أردوغان في جولة الوداع قبل اعتزال السياسة…
سعدالله الخليل
لم يعد أردوغان القائد الأوحد في تركيا ورجل السياسة الفذّ الذي لا يجاريه خصم، هكذا قالت صناديق الانتخابات في الجولة الأولى، ومع هيبة مفقودة لم يعتد عليها سلطان العثمانية الجديدة منذ صعود نجمه عام 2002 دخل وحزبه في جولة الإعادة من الانتخابات التشريعية التركية، وهو ما وضع الجناح التركي لتنظيم «الإخوان المسلمين» في حرج كفيل بخسارته الانتخابات قبل انطلاقها.
يُحسب للأحزاب المعارضة للحرية والعدالة في انتخابات حزيران نجاح مضاعف، ففي الصناديق ولعبة الديمقراطية كسرت خصمها «الإخواني» وقضت على أوهام العودة بتركيا إلى زمان السلاطين بعد أن قطعت في العلمانية والديمقراطية مراحل متقدّمة وضعتها في مصاف الدول المتطوّرة، ولعلّ الإنجاز الأهمّ يتمثل بكسر مهابة الرئيس رجب طيب أردوغان التي يصعب على الصناديق والسياسة استعادتها وهو الإنجاز الأكبر الذي يعي أردوغان مفاعيله جيداً ويدرك صعوبة العودة إلى الساحة السياسية من جديد.
بالرغم من سنوات النفاق السياسي التي انتهجها حزب الحرية والعدالة كامتداد لسياسة المتاجرة في الدين التي اعتادت عليها أذرع تنظيم «الإخوان المسلمين»، فقد أصاب كبد الحقيقية حين أعلن عقب إدلائه بصوته بأنّ تركيا قطعت مسافة طويلة جدّاّ على طريق الديمقراطية، وأنها ستعزز هذه المسافة من خلال الانتخابات النيابية، لكون الانتخابات ستنهي حقبة الدجل السياسي التي انتهجها في التعاطي مع مناصريه قبل خصومه، فالانتخابات السابقة تشهد لأردوغان التراجع عن وعوده الانتخابية والاتكاء على أسلمة الدولة التي اختزلها بحجاب في المؤسسات وآذان يرفع في المساجد، دون أن ينجح في فرض أبسط الشرائع الإسلامية في مؤسسات المجتمع التركي ولعلّ حضور أمينة برفقة أردوغان في إحدى مدارس اسطنبول يذكر بما صرّح به سياسي مصري بعد سنوات من تودّد أردوغان للعالم الإسلامي حين قال «بأنّ المسلمين لم ينالوا من أردوغان سوى حجاب زوجته».
طوال ثلاثة عشر عاماً من وهم السلطنة فشل رجب طيب أردوغان بترويج قناع الإسلام السياسي وأسدلت الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة الستار عن مشروع حكم «الإخوان المسلمين» بدءاً من حماس وانتهاء في مصر، وأثبتت التطورات بأن لا مشروعية شعبية لتنظيم «الإخوان» على الأرض.
كما يُذكر التاريخ بسقوط مشروع السلطنة العثمانية مطلع القرن العشرين بعد قرون من حكم مساحات مترامية الأطراف لبلدان متعدّدة الثقافات دون أن يترك أيّ بصمة تذكر باستثناء نشر الجهل والتخلف والعودة بتلك البلدان لعقود ما قبل التاريخ، فإنّ المستقبل سيذكر سقوط مشروع سلطنة جديدة قائمة على بنيان ساقط أساساً من بوابة الانتخابات البرلمانية التركية.
سواء فاز أردوغان في الانتخابات أم لم يفز فإنّ جولة الإعادة ستكون بمثابة دورة الوداع للحرية والعدالة قبل اعتزال سلطان القرن الحادي والعشرين السياسة.
«توب نيوز»