قمة سعودية ـ مصرية: جسّ نبض حول المواقف من سورية والعراق إيران لم تمنح موافقتها فعدل أوباما عن إرسال الطائرات من دون طيار

كتب المحرر السياسي

من المتوقع أن تكون القمة التي ستجمع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في طريقه إلى المغرب وعلى متن طائرته بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مناسبة لتقييم السياسات السعودية وما حققته في كلّ من العراق وسورية والإخفاقات التي أصابتها بحصيلة التطورات العسكرية والسياسية في سورية، والعجز عن تحقيق المزيد من التقدم في العراق، وسط قلق مصيري من التفاهمات الأميركية الإيرانية التي تبدو أعمق مما تحمله الأنباء بالتقسيط عن مواضيعها ومساحاتها العملية.

مصر التي تسعى للحصول على أعلى درجة من الدعم المالي والسياسي السعودي، والخليجي عبر السعودية وبواسطتها، في مواجهتها المفتوحة مع الإخوان، تعرف أنّ مشروع الحرب على سورية يبلغ طريقه المسدود، وأنّ مجاراة الإنكار السعودي لن تجلب إلا الخسائر، وأنّ بمستطاع مصر أن تلعب دوراً مختلفاً غير السير في الركب السعودي المأزوم، كما تدرك أنّ الوضع في العراق يحتاج إلى جسور حوار وليس إلى منصات تصعيد، ومصر القادرة على لعب هذه الأدوار لا تعرف مدى جاهزية السعودية لتقبّلها من دون التراجع في تقديم الدعم الذي تحتاجه مصر وتتطلع إليه.

الدعسة الناقصة المصرية ستكون مكلفة في حال الرضوخ للرغبات السعودية، فهي عدا أنّ إضاعتها لفرصة لعب دور رعاية المصالحات ستعني تشجيعاً لحلف يقاتل في سورية والعراق ويتقدّمه الإخوان وتشكيلات «القاعدة» الذين يشكلون التهديد الأمني المباشر للدولة المصرية، وسيعني إضافة لتجاهل قامت به مصر مراعاة للسعودية لمخاطر الدور التركي بالإشارة الحصرية إلى مفهوم للأمن القومي في حماية الخليج والإشارة الضمنية السلبية نحو إيران، مساهمة في ترك ما يسمّيه المصريون بالإقليم الشمالي الذي يضمّ سورية والعراق تحت أنياب الاستفراد التركي الذي يشكل الحاضنة لكلّ أعمال التخريب التي تستهدف مصر.

الرئيس المصري أمام أول اختبار جدي وعملي بعد تولي الرئاسة في كيفية ممارسة الدور القيادي لمصر عربياً ومن منطلقات القراءة الواقعية والمصلحية في آن واحد.

وقبل أن تنعقد القمة كان الارتباك السعودي أمام التطورات العراقية التي بدا أن حكومة نوري المالكي نجحت في امتصاص وجبتها الرئيسية، ووضعت حداً للانهيار الذي حدث مع سقوط الموصل وتكريت وبدأت تنظم صفوفها وخططها للمواجهة، بينما بدا أنّ الأميركي الذي يدرك حجم خطورة تسليم ثلث العراق للقاعدة، إرضاء للغضب السعودي التركي من سياسات المالكي والحنق والغيظ من وقوفه مع سورية من جهة، ومن الفشل الذي لحق بالحرب على سورية من جهة أخرى، ينتظر الضوء الأخضر من إيران لتصعيد مشاركته في المواجهة عبر إرسال الطائرات من دون طيار التي شكلت موضوع جلسة مجلس الأمن القومي الأميركي، بعدما خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما ليعلن أنّ حكومته ستتابع الوضع في العراق وتخشى الحرب الأهلية هناك، لكنها ستقدم المعونة الاستشارية والتسليحية للحكومة العراقية، والموقف الإيراني الداعم للمالكي لا يريد منح الأميركي فرصة التدخل مرة أخرى في العراق، ولذلك وقف عند حدود ترك الوقت اللازم أمام الإنجازات الناجمة عن خطط الهجوم المعاكس التي تحتاج إلى أسابيع لتظهير نتائجها قبل أن يبدأ التحدث مع اللاعبين الآخرين وفي مقدمهم الأميركي.

14 آذار تمعن بتعطيل المؤسسات

إذاً، فكما كان متوقعاً لجأ نواب 14 آذار بقيادة «المايسترو» فؤاد السنيورة إلى تطيير الجلسة التشريعية التي كانت مقررة أمس لاستكمال بحث سلسلة الرتب والرواتب، ويبدو واضحاً أن فريق 14 آذار يستهدف من وراء ذلك إصابة «عصفورين بحجر واحد» الأول تعطيل عمل مجلس النواب على المستوى التشريعي، والثاني الحؤول دون إقرار السلسلة خدمة لناهبي اللبنانيين وثرواتهم.

وبذلك كشف المسار التعطيلي السيناريو الذي ينتهجه هذا الفريق بقيادة السنيورة، حيث قاطع نواب هذا الفريق جلسة السلسلة ليس بسبب الخلاف على الأرقام كما عبر هذا الفريق بل للإمعان في تعطيل عمل المجلس النيابي ودوره، وبهذا يبدو واضحاً أن القضية ليست قضية سلسلة فقط، بل قضية تعطيل كما عبر النواب بعد لقائهم أمس مع الرئيس بري ناقلين هذا الجو عنه اثر انفضاض الجلسة بسبب تعطيل النصاب.

بري يحذّر من التعطيل

وقد قرّر رئيس المجلس إبقاء الجلسة مفتوحة للدعوة إلى جلسة في أي وقت للتأكيد على عمل المجلس التشريعي ضد الهرطقة التي تقول بعدم جواز التشريع في حال استقالة الحكومة أو شغر موقع رئيس الجمهورية. ولا تشمل غاية هذه المقاطعة شلّ المجلس فقط بل تطاول الحكومة، إذ إنه لا مجال لأن تقوم الحكومة بدورها في ظل غياب التشريع بل ستتحول في هذه الحال إلى حكومة تصريف أعمال وفق ما خرج به النواب من عند الرئيس بري أمس. مع العلم أن رئيس المجلس كان حذّر من ذلك مراراً أمام زواره وفي اللقاء الذي جمعه سابقاً مع سلام والسنيورة وميقاتي.

ونقلت مصادر مطلعة ترحيب بري بحضور رئيس الحكومة مجدداً جلسة السلسلة مقدراً هذا الموقف. وقالت إن ما قام به السنيورة يطاول رئيس الحكومة أيضاً، وربما قصد ذلك بهدف إضعافه، خصوصاً بعد أن أنجزت هذه الحكومة في الشهرين الماضيين أكثر من خطوة على الصعيد الأمني والإداري. وجدد بري أمام النواب أن الاجتماع الذي عقده مع السنيورة وبهية الحريري أول من أمس توصل فعلاً ومن دون أدنى شك إلى توازن دقيق بين الواردات والنفقات بل كان هناك فائض في الواردات من دون احتساب زيادة واحد في المئة على الـT.V.A. وقد وضع بري أعضاء هيئة التنسيق النقابية خلال استقباله لهم قبل ظهر أمس في ساحة النجمة في أجواء هذا الاجتماع شارحاً لهم كل تفاصيل ما جرى.

ولفت أيضاً كلام النائب هاني قبيسي الذي عكس موقف بري وقوله إنه بعد أن جرى الاتفاق على واردات تعادل بدقة النفقات وتزيد عليها، بقي الإصرار على تعطيل الجلسة الأمر الذي يؤكد الخضوع لهرطقة عدم جواز التشريع إذا ما استقال رئيس الحكومة أو شغر مركز رئيس الجمهورية.

مصادر نيابية

من جهتها قالت مصادر نيابية إنّ ما حصل في جلسة الأمس لم يعد مرتبطاً بتبريرات السنيورة وفريقه حول التوازن ما بين الواردات والنفقات إنما يعبر عن نية مسبقة وإصرار على رفض إقرار السلسلة، وفي الحد الأدنى إلغاء دور مجلس النواب من خلال ربط حضور الجلسة بالتوافق المسبق بين الكتل النيابية على كل أرقام السلسلة من واردات ونفقات. وأضافت إن ما أطلقه نواب المستقبل و»القوات» خلال المؤتمر الصحافي في مجلس النواب حول واردات تغطية السلسلة مؤشر واضح على رفض إقرار السلسلة. على رغم أن عضو كتلة المستقبل جمال الجراح ربط الحضور بالموافقة على زيادة واحد في المئة على ضريبة الـT.V.A وهو ما يعني أن «المستقبل» وحلفاءه يريدون تحميل أعباء السلسلة لذوي الدخل المحدود بحيث يتم إعطاء الحقوق لأصحابها من جهة، ويصار إلى أخذها من جهة ثانية وقالت إن كل هذا التهرّب من إقرار السلسلة وفق الصيغة التي كان جرى إقرارها في اللجان النيابية يؤكد رفض السنيورة وحلفائه تحميل أصحاب الريوع العقارية والمالية أية أعباء لتغطية النفقات وبالتالي زيادة أرباحهم الخيالية.

وأكدت المصادر أنّ ما يحصل من تعطيل لمجلس النواب سيعطل إمكان الوصول إلى توافق داخل مجلس الوزراء على آلية عمل الحكومة. ولاحظت أنّ عمل مجلس النواب والحكومة مترابطان وليس فقط من تعطيل لدور الحكومة إذا عطلت الجلسات التشريعية بل أيضاً من حيث فقدان الثقة بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة وبالتالي جعل التوافق أكثر صعوبة بين أعضائها، ولذلك رجحت المصادر أن تحول أجواء التوتر السياسي الذي يفتعله فريق 14 آذار دون حصول اتفاق في مجلس الوزراء على آلية عمل الحكومة.

هيئة التنسيق

وجدّدت هيئة التنسيق بعد اجتماعها أمس تمسكها بكامل الحقوق للمعلمين والموظفين والعسكريين. ولفت رئيس الهيئة حنا غريب باسمها إلى أن الحقوق هي البوصلة لسياستنا النقابية تجاه المواقف التي تخرج عن الكتل النيابية. وقال: «لن نقبل بسلسلة على حساب الفقير»، معلناً عن التحضير لخطوات تصعيدية بما في ذلك مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية.

وأكدت مصادر هيئة التنسيق لـ»البناء» إن ما حصل أمس يكشف أن هناك رفضاً مسبقاً وواضحاً لإعطاء الحقوق لأصحابها. بل إن ما يطرح من بعض الكتل يستهدف إفراغ السلسلة من مضمونها الحقيقي من حيث كونها تعطي بعض الحقوق لأصحابها والتي كان يجب أن تحصل منذ فترة طويلة.

وقالت إن لا تراجع أمام هذه المماطلة في إقرار السلسلة، فهيئة التنسيق ماضية في التصعيد إلى أقصى الحدود، وهي ستلجأ إلى كل أشكال التصعيد وهناك الكثير من الخيارات التي ستعلن اليوم بعد مناقشتها في الهيئات المعنية.

الهمّ الأمني لم يغب

في هذا الوقت لم يغب الهمّ الأمني، خصوصاً عند المعنيّين بحفظه، ولذلك تابع الجيش اللبناني والقوى الأمنية تنفيذ سلسلة من الإجراءات الأمنية والمداهمات في المناطق اللبنانية المتاخمة لسورية، بهدف ضبط المعابر والطرقات الوعرة التي قد يسلكها عناصر المجموعات الإرهابية المسلحة هرباً من الحملة العسكرية التي أطلقها الجيش السوري في جرود منطقة القلمون، لا سيما عند السلسلة الشرقية وعلى محاور محيط بلدة الطفيل اللبنانية وسهل رنكوس السوري المقابل للبلدة وللقلمون، وقد سجّل يوم أمس استسلام عشرات المسلحين وتسليم أنفسهم للجيش السوري عند معبر الطفيل عسال الورد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى