فارس: العمل التطوّعي في سبيل الخدمة العامة ثقافة مترسّخة في أوساطنا الاجتماعية
داليدا المولى
أكدت رئيسة تجمّع النهضة النسائي منى فارس على أهمية العمل الاجتماعي التطوّعي في تطوير المجتمع وتمكين المرأة.
ولفتت فارس في حديث لـ«البناء» إلى «أنّ العمل التطوّعي لم يعد سهلاً في أيامنا هذه، وكلما تقدّم الزمن كلما صعب إيجاد متطوّعين للعمل في الجمعيات الأهلية، وذلك يعود إلى المشاكل الاقتصادية»، موضحة أنّ «هذا لا ينفي أنّ التطوّع ثقافة مترسّخة في أوساطنا الاجتماعية، وهذا يعني العمل مجاناً خدمة للمجتمع في سبيل المساهمة في ارتقائه».
وتطرّقت إلى النشاطات التي يقوم بها التجمّع، وخصوصاً معرض المونة الذي يُفتتح في قصر الأونيسكو في 28 من الشهر الحالي، بالإضافة إلى نشاطات أخرى تدريبية وندوات ومحاضرات توعوية.
كما دعت فارس المرأة إلى المثابرة «لتبني نفسها وتحسّن واقعها، وتستطيع أن تحجز لها مكاناً في مجال المعرفة ومنه تنطلق محصَّنة في الحياة».
وفي ما يلي وقائع الحوار:
بداية، ما هي أهداف تجمع النهضة النسائية وما هي أبرز فعالياته؟
ـ تأسّس تجمع النهضة في أواخر السبعينات من القرن الماضي، وتحديداً في فترة اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وكانت الغاية الأبرز من تأسيس الجمعيات الأهلية آنذاك هي التعويض عن تعطيل مؤسسات الدولة وتوقف خدماتها، وخصوصاً على الصعيد الصحي والتربوي والتوعوي. إذاً نشأ التجمع للتعويض جزئياً عن نقص الخدمات على الصعيد الصحي، كإقامة مستوصفات للحالات الطارئة، والتربوي كالحضانات ومراكز التأهيل والتدريب على اختصاصات متنوّعة تؤهِّل المرأة وتمكِّنها اقتصادياً وتطوّر إمكاناتها العملية. لكنّ أهمّ مهمّات التجمّع هي التوعية، وقد عملنا على ترسيخ الثوابت الوطنية وتصويب البوصلة وتمكين المرأة، إضافة إلى الوعي بالانتماء الوطني الصحيح والكفيل ببناء مواطن يواجه ظروف الحرب الأهلية، من دون الوقوع في شرك الصراعات الطائفية والمذهبية التي نرى نتائجها الوخيمة على أمتنا ووطننا في المراحل الحالية.
باختصار، قام التجمع منذ تأسيسه على استراتيجية تهدف إلى مساعدة وتوعية المرأة بوسائل متعدّدة، عبر المحاضرات وورش العمل المختلفة من تربوية وبيئية وقانونية.
هل يتركز عملكم في منطقة محدّدة؟
ـ منذ نشأته، لم يتركّز عمل التجمُّع في منطقة واحدة، وقد انتشر سريعاً في مناطق عدة في لبنان، ولدينا نشاطات متنوّعة في بيروت وضواحيها والجبل والبقاع والشمال.
«شغل البيت لستّ البيت»
كيف تستفيدون من إمكانيات السيدات في المناطق المختلفة التي ذكرتها؟ وماذا عن معرض المونة «شغل البيت لستّ البيت» الذي تنظمونه هذا الشهر؟
ـ نحن نعمل على تحويل مهارات النساء والحرف التي تتقنها إلى نشاط منتج من ضمن القدرات التي يتمتّعن بها. فالمونة المنزلية من تراث الريف اللبناني، وهذه المونة ذات جودة ومواصفات صحية وغذائية عالية. وفي هذا الإطار، يعمل التجمع، عبر هيئته المركزية، بجهد لكي يؤمّن تصريف هذه المنتجات في معرض يقيمه، لتستفيد السيدات من المردود المالي لإنتاجهن من جهة، ومن جهة أخرى، يستفيد المستهلك من هذا المنتج الأصيل والصحي، والذي يضاهي بل يفوق، المنتجات التجارية جودةً ونوعية. ومن الأصناف التي يتميّز بها المعرض على سبيل المثال لا الحصر: دبس الرمان ودبس الحصرم والطحينة والكشك والمكدوس والشنكليش والمربيات واللبنة البلدية والمجففات على أنواعها وكثير من الأصناف التي يمكن طلبها من مصدرها. أما عن مكان إقامة المعرض وتاريخه، فإنه سيقام في الأونيسكو ـ قاعة العرض العليا يومي 28 و 29 تشرين الأول، اليوم وغداً ونتوقع أن يلاقي إقبالاً كثيفاً لأنه، إضافة إلى كونه مساحة لتصريف الإنتاج فهو مساحة تلاق وتعارف وتبادل للخبرات والتواصل الاجتماعي.
ثقافة التطوّع الاجتماعي
يواجه العمل النسائي، في الميدان الاجتماعي والتنموي، الكثير من الصعوبات. فما هي الصعوبات التي تواجه عملكم في تجمع النهضة؟
ـ بعد عقود على تأسيس التجمع وصلنا إلى مرحلة لم يعد العمل التطوّعي فيها سهلاً، وكلما تقدّم الزمن كلما صعب إيجاد متطوّعين للعمل في الجمعيات الأهلية، وذلك يعود إلى المشاكل الاقتصادية حول العالم وازدياد الفقر لدى الفئات المهمّشة واضمحلال الطبقة الوسطى، ما جعل التفتيش عن لقمة العيش أولوية. لكنّ هذا لا ينفي أنّ التطوّع ثقافة مترسخة في أوساطنا الاجتماعية، وهذا يعني العمل مجاناً خدمة للمجتمع في سبيل المساهمة في ارتقائه، وهذه الثقافة تتشكل إما في البيت ضمن عائلة ملتزمة أو مع نشوء الوعي عند الفرد، وهي تتوقف على مدى تخلصه من أنانياته، أيّ أن يكون قادراً على الخروج من ذاته والتطلع إلى ما هو أبعد من مصالحه الشخصية إلى مصالح المجتمع وبالتالي المساهمة في تطويره.
وبالعودة إلى أيامنا الحالية، فإنّ الهموم المادية والمشاكل الناتجة عن الفقر وغياب خدمات الدولة، تدفع الفرد إلى تأمين حاجاته وحاجات عائلته بنفسه، ما ارتدّ سلباً على عملية التطوّع بشكل عام. فكيف ستكون الحال بالنسبة إلى عمل المرأة التطوّعي التي هي الحلقة الأضعف في هذا المجال.
نشاطات دورية
لديكم مجموعة من النشاطات الدورية التي تستهدف تطوير قدرات المرأة وتمكينها من دخول سوق العمل. ما هي هذه النشاطات؟
ـ تقسّم نشاطاتنا الدورية إلى قسمين: ثابتة ومتغيّرة.
النشاطات الثابتة هي عبارة عن دورات تأهيل، وتهدف إلى تنمية القدرات وتتوزّع على المناطق، بحسب إمكانيات التجمع المترافقة مع دعم من المؤسسة الوطنية للاستخدام. وهذا العام ننظم دورة تدريبية في اختصاص «مساعد ة ممرض» في بلدة علي النهري. بعد انتهاء الدورة يتخرّج المتدرّب أو المتدرّبة بشهادة رسمية تخوّله الدخول في سوق العمل لأنها توازي برنامجاً دراسياً مهنياً لسنة دراسية رسمية كاملة. إنّ هذا النوع من التدريب يجري بشكل سنوي ويتنقل في كلّ المناطق، مع اختيار الاختصاص الذي يتناسب مع حاجة كلّ متحد.
أما بالنسبة إلى النشاطات المتغيّرة فهي متنوّعة، بحسب الحاجة إليها، ونحن ننظم هذا النوع من النشاطات، إما على شكل دروات تدريبية قصيرة تتناسب مع حاجات الفرع التي تحدّدها الهيئات الإدارية للفروع بالتنسيق مع المتحدات، وإما على شكل ندوات تفاعلية تطال المواضيع التي تتعلق بيوميات الناس وحياة العائلة. وهنا لا بدّ لي من شكر الدكتور رائد محسن الذي يواكبنا ويقدّم ندوات تفاعلية حول مواضيع تخصّ مشاكل العائلة. كما يدير ورش عمل حول أصول التواصل في مركز التجمّع، وقد حضر هذه الورش عدد كبير من أعضاء التجمع في الفروع لتعلم كيفية التواصل مع المجتمع. وقبل حدوث مشكلة النفايات التي يعاني منها اللبنانيون اليوم، كان التجمع قد بدأ بالتوعية على أهمية الفرز المنزلي في التخفيف من حجم النفايات.
وبالتالي تدور نشاطات التجمع تحت سقف عناوين استراتيجية تهدف إلى التنمية المستدامة عبر تهيئة العنصر البشري المدرّب والكفوء والواعي والمنتج. هذا العنصر الذي هو حجر الرحى في عملية التنمية المستدامة، طبعاً مع مراعاة أصول الحفاظ على الموارد المتجدّدة للأجيال المقبلة والتي لها دور أساسي في هذه العملية.
ما الذي دفعك إلى الانخراط في هذا العمل الاجتماعي التطوعي، رغم ما تحدّثت عنه من صعوبات؟
ـ هناك أسباب عديدة دفعتني إلى التوجُّه نحو العمل الاجتماعي، وأبرز هذه الأسباب أنني نشأت في عائلة منخرطة في العمل الاجتماعي والتفاعل مع الناس كما التزمت سياسياً منذ كنت في المدرسة. لذلك منذ نشأتي لا أجد نفسي إلا في التفاعل اليومي مع الناس. كما ساهم نمط حياتي مع زوجي النائب مروان فارس في ترسيخ هذه القناعة لديّ، إذ كان للحياة الاجتماعية والتفاعل مع الناس ومشاكلهم مساحة مشتركة بيننا، وخصوصاً أنّ المنطقة التي ينتمي إليها زوجي في حاجة إلى الكثير من الجهد الاجتماعي والاقتصادي. إنّ العمل التطوعي بالنسبة إليّ، قائم على رغبة شخصية وعلى تربية وجوّ عائلي ينمّي هذه الرغبة وهذا شرط أساسي للاستمرارية لأنه في النهاية التزام.
تطوير قدرات المرأة
ما هي الرسالة التي توجهينها لكلّ امرأة؟
ـ من خلال خبرتي المتواضعة أدعو المرأة، كلّ ضمن إمكانياتها، إلى العمل على تطوير قدراتها في أيّ مجال كان، لأنّ لكلّ امرأة شخصية وإرادة ورغبة في التقدّم. ومع توفر وسائل المعرفة، ولو عبر الهاتف، على المرأة أن تثابر لتبني نفسها وتحسّن واقعها، وتستطيع أن تحجز لها مكاناً في مجال المعرفة… ومنه تنطلق محصَّنة في الحياة.