دولة حزب الله ودولة «داعش»

روزانا رمّال

درج في لبنان منذ عقدين من الزمن مصطلح يطاول تنظيم حزب الله او تعبير يحاكي طموحاته أو أهدافه كحزب منظم يملك المال والسلاح وممثل بالسلطة ويمتلك جمهوراً لبنانياً وعربياً كبيراً وهو مصطلح «دولة حزب الله».

لا يتقبّل بعض اللبنانيين فكرة انّ اهداف حزب الله أبعد من طموح الوصول الى السلطة في لبنان، ويعتبرونها مبالغة، هؤلاء هم تحديداً فريق 14 آذار الذي يرفض أن يأخذ نيات الحزب بهذه «الطوباوية»، فيقول إنّ هدف حزب الله اساساً هو التفوّق على الدولة والخروج عن قوانينها والتعدي عليها في الاستحقاقات المصيرية عبر ارتجاله وإقدامه على التصرّف من دون الرجوع إليها، كحروبه التي خاضها مع «إسرائيل»، ويبنون على هذا كله انه عندما تسمح الظروف له سيقوم ببناء دولة، والبعض يقول كلا… حزب الله اقتنع باستحالة ان يبني «دولة اسلامية شيعية» خاصة به في لبنان، لذلك انكفأ وغضّ النظر عن هذا المشروع…

وفضلاً عن توضيحات حزب الله أمر «دولته» اذا صحّ وجودها في «النوايا»، بعض الحزبيين قالوا فيها إنها كانت يوماً ما «موجودة» منذ أكثر من عشرين سنة، وكانت هدفاً ما لبث ان اضمحلّ تماماً بسبب الواقع اللبناني والمعرفة المسبقة باستحالة تغيير أي شيء من الواقع اللبناني والنسيج اللبناني والهوية اللبنانية المتعددة دينياً وطائفياً، وهي التي تشكل غنى أصبح حزب الله الأكثر حرصاً عليها، وأثبت ذلك مع الأيام بنسجه تحالفات سياسية مع أحزاب متعدّدة، سواء الأحزاب الوطنية والقومية، او الأحزاب والتيارات التي تمثل مذاهب معينة، لا سيما إنجازه التحالف مع التيار الوطني الحر، الأمر الذي من شأنه أن يسقط أي حديث عن النيات طالما أن الواقع يؤكد العكس.

حارب اللبنانيون خصوم حزب الله وما زالوا يحاربون وَهْم «دولة» او وَهْم مصطلح يطرحونه كلما أحسّوا بحرج، أو كلما ضاقت بهم السبل التصويب على أي إنجاز من إنجازات الحزب داخلياً لتتعدّى حدود لبنان، فتصير هدفاً بإقامة دولة «تابعة لولاية الفقيه»، وعلى هذا الأساس درات معارك سياسية طاحنة في لبنان اشتدّت بعد حرب تموز 2006، وكان أخطرها اشتباكات 7 ايار عام 2008، حيث برز على الساحة اللبنانية فجأة لبنانيون متطرفون ومرتزقة أجانب غفل عن البعض أنّ لبنان أول بلد عربي واجه الإرهابيين في شوارعه، وتقاتل أبناؤه في ما بينهم يومها بإيعاز ودعم خارجيين كان يهدف الى بث الفرقة بين الأفرقاء بعدما تمّ تحريض فئة لا بأس بها من الشباب على قتال حزب الله وحلفائه بخلفية طائفية تصبّ كلها في خانة استهداف الحزب الذي يتبنى إنشاء «دولة ولاية الفقيه في لبنان» على حدّ زعمهم أو اقتناعهم.

امّا اليوم فنفس المنظرين اللبنانيين والمتخوّفين من دولة حزب الله يتراءى أمامهم اسم دولة أخرى تهدّد لبنان واللبنانيين هي «دولة داعش الإرهابية بامتياز»، حيث لا هم ولا حلفاؤهم العرب أو الغربيون يستطيعون إنكار إرهاب هذا التنظيم وخطورته، خصوصاً بعدما دخل العراق في ما يشبه الصدمة وعاث فساداً و قتلاً بالمواطنين العراقيين…

«داعش» هذه تسعى الى تكوين دولة في الشام ولبنان ضمنها حكماً بواقع الجغرافيا، وهي تحاول توتير البلد منذ سنة وأكثر، وليس آخرها تفجير ضهر البيدر، وما كان محضّراً من أعمال إرهابية تستهدف رئيس مجلس النواب اللبناني وغيره من المسؤولين ضمن سلسلة تستهدف لبنان… وصلت داعش إلى العراق وبعدها ربما تتقدم نحو الأردن وبعدها الكويت أي الخليج وفق ما تعلنه مجموعاتها على شبكات التواصل الاجتماعي… والكلّ مذهول طبعاً ولا يستطيع كبح جماح عقيدة وفتاوى تجتاح المتطرفين والمقاتلين في التنظيم التابع للقاعدة وهو أخطر وأكثر تنظيماته دقة.

الكلّ مذهول عدا حزب الله الذي قاتلهم قبل ان يتغلغلوا في المجتمع اللبناني، فجاءت توضيحاته الأساسية على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله الذي قال إنّ تدخل الحزب في سورية ساهم في منع انتشار تنظيم داعش على الاراضي اللبنانية، مؤكداً انه لو لم يتدخل الحزب بالوقت المناسب لكانت داعش في بيروت…

من هنا تكثر التساؤلات وعلامات التعجّب من بعض اللبنانيين الذين اعتبروا أنفسهم ضالعين بالشأن العراقي أكثر من العراقيين أنفسهم فباتت تصريحاتهم الصحافية عن العراق والمالكي وداعش أشبه بتصريحاتهم وحدّتهم تجاه حزب الله والسيد نصر الله والرئيس الأسد، هذا ما أكدت عليه أحد تصريحات النواب العكاريين لدى سؤاله عما يجري في العراق، حيث استرسل بالدفاع عن حقوق الشعب العراقي بانفعال الحريص قائلاً: «انظروا الى المالكي هو نفسه من ضمن مشروع ولاية الفقيه، وقد عزل السنّة من الحكم وهو من أوصل الأمور الى هنا، وكأنّ هذا النائب نسيَ داعش وإرهابها وتوقف عند حزب الله وايران… وكأنّ بعض اللبنانيين أيضاً انتعشت آمالهم بعدما انتصر الأسد والمالكي بالانتخابات وشعورهم بالإحباط والفشل ما عزز وزاد من مخاطر ان يؤسّس في لبنان او ربما تأسست فيه حاضنة من «سياسيين» هذه المرة تغطي أعمالهم وتساهم بتسهيل مرور مالهم وأعمالهم في لبنان، كلّ هذا لمواجهة حزب الله وكأنّ التحالف مع الشيطان مشروع في مواجهة حزب الله وحلفائه.

يتوهّم هؤلاء بأنّ داعش وليدة اليوم أو وليدة ضغوط شأنها شأن الثورات التي نشأت في زمن الربيع الأسود الذي ظلّل المنطقة إلا ان الحقيقة انّ حلم «دولة داعش» حلم يتخطى أي زمن او هدف او كرسي من هنا او هناك… وعليه فإذا كان السؤال الأساس لماذا لا يقف خصوم حزب الله في مواجهة دولة داعش تماماً كما وقفوا ضدّ الحزب في مواجهة ما بقي «وهماً» او «هاجساً» من دولة لحزب الله، فإنّ الجواب الأوضح اليوم والذي اثبتته تحركات داعش في البلاد هو أنّ «بعض اللبنانيين لهم يد أساس في تسهيل حركة الداعشيين وهم على تواصل معهم بهدف إرباك حزب الله في الداخل وهزمه تماماً كما كان التعاون مسبقاً مع تنظيمات أخرى من القاعدة بين كتائب عبدالله العزام وجبهة النصرة وغيرهما وقد أثبتت التحقيقات تورّط بعض اللبنانيين بدعمهم… وعليه…

بين دولة داعش ودولة حزب الله… يتقصّد خصوم حزب الله جهاراً مواجهته على مواجهة تنظيماً ارهابياً كداعش ووضع اللوم على حزب الله وحلفائه الإقليميين ما يعكس خطورة الوضع والانقسام المذهبي الذي انتقل الى لبنان من دون حاجة الى مسايرة أو مبالغة بقول العكس وإلا لوقف الجميع في وجه داعش «فعلاً» و«قولاً» و«نوايا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى