جنبلاط: المنطقة دخلت إعادة الفك والتركيب
يوسف المصري ـ خاص
نقل عن النائب وليد جنبلاط قوله لمرجع سياسي لبناني كبير: إنني وجدت قبر «سايكس»، وما زلت أبحث عن قبر «بيكو» المقصود سايكس – بيكو . والفكرة التي يريد جنبلاط إيصالها واضحة، وهي أنّ المنطقة انطلاقاً من أحداث كلّ من العراق وسورية، يُراد إدخالها إلى مشرحة إعادة «تقسيم المقسّم»، وذلك عبر إعادة النظر بصيغة «سايكس ـ بيكو» لمصلحة إحداث المزيد من التقسيمات عليها ومحو حدود الكثير من الدول الوطنية الراهنة. بكلام آخر: يتمّ جرّ المنطقة عبر تسونامي الفوضى المتمتعة بديناميكية عابرة للحدود إلى إعادة تقسيم دولها الوطنية كما ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية. والفكرة الأساس في هذا المجال تفيد «أنّ سايكس ـ بيكو الأوروبي انتهى وبدأ الآن عصر «سايكس ـ بيكو ٢» الأميركي أو الانكلوسكسوني».
وتمهّد أحداث العراق لتطبيق نظرية تقسيم المقسّم في المنطقة فقبر «سايكس» يوجد فيه الآن جثة السودان والطموح يرقى لأن ترقد إلى جانبها جثة سورية التي بدأ يكثر بشأنها في الكواليس الدولية تعبير «سورية الغربية» التي تشمل الخط الساحلي بمقابل سورية الشمالية المكتظة بأرياف حلب إضافة للرقة ودير الزور، الخ.
وينقل عن الرئيس نبيه بري قوله إن مسؤولاً مصرياً كبيراً أكد له خلال حضوره تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنّ السدّ الوحيد المتبقي بوجه جعل المنطقة ترقد في قبري «سايكس» و«بيكو» على حد تعبير جنبلاط أي تقسم المقسّم ، هو ما تبقى من الجيوش العربية. والمقصود هنا الجيش السوري الذي أدى صموده كمؤسسة وطنية إلى دحر مؤامرة تقسيم سورية على رغم أنها لا تزال مستمرة، فيما قاد صمود الجيش المصري إلى تصحيح مسار الثورة والحفاظ على وحدة مصر ومنع دخولها حالة الفوضى العارمة التي تشهدها دول «الربيع العربي».
ولقد أكدت أمثولة أحداث العراق التي أدت الى استكمال ما بدأه الاحتلال الأميركي لجهة فرط الجيش العراقي، أن أسرع وصفة لانهيار الدول في المنطقة وتقسيمها، هي ضرب مؤسساتها العسكرية الوطنية.
ويراد لأحداث العراق الأخيرة بحسب مصدر دبلوماسي غربي في بيروت، كما نقل عنه مرجع سياسي لبناني، أن تفتح أبواب الحروب الأقلوية في المنطقة على مصراعيها. وبرأيه أن لائحة المستفيدين مما يحدث في العراق هي بالتدرج كالتالي:
تركيا أولاً. وجزم المصدر بأن أحداث الموصل جرت بتخطيط مباشر مشترك بين أكراد مسعود البرزاني وتركيا أردوغان. وقد كشفت المعارضة التركية هذا الأمر بعد ساعات من أحداث الموصل ودعت إلى إجراء مساءلة لحكومة أردوغان في البرلمان التركي.
ثاني المستفيدين هي «إسرائيل» التي أخذت مشهد العلاقة التفاوضية الفلسطينية – الإسرائيلية بمناسبة أحداث العراق إلى رزنامة داعش لتبرير حملة اعتقالات ضد حماس في الضفة الغربية تؤدي إلى إحراج العلاقات الطرية المستعادة بين فتح وحماس، ما يؤدي بالمحصلة إلى ضرب كل الأساس المستجد للمصالحة الوطنية الفلسطينية التي بدأت مؤخراً. ويبدو للأسف أن «إسرائيل» نجحت في فلسطين وتركيا نجحت في العراق.
ثالث المستفيدين ولو من موقع الشريك المضارب مع تركيا هي السعودية التي تقود منذ فترة بعيدة عمليات تمويل للعشائر وقوى سياسية سنية لحشدها ضد حكومة المالكي والعملية السياسية التي يقودها.
ما هو مستقبل المنطقة بعد العراق؟
العراق بنظر المصدر الدبلوماسي هو مفتاح التقسيم في المشرق العربي وأيضاً في الخليج. ويقع لبنان في مقدم البلدان التي تتأثر بحال وحدة العراق أو فرطها. وتتناقل محافل سياسية لبنانية في هذه الآونة وثيقة موجودة لدى مراجع مسيحية تفيد أنه مع بدء ظهور ملامح الحرب الأهلية اللبنانية بدايات عقد سبعينات القرن الماضي، جال وفد مسيحي لبناني بشكل سري على عقلاء مسيحيين مشهود لهم باطلاعهم وخبرتهم وثقافتهم السياسية. وطرح هذا الوفد أمامهم حقيقة أن الحرب الطائفية في لبنان قادمة لا محال وليس هناك قدرة على منعها. واقترح الوفد أنه بدل أن ندخل هذه الحرب ويدفع المسيحيون على مذبحها آلاف القتلى والجرحى، فلماذا لا نسارع إلى التقسيم. أحد هؤلاء العقلاء والعارفين الذين تمت استشارتهم قال لهم لن أجادل من منطق أنني مع تقسيم لبنان أو ضده، ولكنني أجزم أننا حتى لو أردنا لن نستطيع تقسيم لبنان وإنشاء دولة مسيحية فيه، إلا بعد حصول تطور واحد وحيد في المنطقة، وهو تقسيم العراق. وختم قائلاً: طالما العراق موحد فان دول المنطقة وعلى رأسها لبنان سيبقى موحداً. وفي حال تم تقسيم العراق لن يكون بوسع لبنان والكثير من دول المنطقة المحافظة على وحدتها.
يتم الآن في كواليس سياسية لبنانية استعادة هذه الواقعة وذلك بمناسبة الحدث العراقي الذي قسم بلاد الرافدين بين شمال سني بمقابل غرب شيعي بالإضافة إلى منطقة كردية مضاف إليها مدينة كركوك التي حصل عليها الكرد كجائزة ترضية نتيجة تحييد أنفسهم في الصراع الذي نشب مؤخراً بين السنة والشيعة في العراق وذلك بتزكية من أنقرة – أردوغان. وهناك خشية من أنه في حال تحول هذا الانشطار العراقي إلى قسمين سني وشيعي مع دويلة ثالثة كردية، إلى أمر واقع وإلى نوع من «التقسيم الناعم» كما وصفه دبلوماسي غربي في لبنان مؤخراً، فان ذلك سيؤدي إلى خلق ديناميات تقسيم في العديد من دول المنطقة، وليس لبنان بمنأى عنها.