ملاحظتان على هامش السّياسة الرسمية الأردنيّة في سورية وفلسطين
إبراهيم علوش
مقالة «دير شبيغل» الألمانية على موقعها بالإنكليزية في 6 تشرين الأول 2015، المُعنونة «المشروع الإيراني: لماذا تحوّل الأسد إلى موسكو لطلب المساعدة؟»، حاولت أن توحي أن طلب القيادة السورية من موسكو أن تتدخل مباشرة في سورية جاء لموازنة النفوذ الإيراني المتصاعد في البلاد، على ما يزعم كريستوف رويتر، ومن ثم انطلقت ثلة من الأقلام العربية، التي تكتب بحبر البترودولار غالباً، لتعزف على أوتار تلك المقولة الكثير من المقطوعات النشاز، متجاهلةً أن التدخل الروسي جاء بالتنسيق مع إيران وسورية، لا مع سورية فحسب، كما تشهد غرفة التنسيق الأمني في بغداد، ولم يَدِر بخلد مطلقي العنان لتلك الإشاعات أن «تسريب» مثل تلك المعلومات عن دخول روسيا على الخط لموازنة النفوذ الإيراني في سورية ربما جاء بإيحاء من المخابرات الروسية لتخفيف المعارضة السعودية أساساً، ثم التركية وغيرها، لدخول روسيا العسكري المباشر على الميدان السوري، ولتسهيل تقبّله من الدول المجاورة والمعادية لسورية.
من هذه الزاوية يمكن أن نقرأ التساهل الصهيوني والسعودي والأميركي مع الاتفاق الأردني – الروسي الأسبوع الفائت على تنسيق التحركات في سورية، وهو اتفاق مدفوع أساساً: 1 بالفشل الذريع لموجات «عاصفة الجنوب» المدعومة من غرفة عمليات الموك في عمان التي تحطمت على صخرة صمود الجيش العربي السوري والدفاع الوطني. 2 الذعر الذي أصاب بعض الدوائر في الأردن من انتقال الحملة الجوية الروسية من شمال سورية إلى جنوبها، واحتمالية أن يؤدي ذلك لفرار العصابات المسلحة جنوب سهل حوران عبر الحدود الأردنية، كما أدت الحملة الجوية الروسية إلى فرار تلك العصابات إلى تركيا. 3 محاولة استرضاء الدب الروسي بعد دخوله للسباحة والصيد في الحوض السوري لكي لا تؤدي أي خطوة محسوبة أو غير محسوبة من قبله للتأثير سلباً على النظام الأردني، وهو ما لا يأتي مجاناً بالضرورة، إذ لا بد له أن ينعكس سياسياً بدرجة ما على الموقف الرسمي الأردني من التورط في سورية واليمن، حيث لا يزال الأردن يشارك بالعدوان الغاشم على الشعب اليمني.
على جهة الأزمة الأخرى المشتعلة في الجوار، الصراع مع العدو الصهيوني، لم يكن الموقف الرسمي الأردني، عشية الذكرى الحادية والعشرين لمعاهدة وادي عربة، على القدر نفسه من الانسجام مع مصلحة الأردن والإقليم، أو حتى مع مصلحة النظام الأردني نفسه. فبينما كان العدو الصهيوني يواصل عمليات القتل في الشارع للشباب العربي الفلسطيني على الشبهة فحسب، بالإضافة إلى كل شيء آخر يقوم به، اشتغل الأردن الرسمي بإدارة الأزمة وتفكيكها، بدلاً من مواجهة الخطر الصهيوني على فلسطين والأردن، وهو ما لا يمثل الموقف الشعبي الأردني بالمناسبة الذي عبّر عن نفسه بحراكات واحتجاجات انتشرت في عموم مدن المملكة ومحافظاتها. فمن المهم جداً أن لا يُفهَم الكلام هنا في السياق صراع العصبيات التافه والمدمّر الأردني – الفلسطيني، بل في سياق الموقف الشعبي العربي المناهض للتفريط والتواطؤ الرسمي مع العدو الصهيوني من قبل السلطتين الأردنية والفلسطينية.
لم يقدم النظام الأردني على أي خطوة عملية ذات شأن في مواجهة التصعيد الصهيوني، حتى من قبيل ذر الرماد في العيون، حتى لو كانت بسخافة «سحب السفير». وفيما كانت وسائل الإعلام تشيع أن الأردن الرسمي رفض استقبال نتنياهو، تم تمرير اتفاق مع الصهاينة، في ظل الولاية الهاشمية على الأقصى، ينص على تركيب كاميرات تعمل على مدار الساعة في المسجد وحوله، مما يساعد على اصطياد الشباب المناهضين للاحتلال عملياً، ولا يفيد شيئاً في معاقبة اليهود الذين يقتحمون الأقصى حتى لو افترضنا جدلاً أن الأردن يسيطر على الغرفة التي تتحكم بتلك الكاميرات. على العكس، لقد ثبت أن «هبّة السكين» هي التي أجبرت الكيان على السماح بالصلاة في الأقصى، وهي التي دفعت الحاخامات لإصدار بيان كفّ طلب عن الأقصى، ولم يأتِ مثل ذلك التنازل الصهيوني استرضاءً للمفرطين والمتواطئين والمستسلمين.
الأغرب هو حملة القمع الذي باشرتها الأجهزة الأمنية الأردنية ضد اعتصام جماعة الكالوتي «جك» المستمر منذ خمس سنوات ونيّف في أقرب نقطة كان يمكن الوصول إليها من السفارة الصهيونية في عمان من دون صدام مع الأجهزة الأمنية، أو هكذا كنا نظنّ على الأقل. وقد ترافقت هذه الحملة مع الأحداث المتصاعدة في فلسطين، مما يثير التعجب حقاً! وابتدأت بإنذار وجِّه لجمعية مناهضة الصهيونية في الأردن باعتبار الاعتصام السلمي الحضاري المستمر منذ سنوات اعتصاماً غير مشروع. وبدأت الاستدعاءات الأمنية بحق عدد من المشاركين في الاعتصام، وتعرُّض أحدهم لاعتقال دام أسبوعين في أقبية المخابرات ترافق مع تعذيب يذكّر بحقبة الأحكام العرفية، وتم الاعتداء على آخر بالهراوات، وهو لا يزال يقبع بالسجن منذ أسبوعين، وتمّ فضّ اعتصام «جك» رقم 291 و292 بالقوة، حيث اعتقل بعض المشاركين وتم الإفراج عنهم في الاعتصام 291، وتم ضرب المشاركين والمشاركات ضرباً مبرحاً في اعتصام «جك» رقم 292، ولو كان النظام يمتلك حداً أدنى من الحكمة السياسية، لما أقدم على مثل هذه الخطوات التي يسيء بها لنفسه في خضم الهبة الشعبية المتصاعدة في فلسطين، ولو كان يمتلك حداً أكثر بقليل من الدهاء، لسمح لمعتصمي «جك» أن يسيروا عشر خطوات باتجاه السفارة الصهيونية في عمان ليوصل رسالة ما للصهاينة. لكن الجاهل عدوّ نفسه، أم أننا نتعامل مع العدو الصهيوني نفسه يا تُرى؟!