في فيينا… مفاوضات أم كسب للوقت؟
جمال محسن العفلق
انشغل العالم بمؤتمر فيينا الخاص بسورية والذي لم تحضره سورية صاحبة العلاقة، وإن كان حلفاء سورية في المؤتمر، فهذا لا يعوض حضور التمثيل الرسمي السوري، بينما شارك في المؤتمر خصوم الشعب السوري وكأنهم مفوضون عن هذا الشعب في تقرير مصيره. فالمؤتمر تحدّث عن حلّ سياسي في وقت أعلنت الولايات المتحده نيتها إرسال مجموعة قوات خاصة للحرب في سورية، تحت عنوان محاربة الإرهاب، وسبقت ذلك تهديدات عسكرية علنية تتحدث عن حلّ عسكري للأزمة يشبه ما يسمّى عاصفة الصحراء في اليمن. وبين الحل السياسي والتلويح بالحلّ العسكري من قبل أميركا ومن معها، لم تكن مصلحة الشعب السوري على طاولة البحث لديهم كلّ همهم هو إنقاذ العصابات المسلحة وحماية وجود تنظيم «داعش» و»النصرة»، فمنذ عام وأميركا تدّعي أنها تحارب داعش في وقت يشتري منها الحلفاء السلاح والسيارات ويرسلونها لهذا التنظيم لضمان استمراره.
فهل كانت المفاوضات من أجل إيجاد الحل أم أنها لكسب الوقت ومحاولة فرض واقع جديد تحت اسم رفع المعاناة عن الشعب السوري؟
لم تكن الولايات المتحدة في يوم من الأيام ومن خلال الإدارات المتعاقبة صديقة لأي شعب في العالم، ولم تبحث أو تحمي مصالح أحد، إنما كانت دائماً وما زالت تبحث عن مصالحها وكيفية حماية تلك المصالح، والحرب اليوم في سورية هي بتمويل وغطاء أميركي هدفه لم يعد خافياً على أحد، وهو تمزيق المنطقة وإشعالها إلى أجل غير مسمّى، فبنهاية الأمر الحرب ليست على أرض أميركية ولا الضحايا أميركيين، إنما هي حرب بين الأخوه والدافع للفاتورة هو شعوب المنطقة مادياً وبشرياً.
والواضح أن الولايات المتحدة ومن خلال مؤتمر فيينا وإعلان الشروط السابقة نفسها والتي تدعو الى حكومة موسعة وانتخابات وتغيير الدستور وعمل انتخابات تشمل الذين أسمتهم في الشتات من دون التطرق الى اجتثاث الإرهاب وحاربت التنظيمات الإرهابية هو مجرد تضييع للوقت. فأي حكومة وطنية موسعة أو مصغرة ستتمكن من العمل، وبندقية الإرهاب مسلطة على الشعب السوري؟ وأي انتخابات ستكون حقيقية وشفافة تحت التهديد بقطع الرأس أو حرق البيوت وتشريد من يشارك فيها؟
إذا كانت التنظيمات الإرهابية أصلاً لا تعترف بوجود جزء كبير من الشعب السوري، فكيف ستوافق على تنظيم انتخابات يقرر فيها الشعب السوري مصيره؟ هذه العبارة التي تختارها الولايات المتحدة دائماً وكأن اصبح الشعب السوري يحتاج الإذن في تقرير حياته على أرضه؟
وإذا كان مؤتمر فيينا بالفعل من أجل حماية حقوق الشعب السوري، هل سيكون هذا المؤتمر الذي حضر فيه كل أعداء الشعب السوري قادراً على محاسبة من يموّل هذه الحرب وتلك العصابات الإرهابية؟ أم أن المؤتمر سيعلن من ضمن قراراته «عفى الله عمّا مضى»؟
إن تشريد ملايين السوريين واستشهاد أكثر من ربع مليون سوري عدا عن المصابين الذين أخذتهم رصاصات القناصة والعمليات الإرهابية من تفجير سيارات مفخخة وقصف للمدنيين بالهاون… من الذي سيتحمل المسؤولية عنه؟ هل ستكتفي الولايات المتحدة باعتذار يشبه ذلك الاعتذار الذي قدمه كولن باول بعد تدمير العراق، أم ستكون الدول الداعمة للإرهاب هي التي تتكفل بإعادة بناء جزء من الدمار؟
من الواضح أن تحالف العدوان على سورية لم يعجبه دخول روسيا بالحرب مباشرة، ولم تعجبه الأخبار القادمة من سورية عن تقدّم بري للجيش والمقاومة على الأرض، فاختار فيينا لكسب بعض الوقت لجمع العصابات الإرهابية، لعلها تحقق تقدماً ما على إحدى الجبهات الاستراتيجية أو توقف تقدم الجيش السوري ليتمكن من فرض بعض الشروط على المفاوض السوري.
فالميدان هو اللاعب الرئيسي اليوم في هذه المفاوضات وتحقيق أي تقدم للجيش السوري يسهم في كسر الطوق السياسي الذي تريده أميركا. فمن يصدق اليوم أن الشعب السوري سيقبل بما يسمى ائتلاف الدوحة الخائن ممثلاً له؟ ومن سيصدق اليوم أن حركة «الإخوان المسلمين» ذات التاريخ الأسود بحق الشعب السوري يمكن أن يقبلها الشعب السوري لتشارك في الحياة السياسية وتقرر مصير شعب لم يعد لديه ما يخسره؟ فالحرب هي الحرب ولم يعد لدى تحالف العدوان على الشعب السوري ما يفعله إلا إطالة زمن الحرب لمدة قد تطول إلى سنة، وفي النهاية هناك حسابات أخرى ستدخل، منها إنهاك الدول الداعمة مادياً، خصوصاً أنّ نفس الدول التي تقصف اليمن هي التي تدعم الجماعات المسلحة في سورية ومع انخفاض النفط وتراجع النمو بالاقتصاد العالمي لن تستطيع تلك الدول الاستمرار بدعم الإرهاب، وعلى رأس تلك الدول تركيا التي بدأت تعاني داخلياً من انعكاس الحرب على سورية ومشاركتها في تسهيل عبور الإرهابيين من أراضيها الى الأراضي السورية.
إن مؤتمر فيينا وإن كان بموافقة سورية وتفويض لحلفاء الشعب السوري روسيا وإيران، إلا أنّ غياب سورية الرسمي عن هذا المؤتمر يفقده أي معنى ولا يعني الشعب السوري بشيء، فرفع الراية البيضاء هو حلم أعداء سورية وهو الحلم الذي لن يتحقق فأي قرار مهما كان لا يحقق للشعب السوري مطالبة الحقيقية وهي إخراج الإرهاب من سورية ومحاكمة الداعمين له وتصفية الخونه أينما كانوا سيحول الشعب السوري إلى خلايا مقاومة لن تنفع كل القوات الأميركية معها، وليس فقط ما أعلنه البيت الأبيض مجموعةً من القوات الخاصة حقيقة وجودها إذا ما كانت هي لقيادة العصابات المسلحة ضد الشعب السوري وليس لمحاربة داعش.
فهل بعد هذا ينتظر الشعب السوري أن تنتج «فيينا» قرارات لمصلتحه؟ قلنا سابقاً وما زلنا نقول إن جنيف واحد أو جنيف عشرة أو فيينا واحد أو خمسة، هي مؤتمرات لاستعراض القوى وإضاعة الوقت، فالمؤتمر الذي ينتظره الشعب السوري سيكون في دمشق… فعند أهل الشام البداية وعندهم النهاية.