حرب «سنية ـ شيعية» أم حرب وجود؟
د. حسام الدين خلاصي
منذ بداية الحرب على المنطقة وتحديداً سورية كانت الهتافات ضدّ حزب الله، ولم تكن التظاهرات تتعدّى حدود الأرياف لمدن سورية صغيرة وبأعداد قليلة للمتظاهرين، كان يُراد منذ البداية إطلاق هذه الرسالة وتحطيم صورة حزب الله المقاوم والذي أجمع السوريون على حبّه وأيدوه في حرب 2006، وكان هذا يغيظ العدو الصهيوني وهو يرى شعباً بكامله يناصر حزب الله في دولة نهجها العقائدي هو أصلاً ضدّ الكيان الصهيوني، ورويداً رويداً حاول مخططو «الربيع السوري» نزع صفة المقاومة عن حزب الله وصار حزباً كافراً وحزباً رافضياً وشيعياً إلخ… من التسميات البغيضة الغريبة والتي تخدم مستقبل مخطط الفتنة على الأرض السورية والمنطقة.
كان لا بدّ من هذا الاستذكار للبدايات التي أدّت إلى ما نراه الآن على الأرض السورية، ولكي نتعمّق في فكرة «الحرب السنية ـ الشيعية» التي تمّ التحضير لها والتي يستمرّ المخططون لها بالعمل بقوة من أجلها خدمة لقيام دولة «إسرائيل الكبرى»، فهذا المشروع اللعبة تمّ التحضير له في دوائر استخبارات «الموساد» وأعوانه من الولايات المتحدة الأميركية والأوروبية الشمالية والخليج العربي وفي مقدّمه السعودية وقطر.
لقد سعت منظومة الدول المعادية للمحور السوري المقاوم إلى ضخ كلّ قوى الإرهاب المتطرف والمتدرّب والمتخرّج من عباءة «القاعدة» و»الإخوان المسلمين» إلى الأراضي السورية عبر تلميحات طائفية ومذهبية تتعلق بالنظام السوري، وذلك لاستجلاب كلّ العصابات الإرهابية إلى الأراضي السورية عبر ماكينة إعلامية ضخمة، ولأنّ الدولة السورية صمدت كان لا بدّ من الاستعجال بولادة «دولة الخلافة الإسلامية» في أرض العراق، ومن ثم انتقلت عاصمتها لتصبح في الرقة ولينشأ بعدها على الأرض السورية كلّ أنواع «الجهاد الاسلامي المتطرف» من «نصرة» وغيرها وفصائل إسلامية باتت تذوب وتنصهر في «دولة الخلافة» لضعف قوتها أمام قوة «داعش».
«داعش» التي جرت تهيئته لأن يبتلع النظام والدولة والمنطقة ويمهّد لانفجار طائفي بغيض ينظر في هدفه الاستراتيجي إلى إيران ومن ثم روسيا، ولكن هذا لم يحصل وصمد الجيش العربي السوري وتوسّعت الحرب ودخل الأشقاء في المقاومة اللبنانية الحرب، وهذا أدّى إلى القضاء على حلفاء «داعش» وعلى «داعش» نفسه في كثير من المناطق الحيوية في سورية، وبخاصة العاصمة دمشق وحمص وبعدها إلى حلب والجنوب السوري، هذا الوجود لحزب الله أعطى مادة إعلامية جديدة لمروّجي فكرة «الصراع السني ـ الشيعي» بأنه بات حقيقة، ولكن الانتصارات والإنجازات قلصت من ردّ الفعل الوهابي، ولفتت النظر إلى الانتصار المشترك السوري اللبناني، ولأنّ صعوبة وصول «داعش» إلى تلك المناطق باتت محتومة، صارت الأنظار تتطلع إلى جبهات أخرى، فالتسلل من حدود الجولان المحتلّ بمساعدة الصهاينة، وكذلك الجبهات من جهة نظام أردوغان، يعطي فرصاً أكبر لدخول القوات الداعشية لتحتشد بصورة أكبر لتهضم مساحات أكبر من الأراضي السورية وتمكن لـ»داعش» الظروف لإقامة دولته المزعومة بتسليح دائم، وهنا بدأ الخطر يلوح في الأفق، حيث الأميركيون والصهاينة ماضون في دعم هذا المدّ التكفيري، رغم ادّعاء الولايات وفرنسا وبريطانيا وتركيا بأنهم يحاربون «داعش» لأنهم اعتقدوا أنهم اقتربوا من إفشال الدولة السورية بخطوة اعتقدوها أخيرة عبر أزمة المهاجرين واللاجئين، وعندها يطيب لهم افتعال نزاعات طائفية في أرض العراق وسورية، لتأكل الأخضر واليابس ولتأتي الولايات كالمخلص، وهنا برز الدور الروسي في التوقيت المناسب وحضر في خطوة صادمة إلى المنطقة بعتاد عسكري كامل وفي إحراج كامل للكذبة الأميركية والأوروبية والخليجية وفي مدّ البساط السياسي الكامل لكلّ أنواع التسهيلات من عيار التفاوض مع المعارضة المسلحة أو ما يُسمّى الجيش الحرّ والذي ثبت أن لا وجود له في بنك المعلومات الأميركي والذي يمتاز فقط بناطق رسمي ليس أكثر أو من عيار انتخابات نيابية مبكرة أو من حكومة مشتركة مع المعارضة وتشكيل لجان انتخابية وغير ذلك من التسهيلات التي قدّمت للمجتمع الدولي لتعبّر عن مرونة الموقف الرسمي السوري، شرط القضاء على الإرهاب الدولي على أرض سورية، كلّ تلك التسهيلات قوبلت بالرفض والمقاطعة والاستهتار، والسبب يكمن في أنّ الغرب وفي فيينا وبصحبة السعودية وتركيا الوكيلان الرسميان لدولة صهيون أعلنا أنهما غير مكترثين بإنهاء الأزمة والحرب في سورية وأنهما فقط معنيان بإسقاط الرئيس الأسد، وأنّ ما يحصل في سورية هو برغبة الشعب السوري، ولكن وراء كلّ ذلك تقف رغبة «إسرائيلية» صهيونية في أن تكون الأيام المقبلة هي أيام حرب سنية شيعية وفقاً لتلمودهم ووفقاً لأطماعهم الاقتصادية والعسكرية ابتداء بتحطيم الدولة الصاعدة إيران ومن تدعمه إيران.
إنّ كلّ ذلك يثبته الخطاب الطائفي الآتي من الحرمين ملوكاً ومشايخ وإعلاماً خليجياً مأجوراً، رغم أنّ إيران وقفت على مسافة من التدخل في سورية كي لا يُنسب إليها أيّ تدخل عسكري مباشر، وأوكلت المهمة إلى الروس بالتدخل العسكري بالتنسيق معهم تفادياً لزجّ اسم إيران في الصراع، وبالتالي تحقيق أمنيات «إسرائيل» والصهيونية العالمية للترويج عبر دويلات الخليج بأنّ الشيعة قدِموا ليقاتلوا السنة، هذا لم يؤخر صانعي الفتنة والحرب السنية الشيعية من آل سعود وقطر وتركيا في الاستمرار في قرع طبول الحرب عبر التحرّش الإجرامي بإيران في حادثتي مقتل الحجاج الإيرانيين وقرار إعدام الشيخ النمر.
وبعد استماعنا إلى خطاب السيد حسن نصرالله في يوم العاشر من محرّم، وحديثه عن هذا المخطط حرب سنية شيعية والذي سكت عنه الكثير من سياسيّي العالم العربي، ونبّه إلى أنه لم يتوقف، ولذلك فهو والمقاومة على استعداد تامّ للمواجهة، وفي هذا رسالة إيرانية سورية واضحة إلى أنّ كثرة الضغط تولد الانفجار، والعواقب لن تكون حميدة ولا شك، ولكن إنْ كان لا بدّ من حرب فلتكن الحرب ولكنها هذه المرة ووفق توقّعي بدلاً من أن تكون سنية شيعية ستكون حرب وجود مع الكيان الصهيوني الغاصب، إذ لا جدوى من حرب الوكلاء وقد لا تكون حرباً نهائية أو حرب تحرير، ولكنها ستضع حداً للمهزلة العالمية في استضعاف الدول، وللتنبّؤ سيكون الروس شركاء في الحرب على الكيان الصهيوني، لأنه تخطى الحدود الحمر في احترام قوة الدول العظمى وعينه على الإمبراطورية الروسية ليهدمها عبر الوسيط الإسلامي المتطرف. إنها ستكون حرب الوجود… إنْ لم تنته الأمور في سورية بالتفوّق الروسي ـ السوري عسكرياً.