«تشريعُ الضرورة» ضروريٌّ تسريعُه… وإلاّ؟

د. عصام نعمان

لبنان في حال فراغ «رسمي»، بمعنى سلطوي:

– منذ 24 أيار 2014 شغرت سدّة رئاسة الجمهورية بِانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ولم يتمكّن مجلس النواب من انتخاب رئيس بديل رغم دعوته ثلاثين مرة لعقد جلسة مخصصة لهذه الغاية.

– منذ 3 تشرين الثاني 2014 لم ينعقد مجلس النواب، لا في جلسة عامة ولا في جلسة استثنائية لممارسة مهامه التشريعية، ولا في جلسة مكتملة النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية.

– من 9 تموز ولغايـة 25 آب 2015، ثم من 28 آب ولغاية 28 الشهر الحالي لم ينعقد مجلس الوزراء، والمساعي مستمرة لإقناع بعض الكتل البرلمانية بتعليق مقاطعة وزرائها لاجتماعاته.

– شلل السلطتين التنفيذية والتشريعية انعكس على الإدارات والمؤسسات والمرافق العامة الخدمية فتلاشت فعاليتها أو كادت.

– اقترن شلل الدولة بتفاقم أزمات مزمنة: الكهرباء والماء والنفايات، ناهيك عن تدهور الوضع الاقتصادي – الاجتماعي وتصاعد الدين العام إلى ما يربو على 70 مليار دولار أميركي.

كلّ هذه الأزمات والتحديات لم تحمل أهل النظام السياسي، بكلّ تلاوينه، على إعادة النظر بسياساتهم أو بمعايير أدائهم، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع حراكات شعبية معارضة، كان أبرزها ذلك المتعلّق بالنفايات.

– مع هطول الأمطار تحوّلت شوارع المدن والأحياء وأطرافها أنهاراً تتدفق في مجاريها أطنان النفايات والقاذورات. ولعلّ أبلغ توصيف لانحلال الدولة تحت وطأة كارثة النفايات ما قاله رئيس الحكومة تمام سلام على طاولة الحوار في البرلمان بتاريخ 26 تشرين الاول 2015: «البلد إنْ لم يسقط بالسياسة فسيسقط في النفايات».

إذ تبدو السلطة متهرئة وعاجزة، تنبري مجموعات الحراك الشعبي لمواجهة أزمة النفايات وعجز السلطة بهمّة وتصميم وبفعل ميداني لافت. فقد سارع بعضها، ولا سيما «فرح العطاء» و«طلعت ريحتكم»، إلى الانتقال لمواقع تراكم النفايات وباشر ناشطوها بفرز النفايات وتوضيبها في أكياس ونقلها إلى أماكن مخصصة للتجميع الموقت وذلك للحؤول دون تعفّنها وتسرّب ميكروباتها والأمراض إلى البيئة والمياه الجوفية بل إلى منازل الناس وأماكن العمل.

ولّدت مبادرة مجموعات الحراك الشعبي إعجاباً وتركت أثراً إيجابياً لدى الجمهور، ما حمل أهل السلطة على التحرك من أجل اتخاذ تدابير سريعة لمعالجة أزمة النفايات كما أزمة الإصلاحات السياسية والإدارية المستحقة.

تتركّز مساعي قادة الكتل البرلمانية ومساعديهم في الوقت الحاضر على التوافق على قائمة بمشاريع القوانين البالغة الأهمية التي من شأنها إقناع غالبية النواب بمغادرة موقف المقاطعة والعودة إلى حضور جلسات البرلمان لممارسة «تشريع الضرورة» الذي تفرضه الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد.

يتضح من الاتصالات والمداولات الجارية أنّ ثمة خلافات كثيرة تتعلق بعدد تشريعات الضرورة، وبمضمون أحكامها، وبجدولة طرحها على مجلس النواب، وبمواقيت النظر فيها وإقرارها. هذه الخلافات، من ألفها إلى يائها، تتعلق أولاً وآخراً بمصالح أهل النظام والكتل البرلمانية المتصارعة على السلطة والنفوذ، الأمر الذي أخّر ويؤخر إقرار التشريعات ذات الصلة.

هكذا يتضح أنّ المشكلة الأساسية لا تتمثّل في الاتفاق على مبدأ «تشريع الضرورة»، بل على ممارسته ما يتطلب المبادرة إلى تسريعه بكلّ الوسائل العادية والاستثنائية.

لا يبدو أنّ أهل السلطة وقادة الكتل البرلمانية في وضع سياسي ونفسي يمكّنهم من التوافق على إجراءات «تشريع الضرورة» والانتقال من ترف ترداده إلى موجب تسريعه وإقرار التشريعات المطلوبة. من الواضح أنهم وغيرهم من فاعليات البلاد بحاجة إلى حوافز وفواعل وضغوط تدفع بهم، ربما قسراً، في هذا الاتجاه.

إنّ الاعتراف بهذا الواقع المعقّد وهذه الحاجة الملحّة يقودنا إلى استنتاج عاجل وماثل وهو ضرورة استنفار مجموعات الحراك الشعبي، كما القوى السياسية الإصلاحية المعارضة لأهل السلطة بغية إطلاق حملة جماهيرية واسعة تطرح مطلب إنهاء عهد سلطة العجز التي يمدّد أهلها لأنفسهم فيها، والضغط عليهم بالوسائل المتاحة والاستثنائية كلّها لحمل ممثليهم في مجلس النواب على إقرار قانون للانتخابات على أساس التمثيل النسبي في دائرة وطنية واحدة على مستوى البلاد كلها، وإجراء الانتخابات العامة، تالياً، بالسرعة الممكنة كي يُصار بنتيجتها إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتأليف حكومة وطنية جامعة تتولى، كأولوية أولى، وضع التشريعات الضرورية لتنفيذ أحكام الدستور، ولا سيما المواد 22 و 27 و 95 منه، ليُصار بعد نفاذها إلى انتخاب مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف ومباشرة إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية.

إلى ذلك، لا غلوّ في دعوة قادة القوى الشعبية والسياسية الناهضة بالحملة الجماهيرية المتعاظمة إلى التخطيط مسبقاً لمواجهة احتمال امتناع أهل السلطة ومجلس النواب، لسبب أو لآخر، عن استجابة المطالب الإصلاحية المستحقة والمستعجلَة. المواجهة تكون باللجوء إلى تدابير استثنائية تمليها ظروف استثنائية ليس أقلها إقامة «مجلس وطني للحوار والقرار» يتولى وضع نظام للانتخابات على الأسس المنوّه بها آنفاً وبإجراء الانتخابات وفق أحكامه باستقلال عن أجهزة السلطة الرسمية المعطلة أصلاً أو المشلولة. والأمر الأكيد أنّ أهل سلطة العجز عاجزون قطعاً عن تعطيل إجرائها.

نعم، تجب المبادرة إلى ممارسة هذا التمرين الساطع في الديمقراطية المباشرة ليكون درساً نموذجياً لشعب لبنان ولكلّ شعب يتوق إلى تقرير مصيره وضروريات حياته بنفسه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى