مفهوم القوة القطري بين الالتباس والوهم
وليد زيتوني
يرتكز مفهوم قوة الدولة العلمي والحديث على ثلاث من مجموعات العوامل المؤثرة: مجموعة العوامل الثابتة: الأرض وطبيعتها، الموقع، الحدود الطبيعية، المساحة، المناخ، الثروة الطبيعية إلخ.. مجموعة العوامل المتغيّرة: السكان، النظام الاقتصادي والمالي، إدارة ونظام الحكم، القدرة العسكرية وغيرها أما المجموعة الثالثة فتتضمّن عوامل مثل الانصهار الاجتماعي، التربية والتعليم، السياسة والدبلوماسية، الإرادة والقدرة على تنفيذ المشاريع الجيوبوليتكية. المجموعة الثالثة عملياً تتعلق بشكل مباشر، بل هي ناتج طبيعي للميزات المتوفرة في المجموعتين السابقتين.
قد تعطي التحالفات بين الدول على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فرصة للتعويض عن بعض الثغرات المُدرَجة في سلم المقاييس السابقة، بحيث تصبح قوة التحالف مجتمعة هي القوة الفعلية، غير أنّ التحالف بالمعنى المبدئي يفترض التكامل بين الدول المعنية لتحقيق توازن بين حاجة دولة ما لعامل من العوامل مقابل الاستفادة من عوامل أخرى يكون بدوره حاجة للدولة الأخرى. شرط توافر الحدّ الأدنى من عوامل المجموعتين الأولى والثانية. وألا ينقلب هذا التحالف الى استغلال وتبعية. تماماً كما هو واقع التحالف القائم بين الولايات المتحدة الأميركية ومشيخات الخليج.
في الواقع تفتقد مشيخات الخليج الى مقوّمات الدولة القوية الحديثة في مجمل العناصر الواجب توفرها من حيث المضمون والواقع وليس من حيث الشكل. فالشكل عادة لا يعطي لهذه الدول إمكانية تحوّلها فعلياً إلى دولة قوية. وربما ينسحب الكلام نفسه على بعض كيانات سايكس ــــ بيكو، التي هي ناتج عمل الاستعمار القديم الذي أقدم على تجزئة هذه الأمة على مقاسات تتوافق مع مشاريع هذا المستعمِر وطموحاته. وهو المشروع نفسه الذي يحاول الاستعمار الجديد المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية، إعادة إنتاجه بصيغة جديدة من خلال فرض واقع عسكري وسياسي يؤدّي في النتيجة إلى تجزئة المجزّأ.
سنحاول استعراض نموذج حسّي يخدم الكلام السابق بكثير من العلمية والموضوعية، ألا وهو التحالف الأميركي ـــ القطري.
لا شك في أنّ الولايات المتحدة تمتلك مقوّمات متكاملة من قدرات الدولة القومية العالمية، وهي بالتالي تبني تحالفاتها ليس على أساس الندية وخاصة مع الدول الصغيرة، فليس هناك من تكامل بينهما لا على الأساس الاقتصادي، فقطر ليست سوقاً للمنتجات الأميركية، بل هي قسم صغير جداً من السوق الاقتصادي الأميركي ولا على المستوى العسكري، فالجيش القطري بما فيه المرتزقة لا يعادل فرقة أميركية واحدة من فرق البحرية المنتشرة في قطر ومحيطها. ولا على المستوى السياسي، فقطر رقم من الأرقام الأميركية المدرجة للاستخدام عند الحاجة. ولعلّ أفضل مثل يمكن أن يُعطى على هذا الطرح هو اجتماع الدول الأربع المعنية بالأزمة السورية. استثنت الولايات المتحدة قطر، رغم أنها شكلت في مرحلة من المراحل المموّل الأساس للحرب الأميركية في سورية.
شكّل التصريح العنتري الشهير لوزير خارجية قطر، بخصوص التدخل العسكري، نوعاً من الاعتراض الحادّ على الاجتماع الرباعي. وربما كان محاولة يائسة لإثبات الوجود على طاولة المفاوضات أكثر مما هو استعراض لعضلات عسكرية عملياً غير موجودة على أرض الواقع. فالقريب والبعيد يعرف حق المعرفة أنّ دول الخليج مجتمعة غير قادرة على التأثير لتغيير مجرى الأحداث في الشام لمصلحتها، وذلك قبل الحضور الروسي بشكل مباشر وفعّال حتى الولايات المتحدة نفسها لم تتورّط ولن تتورّط بجيشها في الميدان، فكيف بدولة غير موجودة في ميزان القوى العسكري، إنّ الولايات المتحدة قد تستفيد من قطر كموقع ومكان ملائم لتواجد قيادتها العسكرية في المسرح الوسيط ليس إلا. وهذا الأمر قد يحدث بقبول قطر أو بعدم قبولها. المسألة هنا ترتبط بقوة الهيمنة الأميركية وليس بموجب بنود التحالف الموقع بينهما.
ونستطيع التأكيد أنه لو تمادت قطر في موقفها بشكل منفرد وبعيد عن «النصح الأميركي»، فستلجأ الولايات المتحدة الأميركية نفسها إلى إجراء التعديلات «الديمقراطية» اللازمة لتبديل القيادة القطرية الحالية كما حصل مع القيادة السابقة. فالولايات المتحدة تبحث عن مصالحها وليس عن «حلفائها». لهذا الحوت الأميركي أتباع، وأحجار دومينو، وعملاء، وزبانية يطلق عليهم لقب «حلفاء».