ماذا جرى حتى هدأت السعودية؟
ناصر قنديل
– قبل اجتماع فيينا كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يرعد ويزبد ويعقد مؤتمراً صحافياً يوم الأربعاء الماضي مع نظيره البريطاني فيليب هاموند، ويقول للصحافيين إنّ اجتماع فيينا سيكون آخر فرصة لاختبار نيات الإيرانيين والروس والوصول إلى موعد محدّد لرحيل الرئيس السوري، وإنه ما لم يتحقق ذلك بالتوصل إلى موعد محدّد لهذا الرحيل، فلن تحضر بلاده اجتماعات لاحقة، وستلجأ إلى وسائل وطرق أخرى. وبعد أن انتهى اجتماع فيينا تحدّث الجبير باقتضاب من دون إسهاب اعتاد عليه منه الصحافيون، فقال تمّ الاتفاق على تأجيل قضايا الخلاف إلى اجتماع مقبل يحدّد موعده لاحقاً، فماذا عدا مما بدا حتى حلّ الهدوء على الجبير ونزلت عليه ملائكة العقل؟
– ذهب السعوديون إلى فيينا للمرة الأولى وهم يعلمون أنّ سيف العسكر الروسي صار عاملاً حاسماً في تقرير مستقبل الميدان في سورية، وأنّ الأمر ليس بحجم القدرة النارية الروسية التي توفرت للجيش السوري وحلفائه فقط، ولا بدقة تصويبها والتحقق من نتائج التعامل مع أهدافها وفقاً لمنظومة أقمار صناعية واستخبارات تقنية متشابكة ومتقدّمة ومعقّدة متصلة بقاعدة رصد ومسح للفضاء الكوني في سيبيريا، وأنه على أهمية كلّ ذلك في فرض إيقاع جديد للحرب في سورية، إلا أنّ الأهمّ هو أنه من يقف وراء ذلك هي دولة عظمى اسمها روسيا، يسقف وجودها حركة ما عداها وفقاً لمبدأ أنّ الدول العظمى لا تضع أقدامها قبالة بعض فوق الأرض ذاتها مباشرة، وأنّ حلفاء الدول العظمى يُمنع عليهم أن يفعلوا ما تمتنع عنه الدول العظمى. وهذا يعني أن لا أميركا ولا حلف الأطلسي عاد ممكناً الرهان على وجودهم البري ولا تمركز قواعد لهم في سورية أو على حدودها بما يمثل تحدياً للحضور الروسي، وأن ليس بمستطاع «إسرائيل» ولا السعودية ولا تركيا ولا سواهم أن يفعل ذلك، وأنّ خيار النصر على الإرهاب صار يعادل معنويات الدولة العظمى روسيا، وانّ إفشالها بالطرق غير المباشرة على طريقة أفغانستان أيام دخول الجيش الأحمر السوفياتي، غير ممكن ليس فقط بسبب تغيّر واختلاف البيئة الحاضنة والجيش الحليف وتبلور الخصم كتشكيل إرهابي صرف وليس كقوة وطنية مقاومة لغزو أجنبي، بل أيضاً لأنّ انسحاب روسيا وإيران من الحرب على الإرهاب بعد هزيمة أمامه، يعنيان بالنسبة إلى الغرب، بدء الهجوم المعاكس لهذا الإرهاب لإسقاط أوروبا بعد إتمام السيطرة على سورية والعراق، فكيف إذا كان سبب هذه الهزيمة دعم وإسناد حليف للغرب هو السعودية يجري تقديمه لهذا الإرهاب بداعي العناد والعنجهية؟ وكيف إذا كانت هذه الهزيمة التي توعّدت بها السعودية روسيا ستعني زحفاً داعشياً نحو السعودية نفسها، بدأت ملامحه مع خطر هزيمة الإرهاب، وليس روسيا، بانتقال المجموعات التائهة من هزيمة الأنبار نحو الحدود مع السعودية في منطقة الرطبة بدلاً من الفرار إلى الموصل؟
– الذي جرى في فيينا أنّ السعودية تبلّغت من الأميركيّين والأوروبيّين، أنّ الاعتراضات على العناوين الخلافية مع روسيا وإيران حول سورية، لا تعادل المخاطرة بخسارة الحرب على الإرهاب بالنسبة للغرب، وأنّ الطريق التفاوضي هو الطريق الوحيد المتاح مع روسيا وإيران، من موقع مشترك اسمه الفوز بالحرب على الإرهاب، وأنّ الطريق الموازي هو التنافس مع روسيا وإيران في صناعة هذا النصر، وأنّ شكل التدخل الممكن الوحيد للغرب وحلفائه هو، تدعيم مجموعات من المعارضة مستعدّة للمشاركة في الحرب على «داعش»، وتحقيق السبق على روسيا وإيران والجيش السوري في بلوغ مناطق سيطرة «داعش»، قبل أن تُنهي روسيا وحلفاؤها وضع شمال سورية وجنوبها، حيث تسيطر «جبهة النصرة»، وتتفرّغ لمناطق سيطرة «داعش»، فتقاسم الجغرافيا التي تحتلها «داعش» و«النصرة» بين الجيش السوري ومجموعات المعارضة المدعومة من الغرب وحلفائه، سيتيح تحسين شروط التفاوض.
– الذي جرى في فيينا أنّ أميركا بعد جهد جهيد، قالت بلسان الرئيس باراك أوباما، نظراً لأهمية القرار وتاريخيته، إنها ستشارك لتحقيق هذا الهدف بقوات برية، قوامها عشرون مقاتلاً، لرعاية هذه العملية التاريخية النوعية، وأنّ وزير الخارجية جون كيري قال، بحضور نظيره الروسي سيرغي لافروف، إنّ خلافات واشنطن وموسكو لا تمنع الاتفاق على مواصلة عملية سياسية تنتهي بترك الأمر للسوريين ليقرّروا مصير الرئاسة السورية، ففهم الجبير أنّ عليه أن يتأدّب ويقرأ الرسالة.