خليل لـ«البناء»: لا خوف على مستقبل ينمو فيه الأطفال على حبّ الوطن
رانيا مشوّح
منذ سنوات، والحرب تلقي بظلالها على معاني الحياة في سورية. ولعلّ أوّل ما طاولته عتمة الحرب، قلوب تنبض بالدفء والحياة. الطفولة ببراعمها الليّنة وقوّة الإيمان، جعلت من الطفولة قوّة إضافية لمواجهة الفكر الظلاميّ، وأنبتت سنابل صغيرة لن تحني رؤوسها، واثقة بمستقبل مثمر في وطن آمن. ومن هذا المنطلق، ولمناسبة «يوم الطفل العربي»، آثرت وزارة الثقافة السورية ـ مديرية ثقافة الطفل، وبرعاية الوزير عصام خليل، أن تحتفل بالمناسبة من محافظة درعا التي حاول أعداء سورية الاتكاء على أطفالها في تفجير شرارة الحرب على سورية.
ففي «صالة البعث» في مقر حزب البعث العربي الاشتراكي، كانت رسالة الردّ بعد خمس سنوات، عبر احتفالية «السنابل تثمر من جديد»، تخلّلتها ورش رسم جماعية وفقرات موسيقية وتمثيلية، إضافة إلى فقرات فنون شعبية، كتحية للجيش السوري.
حضر الاحتفالية وزير الثقافة ومحافظ درعا وقائد الشرطة وأمين فرع حزب البعث العربي الاشتراكي، وأعضاء مجلس الشعب.
خليل
وقال خليل: أن يأتي وزير الثقافة إلى هنا، فهذا واجبه ولا شكر على واجب. إنما كل الشكر لجيشنا السوري الباسل الذي لولاه لما اجتمعنا هنا ولا أقمنا هذه الفعالية على هذا المسرح النوعيّ. فلهؤلاء الواقفين الذين سمحوا للعيد أن يأتي إلى أطفالنا، الواقفين على تخوم الموت يبتكرون من دمهم ممراً آمناً للعيد حتى لا يغيب عن الصغار، للحاملين دماءهم قرباناً لغمّازات أطفال تتفتح بابتسامتهم براعم جلنار، لهم السلام وعلى سواعدهم ستتكئ السماء كي يقوم الضوء ممشوق النهار. ويستوقفنا هنا قول الجواهري: «شعب دعائمه الجماجم والدم تتحطم الدنيا ولا يتحطّم». فهذه هي درعا، هذه هي حوران، هذه بلادنا وأرضنا وسنابلنا، وتاريخنا الذي تسارعت فيه الأحداث وتبدلت فيه الملامح، لكنّ أمراً وحيداً بقي مستمرّاً منذ نشأة الإنسان هنا وحتى هذه اللحظة، أنّ سورية لن تضيّع أبداً بوصلة العدوان، ولن تضيّع أبداً جذور الشقيق، فهي هذه الأرض المقدّسة، وعدوّها الأوحد العدو الصهيوني ومن يدعمه من هذه العصابات المارقة. لن تضيّع أبداً حوران النبيلة العظيمة الوفية التي كنت آتي إليها وتسلمني الحقول خضرة لخضرة حتى أصل إلى هذه الجبال المعمّمة بالكبر والمدّ.
وأضاف: نحن ندرك أن معركتنا مع الإرهاب هي معركة الحياة ضدّ الموت، ومعركة الشمس ضدّ الظلام. ولأننا أصحاب الحق، ولأننا الذين ننتمي بكل مكوّناتنا إلى الضوء، سوف ننتصر في هذه المواجهة، وقد بدأت بشائر النصر من حوران. أرادوا لهذه المحافظة الباسلة أن تتقدّم إلى العالم على غير حقيقتها، واليوم شهدنا هذه الحقائق بهذه السنابل الواعدة، عندما يكون أطفالنا بهذا الألق، بهذا الوعي، بهذا النضوج، فإن غداً لنا ولا يمكن أن يكون لغيرنا. وأعدكم أننا قريباً سنحتفل في مدرج بصرى، ولأنني أتابع وأدرك وأعرف كما الجميع أن مرحلة جديدة بدأت في مواجهة الإرهاب بعدما أجهضت كل أدوات الاغتراب وأدوات القتل وأدوات الموت القادم من دول التآمر، ولم يبق سوى أن يقول جيشنا المقدّس كلمته الفيصل. ونحن إذ نثني على الدور الذي تقوم به القوات الروسية الصديقة وما قدّمته إيران الصديقة من مساعدات، وما قدّمه حزب الله من مساعدات، يجب أن ندرك أن من أسّس وصنع وسوف يكلّل سورية بالنصر، هو الجيش السوري، الجيش الذي أسّس لهذا النصر بإيمانه وانتمائه إلى هذه الأرض المقدّسة، وبوحدته وتماسكه وبثقافة الاستشهاد والبذل والتضحية التي تعلّمها في مدرسة القائد الخالد حافظ الأسد، والتي أثمرت مواقف نوعية واستبسالاً مؤسساً على ثقة عمياء ومطلقة أثبتتها التجارب، وأنتجتها المِحن المتلاحقة التي واجهتها سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد.
كثيرة هي الاختبارات التي مررنا بها، والتي أثبتت سورية دائماً أن موقف الرئيس متّسم بالعمق وبُعد النظر والقدرة على استشفاف الآفاق ومواجهتها. نحن مطمئنون أن هذه السنابل الصغيرة ستتحول كلّ واحدةن منها إلى سنديانة خضراء تزهر ظلّاً وفيئاً على مساحة الوطن كله.
وعن الفعالية قال خليل لـ«البناء»: تعلمنا من هذه الفعالية أن لا خوف على مستقبل ينمو فيه الأطفال على هذه المبادئ والأسس والقيم التي طالعتنا في لوحاتهم ورسوماتهم وغنائهم وفرحهم. تستحق هذه المحافظة النبيلة كل الاهتمام، ويستحق القائمون على هذا العمل كل الشكر والتقدير لأنهم أتاحوا لنا رؤية هذا الداخل النبيل للأطفال الذين قدّموا مشاهد مدهشة بغناها وتنوّعها. ونأمل أننا في وقت ليس بعيداً أبداً، سنحتفل مع أهالي محافظة درعا بحفل النصر في مدرج بصرى.
العتمة
وفي كلمته، قال أمين فرع درعا لحزب البعث العربي الاشتراكي كمال يحيى العتمة: أخذوا البسمة من شفاه أطفالنا وحرّفوا تفكيرهم عن الحبّ والفرح والابتسامة، وعلّموهم الحقد والقتل وحمل السلاح والذبح وتقطيع الأوصال. هذا ما أتى به الإرهابيون إلى هذا الوطن. لن يطغى على عطاءات حزب البعث ومنظماته من طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة وهو ما تُربّي عليه سورية أبناءها وهؤلاء هم أطفال سورية.
الهنوس
وأكد محافظ درعا محمد خالد الهنوس أن سورية خرجت من حرب استهدفت أطفالها ونساءها وبيوتها منتصرة. وأضاف: اليوم، هذا انتصار آخر في حوران. ونحن بحاجة إلى هذا الفرح وهذه الابتسامة. كفانا دماً، سنقاتل التكفيريين ولن يبقى مسلّح واحد ولا تكفيري واحد على أرض حوران، من الجميل أن نرى هذه الفعالية، وهذا الجيل الصاعد. فإذا تعلم هذا الجيل كل ما هو صحيح، فلا خوف على الوطن. نحتفل اليوم بعيد الطفل العربي، للطفل العربي حقوق، وسورية هي الدولة العربية الأولى التي تحتفل بهذا العيد.
فلاح
وقال عدنان فلاح مدير ثقافة درعا لـ«البناء»: هنا انهزم كلّ الغزاة الطامعين من اليرموك إلى حطين إلى تشرين التصحيح والتحرير. واليوم لا مجال لعملية ترسيم حدود بين الثقافة والسياسة. لأن سياسة من دون فكر وثقافة لا تكون. فبقدر ما تتقدم الثقافة تستقيم السياسة. انطلاقاً من هذه الحقيقة، لا بدّ لنا كأفراد ومؤسسات ومنظمات، من إعادة الاعتبار لأهمية الثقافة في مشروعنا النهضوي والوطني. لذلك نحن بحاجة ملحّة إلى وضع ستراتيجية ثقافية جديدة تعالج هذا التراجع وتعزّز ثوابت العمل الوطني وتواجه كل التحديات وتعمل على صناعة رأي عام ثقافي سياسي يتحول إلى فعل إيجابي حقيقي مؤثر في المجتمع والناس، ويحجز مساحة في العقل والسلوك. وهذا لا يتحقق إلا من خلال أداء ثقافي استثنائي ومميز مختلف عن السابق وهذا الأداء لا يتعلق بالمؤسسات الثقافية فقط، إنما يرتبط بكل مؤسسات الدولة ومنظماتها. لذلك جاءت هذه الفعالية ضمن هذا التوجه العام لوزارة الثقافة، كي تعيد الحياة من جديد إلى الروح والجسد الثقافيين، لترسم البسمة والفرحة على شفاه أطفالنا لنبعث رسالة قوية للآخر بأن إرادة الحياة ستنتصر وأن ثقافة الظلام والخوف ستهزم، والبوابة العريضة لتحقيق ذلك تتمثل ببناء ثقافة الطفل العربي الذي يحقق مستقبل هذه الأمةز ونحن مدعوون جميعاً إلى تعزيز بناء هذه الثقافة المستندة أساساً إلى حقوق الطفل في الحياة والعلم والمعرفة واللعب والرعاية الصحية والخيال والأحلام والأدب والفن، وحقّه أن يعيش حرّاً، يحيى طفولته بكل معانيها الإنسانية والحضارية.
حمدان
كما تحدث إلى «البناء»، خضر حمدان، مدرّس التربية الفنية وأحد منظمي الفعالية، وذلك عن مشاركتهم مع الأطفال، وعن التدريبات التي تلقاها هؤلاء الأطفال، المرفقة بالدعم النفسي لإعادة تشكيل خيالهم ضمن بيئة بعيدة عن ثقافة الدم والنار. فقال: قسّمنا الأطفال ضمن ورش الباستيل والمائي والرسم على القماش التي تعلّمهم ثقافة الجرأة مع اللون، وتختلف عمّا تعلموه في المدارس. وشارك في ورش الرسم خمسون طفلاً تقريباً. نحن ندرك المعاناة التي عاشها الطفل في هذه المحافظة خصوصاً، وفي سورية عموماً، لذلك كنّا معهم عمداً في هذه الاحتفالية لمساعدتهم في تخطّي هذه المحنة. ورأينا سابقاً كيف كان الطفل يرسم دبابات وطائرات، لذلك نحن نساهم في إعادة مخيلته من خلال استخدام الألوان الفرحة الأقرب إليه، ليفرّغ طاقاته بما هو مفيد له وللوطن.
جريس
وتحدّث إلى «البناء» أيضاً، القائد العام لمراسم القديس جويرجيوس في مدينة إزرع، أسامة زياد جريس، فقال: خلال سنوات الحرب، توقفت جميع الاحتفاليات والأنشطة الكنسية بتعليمات من البطريرك. ولكن بعدما أصبح الوضع أفضل بهمّة جيشنا السوري، استأنفنا نشاطاتنا الدينية والمجتمعية باحتفالية في عيد الشهداء وعيد الصليب وعيد السيدة، واليوم نحن هنا لمناسبة عيد الطفل العربي الثالث عشر، لنقدّم معزوفات وأناشيد وطنية، ولننشر الفرح.
الاحتفالية
تضمّنت الاحتفالية ورش رسم جماعية على لوحات قماشية بمشاركة الأطفال واليافعين على مدى ثلاثة أيام، وفقرات موسيقية لكورال فرع اتحاد شبيبة الثورة وفرقة كشاف مدينة إزرع، وفقرة فنون شعبية بعنوان «أم الحصايد» لفرع طلائع البعث، وفقرات فنية وفلكلوراً شعبياً لفرقة «أطفال سنابل حوران»، وفقرة تمثيلية تحية للجيش السوري.
وقدّمت الشاعرة رحاب رمضان قصيدة بعنوان «طفولة»، وألقى الطفل صلاح لطيف قصيدة بعنوان «سامحني يا وطن»، كما قدّمت الفرق المشارِكة لوحات بانورامية بعناوين: «صباح الخير سورية»، «حامي الحمى يا جيشنا السوري»، «قائد صامد ما بينهزّ»، و«وطني».