلم مثل: الوحدة العضوية والانفعال النفسي في تكوين الفيلم، بالإضافة إلى عرض بعض التجليات الفنية لعدد السينمائيين الروّاد مثل تشارلي شابلن

يجيب سيرغي عن تساؤل: كيف أصبحت مخرجًا سينمائيًّا؟ قائلاً: أذكر قبل ثلاثين عامًا مضت بوضوح كيف بدأت، أعني حياتي الفنية. انطباعان متلاحقان قررا مصيري، الأول مشاهدتي مسرحية «توراندوت» التي أخرجها ف. كوميارزفكي وقدمها على الخشبة عام 1913، إذ أمسى المسرح منذ تلك اللحظة موضع اهتمامي الشديد وحماستي الفائقة. واللحظة الثانية الحاسمة كانت مسرحية «ماسكاريد» التي قدمها مسرح ألكسندر نيفسكي السابق في بطرسبرغ، فبلورت حنيني إلى استبدال الهندسة بالمسرح. وما أن وقعت في دوامة الحرب الأهلية وتركت معهد الهندسة المدنية حتى أحرقت كل الجسور من ورائي، فلم أرجع إلى المعهد، إنما اندمجت سريعاً في عالم المسرح، وعملت في البداية مصممًا للديكورات في أول عرض مسرحي للثقافة الشعبية للعمال، وعملت بعد ذلك مخرجًا مسرحيًّا، ثم أصبحت لاحقاً مخرجًا سينمائيًّا في الهيئة نفسها.

أما عن أفلامه فيشير إلى فيلم «الطرائق الصحيحة للاختراع» قائلاً: في فيلم ألكسندر نفسكي شخصية جذابة هي شخصية جنات صناع الأسلحة. كان طبيعياً أن نضمن صاحب حرفة في الرسم الأصلي للشخصيات التي تمثل روسيا بكل ما في حياتها من تنوع في القرن الثالث عشر يقولون إن أثينا قد نبعت من رأس جوبتير، والشيء نفسه ينطبق على جنات صناع الأسلحة. مع فرق أنه نبع من رأس ألكسندر، أو بالأحرى لم ينبع من رأسه بقدر ما نبع من أفكاره الاستراتيجية، وكنت مقتنعًا تماماً بتصوير ألكسندر على أنه عبقرية، وعندما نتكلم عن العبقرية نفكر دائمًا في شيء مثل تفاحة نيوتن أو غطاء غلاية فاراداي.

كان الفيلم يقدم إلينا فرصة واحدة فحسب لإظهار عبقريته عن طريق الخطة العسكرية لمعركة الجليد وعرفت هذا الخطة باسم الكماشة. ونجد إلى جانب ألكسندر أن تحطيم العدو بواسطة حركة الكماشة أسبغ المجد على هانيبال، وكان أول من استخدمها في معركة «كاناي».

يوضح المؤلف في القسم الثاني من الكتاب مشاكل إخراج الفيلم من خلال رواية «مأساة أميركية»، تأليف ت. دريزر، قائلاً: مذ قدمنا مشروعاً أولاً للعرض، كانت مادة هذه الرواية تمثل ميدانًا للصدام بين وجهتي نظر لا يمكن التوفيق بينهما، وجهة نظر مكتب الإدارة ووجهة نظرنا، إذ كان أول سؤال وجهه إلينا ب. سشلبرغ مدير«باراما ونت» هو.. «هل كلايد غريفيث مذنب أم غير مذنب في المعالجة التي أعددتهما؟». وكان جوابنا: ليس مذنبًا، وأردف: «إذن، فنص الفيلم الذي أعددتماه يعتبر تحديًا خطيرًا للمجتمع الأميركي» فشرحنا له أننا نعتبر أن للجريمة التي ارتكبها غريفيث تأثيرها في كل مرحلة من مراحل سيرته وشخصيته اللتين تتضحان أثناء حوادث الفيلم. وظلت رواية «مأساة أميركية» متوقفة أكثر من خمس سنوات بعدما اشترتها شركة«باراما ونت» نتيجة الصعوبات التي أحاطت بهذه المسألة اللعينة».

وفي النهاية كان جوزيف فون سترلبرغ هو الذي أخرج الفيلم على عكس ما كنا أعددناه تماماً، إذ استبعد حرفياً معالجتنا للموضوع، واسترجع كل ما كنا استبعدناه، إذ قصر ستربزغ اهتمامه على رغبات مكتب الإدارة.

يضيف المخرج الكاتب: في حياة كل فنان لحظة رائعة هي اللحظة التي يدرك فيها أنه أصبح فنانًا، وأن الناس يعترفون به كفنان، ولا أذكر إلاّ القليل عن الطريقة التي حدث بها ذلك بالنسبة إليّ. هي ليلة افتتاح فيلم «المدرعة بوتمكين» في مسرح البولشوي بعد ذلك بعامين، في الاحتفال بذكرى مرور عشرين عامًا على ثورة 1905. وحضرت عرض الفيلم مع بودوفكين. ولدى انتهاء العرض نهض الجمهور في صمت، لكن الجو كان متوترًا يسوده شعور بأن موهبة جديدة ظهرت في الفيلم، موهبة ذات شخصية أصيلة، موهبة من نوع خاص، موهبة لها ذاتيتها الخاصة، وفي الوقت نفسه ملك لنا.

عن فيلم «الديكتاتور العظيم» لتشارلي شابلن يقول إيزنشتاين: شاء ت سخرية الحظ أن يكون الشارب نفسه الشبيه بالفراشة السوداء قابعاً على الشفة العليا لرجلين مختلفين أشدّ الاختلاف، أحدهما مخترع قناع، والآخر من دم ولحم حقيقيين، الأول من الأكثر شعبية على وجه الأرض تشارلي شابلن ، والآخر أجمع الناس على كرهه «هتلر». أما موضوع الفيلم فهو ديكتاتور فاشيّ يشبهه حلاق بسيط يعيش في حي اليهود، ويؤدي تشابلن الدورين. وأهم ما في الفيلم الإشارة إلى كراهية الطغاة الفاشيين التي تملأ قلوب المشاهدين، فالموقف الذي يصور النقش المطموس يبدو كأنه يطمس الطبيعة الخاصة للحوادث التي تدور في حي اليهود، ويحل مكانها مصير جميع الدول الصغيرة والشعوب التي تضعف تحت حكم الفاشية، بغض النظر عما إذا كان اسم الدولة بلجيكا، أو النروج، أو اليونان، أو فرنسا، أو تشيكوسلوفاكيا. الحيلة الأخيرة في هذا الفيلم هي أن تشابلن يتكلم فيه للمرة الأولى في أفلامه بصراحة، إذ يوجه الاتهام بصوته وكلماته وشخصه ويجد دعاة المحافظة على المظهر ومحبو الجمال الجرأة على لومه، فبناء الفيلم بالنسبة إليهم أهمّ من النداء الإنساني الحي.

كتاب «مذكرات مخرج سينمائي» تأليف سيرغي أيزنشتاين، ترجمة أنور المشري، مراجعة كامل يوسف، صدر ضمن مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب في نحو 362 صفحة من قطعاً كبيراً.

«الأدب ومقاومة الطغيان» دراسةً لحسين عيد

كل كتابة فكر لا ترقى إلى مستوى وعي النص، لا تكون أكملت دورة الاستحقاق فالنص هو ما يتراءى في أفق الوعي، فيستبين رؤية أو يستثير تساؤلاً أو يضع مؤشرات من قلق ظمأ إلى طلب معرفة لفك مستغلق فهم حول قضية، والنص بهذا الفهم لا يخضع لحدود التقليد المدجن من معالجات، بل هو استشراف المرائي في الأفق البعيد، لتضع أسس معالجات لكل ما هو متغير من أفعال، فالأصل في الفعل الدنيوي ومتعلقاته هو متغيّر بتغير الظروف ولا ثابت فيه مطلقاً، لأنه فعل يتم وفق إرادة الإنسان التي لا قداسة فيها تسقط معها عملية النقد في مقابل ما هو ديني، فالمسألة الدينية هي التي تتمتع بالقداسة ولا متغير فيها فالفرق في الثابت والمتغير هو فرق بين ما هو ديني وما هو دنيوي، وناموس التغير مرتبط بما هو من فعل البشر.

كتاب «الأدب ومقاومة الطغيان» للكاتب حسين عيد من الكتب القيمة التي تفتح أفقاً للحوار الإنساني والجمالي الرفيع، وهي من مصاف الكتب المقلقة التي تقض المضاجع المطمئنة، وتأخذها بعيداً عن نفسها لنراها من الخارج فتعيد قراءة ما هو مظنون من المسلمات وبديهيات في ضوء رؤى جديدة. نراها في محور تدوير الزوايا من غير المسلمات كما كان في سالف اعتقادنا، بل هي مجرد وجهات نظر مثل وجهات نظر أخرى لا تقل عنها احتمالاً للحقيقة في أي صورة من صورها.

كتاب بعيد عن إنشائية التفكير، يغوص في جدلية تاريخية، ويشير الكتاب الذي كتب مقدمته د. أيمن تعيلب تحت عنوان «حرية المجاز وطغيان السلطة» إلى أن الإبداع حين يقاومه الطغيان فإنما من خلال منظار عقلاني مستنير يربط بين ما هو لا معقول بما هو معقول، عبر إحسان قيادة اللامعقول الكامن في الدواخل، من خلال ما اصطلح عليه الكاتب بتسميته بمسمى المجاز قائلاً إنه يملك قدرة هائلة على تفكيك الحدود السياسية والثقافية الوهمية بين حدي المعقول واللامعقول.

ويضيف أن قوة الصدام الهائل بين حرية الإبداع وقوة الطغيان قائمة على جسارة الإبداع الذي ينفي طبيعة الرتابة، وهو مزيج بين النظام واللانظام والعقل واللاعقل في شكل متناسق كل يقوم بدوره في ما خصص به من قيام الأدوار السلسة في بنية المفاهيم والتصورات عبر الوعي والتنوير للوجدان لإجلاء غمامة حتى تنقشع فيضاء الإبصار في كيان العقل ويبصر أسوار السجون التي يقبع خلفها الفكر. ويضيف أن للمجاز قدرة تتجاوز شرعية الدولة والمجتمع.

يبين الكاتب أن ثمة تبايناً وتضاداً، فعل السلطة وموقف المجاز الإبداعي إذ تشغل السلطة نفسها بتدبيج الثقافات والدساتير ورسم أطر الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي، فيما يعني المجاز الإبداعي بمدى شرعية هذه الأطر وهو يبحث في المسكوت عنه والغائب عن الوجوه والوصول إلى مد يرمي عبره إلى خلخلة الرمزية السائدة المغلوطة باعتبارها جزءاً من سلطة الإجماع السائد، ويرى أنه إذا كانت الحياة نفسها شكلاً من أشكال الفعل الحر فإن المجاز هو أيضاً فعل الحرية.

إن ثقافة الاستبداد والسلطوية المطلقة تدشن الكوابح لكلّ ما هو نقد، عبر تبربر مفاهيمها وتعميق ما هو سائد ويقود أوهام الشرعية فيما تؤسس ثقافة المجاز والإبداع للتغيير والتحويل والحرية والمواجهة، وتجسد السلطة لكل ما يخدم بقاءها، فتخلط عبر حبكة بالغة الدقة بين ما هو كلي بما هو جزئي، وما هو متعلق بالشأن الرباني بما هو بشري فيصبح رجل الدين ورجل السياسة متحدين بوعيهما في صفة الإطلاق الطاغي.

وفي أعماق الكيان الرمزي الإمبراطوي الضخم الذي يسمى الدولة تكمن الضرورة بكل كوابحها وعوائقها في مواجهة الحرية، ومن شواهد التاريخ، تقول الحقائق إن باستمرار الدولة في الأخذ بإبداعات مبدعيها تغير أنماط تفكيرها وتوسع حدود خيالها وتعمق سماحة لغتها ومرونة وعيها وتصرفاتها. تسعى الدولة من خلال شحذ خيالها إلى تطوير أساليبها والتفتق عن مزيد من الأدوار اللغوية.

يتساءل الكاتب عن الكيفية التي تم بها تأسيس الجهل بالعلم والفوضى بالكلام والموت بدلاً من الحياة والوهم، مؤكداً أن الخرائط السياسية الطاغية لم تعد محاكاة للأرض والثقافة والفكر والعقل والسياسية والاجتماع والإدراك والقيم في واقعنا العربي، أي لم تعد الخريطة الرمزية القهرية محاكاة للواقع العربي نفسه، بل صاروا جميعاً في ركاب ينفي الواقع بالواقع عبر تأسيس وهم الواقع في مقابل نفي واقعية الواقع بل تمكّن الطواغيت من تسييل حدود الواقع لتكون حدوده الكلمات والشعارات وليس جسم التاريخ الفعلي وانعدم الفرق بين مفردات الوهم والخداع والثقافة فلا نستطيع أن نميز الفروق الدقيقة بينها إلاّ بشق الأنفس.

يرى الكاتب أن منطق الغياب أكثر من منطق الحضور ومنطق الصمت أكثر حيوية من منطق زيف العلن الثقافي السياسي العام، غير أنه يلفت إلى أن الطغيان ليس نبتة شرقية خالصة بل هي نبتة عالمية الكيان لأن العالم مليء بالطواغيت رغم أن الغرب حاول أن يثبت فكرة أن الشرق يمثل بيئة الطواغيت الحاضنة.

صدر كتاب «الأدب ومقاومة الطغيان» للكاتب حسين عيد صدر ضمن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة، في 440 صفحة قطعاً وسطاً.

«بريد القارات» شعراً لسامي مهدي

في «بريد القارات» يخلق سامي مهدي مزاجاً شعرياً متماسكاً يتصل بتجريب تتابعي لموجوداته، وهي موجودات أغلبها غير عينية، وتشتمل على العديد من المؤثرات التي تهيئ فرصاً أفضل للتعبير عن أبعاد قصدٍ ما لإنتاج الجانب المهمّ من الإطار النظري للنص ثم الهيكل البنائي وتقنيته غير التقليدية وإدراك الإشكاليات التي تتعلق بمفهوم رؤيا المكان حين يكون المضمون متعلقاً بمحاولات تتصل بالكشف عن موقع الإنسان في الكونية وموقعه ضمن حريته المفترضة تجاوباً مع حالة ضياعه في محاولات الذات للتقرب من وجودها ضمن تجاربه وتجاوبه مع سلسلة طويلة من أفكاره التي شكلت نمطه الخاص.

ضمن هذا الشكل كان لا بد من أن تكون للأشياء فرضيات للبدء في تحطيم أشياء ما تتصل بالذهنية وتتصل بالجانب الريؤي، وفي صوغ الوعي، بل وفي خصائص اختزال العقل، وطبيعة تحسسه للنفاذ الى اللاوعي المتعدد البعد، وعبر حركاتها المتشعبة في تاريخها الكوني الذي يظهر صلابة قوامها وشفافية فاعلياتها في المساحة المكانية الأكبر حجماً لمعرفة قدراتها الانتقائية بعد تجريدها من مُعرفاتها لكل الأشياء المتداولة في الوجود:

«سُلمٌ من غُبار/ وخيوطُ دَمٍ تتقدَّمنا كالدليلِ /وأسئلةٌ / وظهورٌ مُحدبةٌ / وجدار / أو هذا المُرتقى؟ / أم سواه؟ /أم الأرضُ مرهقةٌ من دوار»

لا شك في أن وسائل تجاوز الواقع لدى سامي مهدي وافية ويمكن الوثوق بها، كونها تبتكر ظواهر منتخبة لعمل الخيال، لذا يضع الشاعر أمامنا أشياء تمدنا بطرائق متعددة للتفكير فهي تارةً محيرةً، وتارة أخرى ضمن ذلك الاضطراب الذي يتواصل للاقتراب من الشعور العام، للمخلوقات كافة البشرية وغير البشرية، بل والتسامي وموجودات الطبيعة لرؤيا الفراغ العائم في الضحك والبكاء والخوف والحزن والترقب لسماع صوت المجهول، وهو السبيل الى امتلاك الواقع الباطني بواسطة الكلمات، ويحفّز النشاط التوليدي للغة نشاط المخيلة ويتوازن مع ما يريده الشاعر من مضامين أثناء عملية الخلق.

لذلك فإن هذا التماسك جعل نصوص «بريد القارات» غير قابلة للخرق لأن، ثمة دالات بنيت عليها الجمل الشعرية كفيلة بالإيحاء بأن ثمة أشياء كثيرة تقبع خلفَ «حاشية الأرض» «نزيف الشجر» «مكان في الظل» «هل عشت ابداً» «أشلاء هاربة».

الغياب على أنواعه من مرتكزات الخطاب الدلالي عبر بريد يدور في حيزٍ من الأرض المعلومة بين القارات، ففي اللغة شيء من الكبرياء، وتكمن كبرياؤها في أنها تبغي ألاّ تكون معلقة في ملصق أو كتابة جاهزة، وحتى ان ساعي بريدها لن يكون إلاّ الصوت الذي ينطق به الخيال، ولذلك فإن في هذا التصور يحتفظ بعناصر التركيز المقننة لتجاوز نطاق قدرة الإدراك الحسي من أن الحقائق مكشوفة لكنّها غير مفهومة، لذا كانت انتقالات الصور الشعرية التي يتم خلقها من أعلى شكل للوجود الى أدنى مستويات الحدث اليومي، وهذا البعد العيني يجسد مرأى الصورة الشعرية، عندئذٍ يكون فهم النص متيسّراً من أحد أبعاده الثلاثة:

«أمن همدانَ بدأت طريقكَ، أم إصفهان؟/ وكيف عبرتَ الهضابَ القواحلَ،/كيفَ بلغتَ المكان؟/ألم ترَ شيئا يعوقكَ،/شيئاً يروقكَ، ورداً/ندىً، طفلةً، غيمةً، صخرةً، أيَّ شيءٍ/ألم ترَ شيئاً/فترتدَ قبل فوات الأوان».

إن فهم الواقع النفسي وإظهار الروح البشرية في تداعياتها كوحدة متكاملة يعني أن اللغة أكملت انطباعاتها عن اللحظات الآنية واللحظات السالفة، وتمكنت من صوغ رموزها الجديدة، وكذا الولوج عبر حاجاتها المعقدة كي تصل الى وظيفتها السحرية، في حين أن التقاطعات الذهنية والبصرية تبرز كيانات الحوادث على النحو الذي يليق بها، ما أعطى النصوص صدقيتها إذ خرجت من معمل المخيلة بعد جهد كبيرٍ استكملت فيه خواصها الأصلية والخواص الإضافية، مع الأخذ في الاعتبار مخرجات الشيئية العلاقات بين الأشياء لتلك العبارات التي كونت تلك الخواص، ما أكسب الفعل التلقائي للأنا مستويات نهائية لاستكمال بُنى النصوص:

«كنتُ أقرأُ تاريخَ آدمَ/فانفجرت في الفضاء/شُهبٌ، ورأيتَ النساء/ينحدرنَ الى النهرِ/يبحثن عن صبيةٍ ضائعينَ/ويحثثنَ أزواجهنَ على أن يعودوا بما رزقوا/وينمن على فُرشٍ من بكاء./كنتُ أقرأُ تاريخَ آدمَ…».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى