«فندق إمبريال»… بين عملية مدريد واستدعاء الجيش الأحمر

عامر نعيم الياس

عقد الاجتماع الدولي حول سورية في العاصمة النمسوية فيينا في «فندق الإمبريالية». مصطلحٌ لطالما أرخى بظله السيّئ على السوريين الذين أدركوا وهُم في مدارسهم، حجم صراع على وطنهم الذي يشكّل مركز الكون. والإمبريالية بالتعريف «سياسة توسيع السيطرة أو السلطة على الوجود الخارجي بما يعني اكتساب وصيانة الإمبراطوريات. وتكون هذه السيطرة بوجود مناطق داخل تلك الدول أو بالسيطرة عن طريق السياسة أو الاقتصاد»، عند هذه النقطة الأخيرة لا يشترط في الإمبريالية الوجود على الأرض والغزو. لينين، قائد الثورة البلشفية، رأى في الإمبريالية وجوداً أزلياً مرتبطاً برأس المال إذ قال «إن وجود الامبريالية مترابط مع الرأسمالية لأنها تستخدم الدول على أنها أسواق جديدة أو مصادر لمواد أولية».

في ظلال فيينا وفي مشهد الدول المجتمعة والسعي إلى عالم متعدد الأقطاب، نواجه دولاً رأسمالية من حيث العقيدة لا تملك مكاناً في الصراع بينها، وحلم الشيوعية والعدالة في مواجهة الرأسمالية قد غاب بسقوط الاتحاد السوفياتي، وباتت الإمبريالية جزءاً عضوياً من صوغ نظام دولي جديد وستبقى ما بقيت الحياة على هذا الكوكب، بينما تكافح الدول الصغيرة والإقليمية لجعل مقدار السيطرة على قراراتها ووجودها أبعد ما تستطيع عن تغلغل هذه الإمبريالية في كافة مفاصل الدولة. في فيينا نحن أمام محاولة لإعادة صوغ النفوذ الدولي في عالم متعدد الأقطاب بات يفرض نفسه على تفرد الولايات المتحدة بالقرار الدولي منذ تسعينات القرن الماضي، ونحن في مواجهة إعادة صوغ النظام الإقليمي في الشرق الأوسط استناداً إلى نتائج الحرب في سورية وعليها، تلك الحرب التي دفعت موسكو وبكين لاستخدام الفيتو المزدوج أربع مرات متتالية، واستمرت لتدفع الكرملين إلى اتخاذ قرار التدخل الأول خارج حدوده بعد أكثر من عقدين على انسحابه من أفغانستان.

في سياق هذا الاجتماع، نجد أنفسنا في مواجهة تناقضات الحالة السورية التي قسّمت العالم إلى معسكرين، كما نجد أنفسنا معلّقين بين احتمالات الحرب والسلام التي تتوازن في حظوظها وتفرض نفسها على المشهد بشكل كامل بحيث يصبح الاعتماد على الميدان العامل الأكثر أهمية في صوغ الاتفاق النهائي حول سورية، وفي تحديد الجدول الزمني للعملية التفاوضية التي انطلقت في العاصمة النمسوية وبالتالي رسم خريطة المنطقة وخريطة النفوذ العالمي.

لا يمكن أن ننظر للسياسة بغض النظر عن التاريخ، ولا يمكن لهذا العقل الذي يدير اللعبة السياسية الكونية أن يعتمد على الصدفة في إدارة اللعبة الدولية، هنا وإضافةً إلى مكان انعقاد المؤتمر في «Imperial hotel»، فإن لتاريخ 30 تشرين الأول خصوصية ساهمت على الدوام في تحديد وجه سورية وطبيعة علاقاتها خلال السنوات التي تلت هذا اليوم في التاريخ السوري، حتى أن التاريخ يعيد نفسه في ذات تفاصيل المشهد أي عملية السلام واستدعاء التدخل الروسي لحماية البلاد من محاولات الاحتلال والتدمير التي يقودها الغرب، ففي 30 تشرين الأول من عام 1956 وبعد ساعات من بدء العدوان الثلاثي الصهيوني البريطاني الفرنسي على مصر، زار الرئيس السوري شكري القوتلي، رحمه الله، موسكو وطالب علناً «بتدخل الجيش الأحمر لحماية مصر والعرب من إسرائيل». وفي عام 1991 وفي الثلاثين من تشرين الأول عقد اجتماع مدريد الشهير والذي يعرف بعملية السلام برعاية من الاتحاد السوفياتي حينها والولايات المتحدة الأميركية ووجود وفدين تفاوضيين سوري وصهيوني. هذا الاجتماع الذي دشّن بداية مرحلة جديدة في المنطقة وفي العلاقات السورية الدولية، خصوصاً مع الولايات المتحدة، والإقليمية عبر الثلاثي السوري ـ المصري ـ السعودي حينذاك، فضلاً عن صوغ الدور السوري الأوسع إقليمياً منذ نشأة الجمهورية السورية.

الرهان على فيينا كبير، لكنه لا يخرج عن إطار ضمان وجود الجيش الروسي، والتأسيس لمرحلة جديدة من تاريخ سورية تعترف بدولتها ودورها في صوغ المعادلات الإقليمية وقياس مقدار نفوذ الدول العظمى في الشرق الأوسط.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى