يازجي: آن للعالم أن يجد الطريق إلى دمشق

رأى بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي أنّ ما يحدث في الشرق «هو وأد حضارة بشرية بالمعنى الكامل، وهو بالأحرى طمس لهوية التاريخ».

وفي كلمة ألقاها خلال افتتاح مؤتمر «التعدّدية الدينية والحضارية والعيش المشترك السلامي في الشرق الأوسط» في أثينا، قال يازجي: «أرضنا لم تخلق لتكون مرتعاً لصراع أحد وإنساننا لم يولد ليموت في أرض اللجوء وأطفالنا لم يخلقوا لتلفظهم الأمواج».

ولفت إلى «أنّ عجز الأسرة الدولية أو تعاجزها عن حلّ الأزمة السورية لهو فشل كامل لمنظومة حقوق الإنسان، لا بل هو فشل بالأحرى لكل منظومة القانون الدولي الذي يسخر طبقاً للمصالح وتمسي فيه سيادة الأوطان قوية كانت أم ضعيفة ألعوبة بيد الكبار».

وأضاف: «الحلّ بالحوار وبتقويم وتدعيم مفاصل الدولة المدنية التي إن تهاوت يتهاوى الجميع. فنحن في الشرق ركاب قارب واحد إن نجا ينجو بكل أطيافه من كل الديانات وإن غرق، لا قدر الله، يغرق بكل أطيافه. والأجدر بمن يتكلم عن حماية للمسيحيين ولسواهم أن يسعى وبكل قوته لإحلال السلام لهم ولغيرهم. والسلام والإرهاب لا يتعايشان. نحن طلاب سلام ولسنا رواد حماية. ودارنا الحنون الأولى والأخيرة هي أرضنا التي فيها ولدنا وفيها نبقى وفيها نثبت متسمرين بقوة الرجاء، وفيها سنموت مهما قسى عليها وجه الزمن».

وفيما يتعلق بموضوع الهجرة، قال يازجي: «آن للعالم أن يستفيق ويدرك أنّ إحقاق السلام هو الذي يطمئن وأنّ الهجرة، أو بالأحرى التهجير، ليست إلا عبئاً على المهاجر وعلى المهاجر وهي ليست أبداً جزءاً من الحلّ لا بل بالأحرى نتيجة حتمية للمعضلة. آن له أن يدرك أنّ التكفير والإرهاب والخطف الأعمى والنعرة الطائفية هي أول ما يهدّد الأمن القومي لكل الشعوب وليس في الشرق الأوسط وحسب. أنا لا ألقي باللائمة على الآخر في حرب تحدث في الشرق ولا أدعي المثالية لشعبي وناسي ولا حتى لأنظمة الحكم في الشرق. ولا هي نفسها تدعي ذلك. ولكن الوجه الخارجي للأزمة قد طغى لا بل تعدى كل شيء».

وتابع: «الخاسر الأكبر هو الإنسان البريء في سوق المصالح، ومن هنا تسعى الكنيسة الأنطاكية لأن تكون دوما، وعبر كل أذرعها الخيرية، إلى جانب الإنسان المعذب وتعمل عبر الجهود الإغاثية للدائرة الخاصة بها وتسعى دوماً لأن تضمد جراح المنكوبين لترسم بسمة المسيح على وجوههم».

لبنان بلد المواطنة والتوازن

وتطرق إلى الوضع في لبنان، داعياً «إلى الحفاظ على بلدنا لبنان بلداً للمواطنة وإلى تدعيم سلطة الدولة فيه وذلك عبر انتخاب رئيس للبلاد يحامي وبقوة عن المؤسسات الدستورية ويحفظ التوازن الطائفي ويصون وجه لبنان التاريخي المعهود منبرا للفكر المستنير وللثقافة وموئلاً للعيش الواحد والمواطنة». وناشد «الجميع في الداخل والخارج صون وحماية استقرار هذا البلد الذي ذاق مرارة الحرب طويلا واكتوى بنارها ونهيب بكلّ الأقطاب اعتماد مبادىء الخطاب السياسي والديني الهادىء والعقلاني درءا لكل التبعات الأخرى».

نرفض أن نُسمّى أقلية

وأضاف: «نحن في منطقة تغلي بالمصاعب، بلا شك، إلا أنّ كل ذلك لم يثننا ولن يثنينا أن نسمر ناظرينا في الصليب. نحن أقوياء بيسوع. ونحن مزروعون في أرضه. وإن يكن صليب قد رسم وجه المسيحية على الأرض إلا أن نور قيامة قد جلل هام المصلوب وسكب الفرح في قلوب تلاميذ وفي قلوب كل الناس. نحن مؤتمنون على إيمان مسيحي رضعناه من صدور أمهاتنا، إيمان حفظناه لألفي عام في أرضنا الأولى في الشرق، إيمان لم نتقوقع يوما به، إيمان جسدناه ونجسده أخوة حق وعيشا مشتركا لا بل واحدا مع أخينا المسلم وذلك رغم كل صواعد ونوازل التاريخ ورغم صفحاته نيرة كانت أم داكنة».

وتابع: «نحن كمسيحيين لم نكن يوماً ما فئويين ونرفض أن نكون ذميين. لم نكن يوماً إلا في صلب أوطاننا وفي صلب قضاياها المصيرية. نحن لسنا أقلية، ونرفض أن نسمى أقلية، لأن منطق الوطن لا يعرف أكثرية وأقلية بل يعرف خميرا يسيرا يخمر العجين كله. نحن من خمير هذا الشرق ونحن أجراس مسيحه. إن يبك عراقه تبك كنائسنا وإن يبك لبنانه تبك شاغورتنا وإن تبك سورياه تبك أجراسنا وإن تتنهد قدسه تزفر صدورنا. نحن منه وفيه. وهو منا وفينا هوية وانتماء وكينونة».

قضية المطرانين المخطوفين: لرفع الصوت من أجلهما

وتناول أيضا قضية المخطوفين، مطلقاً الصوت عالياً «لإخماد كل أشكال الصراع والعنف في الشرق الأوسط ونلفت النظر من جديد إلى قضية المخطوفين التي يتناسها الرأي العام العالمي وكواليس القرار. نرفع الصوت عاليا من أجل أخوينا مطراني حلب المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي وندعو للإفراج الفوري عنهما ولكشف حيثيات هذه المأساة التي تدخل عامها الثالث وسط صمت دولي شبه مطبق. وندعو الجميع، والمنظمات الدولية خصوصا، إلى الضغط على كل الحكومات المعنية التي من شأنها ومن قدرتها أن تسدل الستار على هذه المأساة التي تختصر شيئاً يسيراً مما يقاسيه كل إنسان مشرقي دفع ويدفع ضريبة ما يجري خطفا وتهجيرا وهجرة».

وختم: «وأمام كل ما يجري في الشرق، في أرض الكنيسة الأولى، لا يسعنا إلا أن نذكر ذاك الطريق المستقيم VIA RECTA المحاذي لدارنا البطريركية والذي تتناثر على جانبيه الكنائس وحتى الجوامع إلى يومنا هذا والذي تختصر جنباته زبدة التعددية الدينية والحضارية والعيش الواحد السلامي في الشرق الأوسط عنوانِ هذا المؤتمر. نذكره رمزا لدرب هداية من بعد ضياع. نذكره قلباً لدمشق التاريخ ورمزا للشرق بكل بقاعه وبلدانه وناسه الطيبين الأصلاء في الانتماء والأصلاء في المحبة. نذكره ونقول: ألا يكفي ما حصل ويحصل؟ إنساننا ليس سلعة في سوق السلاح. دعوا شعبنا في شرقه يعيش، فقد آن للعالم أن يجد الطريق إلى دمشق».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى