نصرالله إلى دق النفير
ناصر قنديل
– لم يخطئ «الإسرائيليون» عندما قالوا إنّ بوصلتهم في توصيف حجم أيّ معركة إقليمية ومكانتها ودرجة أهميتها واللحظة التي تمرّ بها، هي موقعها في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ولم يخطئ السيد نصرالله في طريقة خوض معاركه وتحديد مستوى الجهوزية لها وتعبئة جمهوره ومريديه والمقاومة والحزب الذين يتولى قيادتهم، بجعل الخطاب إطاراً مرجعياً لرسم السقوف وحدود المناورات ومضمون الرسائل ودرجة الحزم وحجم التوتر المطلوب لبلوغ النصر ودرجة التحشيد التي تستدعيها المعركة تاركاً لخصومه وأعدائه أن يفسّروا ويميّزوا ويبنوا استنتاجاتهم، وهو كما وصفوه سيّد الحرب النفسية.
– في وقفة أمس التي تتسم بطابع ديني خاص له هالة لا تحتمل المناورة والاستخدام الوظيفي ولا يمكن للخطاب والحضور فيها من جانب رمز ديني كالسيد نصرالله، يقف في حضرة كربلاء والحسين ليلة اليوم العاشر من محرّم استعداداً لمعركة استشهاد الحسين، إلا أن يضع الحرب النفسية جانباً ويقول الحقيقة كلّ الحقيقة، لذلك منح السيد نصرالله محبّيه وخصومه والمحللين والمتابعين فرصة نادرة لاستخلاص ما يمكن وما يجب استخلاصه حول طبيعة المرحلة ونوعية التحدّي، ولحظة الاشتباك ومكانتها ودرجة حضورها في المكان والزمان.
– لم يسبق أن حشد السيد نصرالله أربع أدوات من أدوات التعبئة معاً بمثل ما فعل أمس، فحضوره الشخصي علامة قبول للتحدّي حتى الشهادة، ورسالة تقول لسنا آبهين بالمخاطر، وآلة استنفار عصبي ونفسي للجمهور والمريدين ترفع منسوب حماستهم إلى الذروة، لأنه عندما يكون التحدّي في مستوى أن يخاطر ويغامر قائد بمكانة السيد نصرالله ليقول جاهزون للتضحيات وغير آبهين بالتهديدات، فماذا عسى الذي هم أقلّ مكانة وتعرّضاً للخطر أن يفعلوا سوى الجهوزية في ساحات القتال.
– وضع السيد نصرالله الوقوف في ساحات القتال كالوقوف في ساحة كربلاء مع الإمام الحسين والتخلي والتراجع كالتخلي عن الحسين ليلة العاشر، وهي قمة الخذلان والخيانة، والتشبيه هنا من موقع السيد نصرالله الديني وبمكانة المناسبة الدينية ليس مجرد تشبيه تاريخي، بل رفع لمستوى التحدّي النفسي الداخلي للمؤمنين الذين اعتادوا أن يردّدوا في هذه المناسبة قولهم للحسين يا ليتنا كنا معكم لنفوز فوزاً عظيماً، ليقول لهم نصرالله، لا مبرّر لقول يا ليت مجدّداً، فأنتم اليوم أمام ساحة كربلاء فاختاورا ضفة الحسين أو ضفة يزيد بن معاوية.
– لم يترك السيد نصرالله مجالاً للتأويل والتحليل والتفسير، فحسين اليوم هو شعب فلسطين وشعب اليمن وأحرار العالم، ويزيد هو مشروع الهيمنة الأميركية الذي يستعمل المذهبية والطائفية ويحرك «إسرائيل» وحكام المنطقة ويتحكم بأسعار النفط ويتطلع للهيمنة على الأسواق والثروات ويسعى لتحويل الشعوب الحرة عبيداً، وأمام هذا التحدّي يعلن نصرالله قبول النزال، ويقول نحن نقاتل في أكثر من ساحة في وجه مشروع الهيمنة الأميركية. وهذا التوصيف يتيح رؤية روسيا والصين وكلّ مناهضي مشروع الهيمنة حتى فنزويلا وجنوب أفريقيا شركاء في الحرب، ويتيح التحسّب لمشاريع التسويات التي ينتجها الأميركي لمنح أدواته فرص النجاة، كما هو حال «إسرائيل» التي خاضت حروبها بقرار أميركي وخرجت منها بـ«بوليصة» تأمين أميركية.
– لا يُنهي السيد نصرالله هذا التحشيد الدرامي التصاعدي لحضوره وتوصيف العدو الأميركي ومشروعه، وبلوغه مرحلة حياة أو موت لشعوب منطقتنا، بين خيارَي الكرامة أو الذلّ، ورفع التحدّي النفسي للحضور في ساحات القتال، إلى مستوى القدسية الدينية بربطها بليلة العاشر من محرم والاختيار بين البقاء مع الحسين أو تركه وحيداً، من دون أن يعلن هدفاً فورياً، يترجم أعلى مراحل التصعيد الدرامي للخطاب، هو الدعوة للخروج إلى الشوارع والساحات والميادين ليوم العاشر لتأكيد هذه الالتزامات، ما يعني تحويل اليوم ساحة تعبئة شاملة واستعراضاً كاملاً للقوة ما يعادل دقّ النفير العام، ليس لنقص في جبهات القتال ولا لحاجة تكتيكية موضعية، بل لأنّ الحرب تعيش لحظاتها الحاسمة وتتسارع استحقاقاتها والنصر يقترب وعلى المقاومة أن تجهز لكلّ الساحات ولكلّ الاحتمالات.
– رسالة نصرالله سيقرأها الأميركيون جيداً باللبناني والفلسطيني والعراقي واليمني ولا مانع من قراءتها بالإيراني أيضاً، ومضمونها بسيط سهل، «لا تلعبوا معنا»، نحن جاهزون للحرب فهل أنتم لها؟