الحرب على الإرهاب… الطريق الأقصر للحل السياسي

محمد شريف الجيوسي

أسفر اجتماع فينا بشأن سورية المنعقد الجمعة الماضي بحضور 17 دولة ومنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن نتائج مهمة قررتها موازين القوى الجديدة على الأرض السورية بعد حرب روسيا الاتحادية على الإرهاب الذي فرضته 5 عوامل رئيسة.

أول هذه العوامل صمود سورية في وجه الإرهاب، الأمر الذي يجعل الحرب عليه في سورية مجدية، وثانياً مطالبة الحكومة السورية الشرعية من روسيا المشاركة في الحرب على الإرهاب، وثالثها فشل التحالف الأميركي إن أحسنا الظن في حربه على الإرهاب بعد 13 شهراً من إعلان «الحرب» عليه، ورابعها أن الحرب على الإرهاب استندت إلى قرار اتخذه مجلس الأمن، وخامسها إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، وتورط حلف واشنطن في العديد من الساحات وتراجع مكانة حليفها «النيتوي» في اسطنبول.

فرض التقدم السوري على الأرض بعد شهر واحد من الدعم الروسي، على التحالف الغربي ومن يليه، مراجعة مواقفه من الاستمرار على النحو الراهن في التدخل ضد سورية، حيث اتضح أمام تلك الأطراف أن إمكانية إسقاطها أصبح مستحيلاً، حيث لم يستطع التحالف الغربي إسقاطها بعد 54 شهراً من الاستفراد بها، فكيف ستكون الحال بعد دخول روسيا الاتحادية بكل ثقلها، وتلويحات إيران والصين وكوريا الديمقراطية، وربما غيرها ضد حرب إرهابية مجنونة على سورية طال أمدها!

لقد بدا واضحاً لروسيا وحلفائها 3 أمور، أولها أن سورية اتخذت قرارها باستحالة إلحاق الهزيمة بها مهما كلف ذلك من أثمان، رغم ضخامة آلة الحرب الدولية التي تشن عليها، وما تحظى به هذه الحرب من دعم هائل تسليحاً وتدريباً وتمويلاً وغطاءً إعلامياً واستخبارياً واسعاً وطبابة.

وتيقنت روسيا ثانياً، أن التحالف الأميركي ليس جاداً في إلحاق الهزيمة بالإرهاب وعصاباته متعددة المسميات والمرجعيات، عندما دعت إلى تحالف سوري تركي سعودي للحرب على الإرهاب ورفضته تركيا والسعودية فيما قبلته سورية. بخاصة أن لأميركا سوابق في تصنيع الإرهاب التكفيري الإسلاموي كما في أفغانستان، وفي دعم انقلابات كما في تشيلي وتصنيع عصابات إرهابية كما أفغانستان، وفي إسقاط أنظمة ودول كما في العراق وليبيا وفي تقسيمها كما في يوغسلافيا والسودان والصومال، وفي شن الحروب كما في فيتنام، وغير ذلك كثير.

وثالثاً، إن واشنطن معنية باشغال العصابات الإرهابية سواء في حال تقدمها أو اندحارها عن التوجه إلى أراضيها أو إلى الكيان الصهيوني والدول الغربية والتابعة لها، ودفعها بكل الوسائل للتوجه إلى روسيا وغرب الصين وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وغيرها.

ورابعا، أكدت معلومات استخبارية أن دولاً حليفة لواشنطن على وشك تنفيذ خطة عسكرية شاملة بمعرفتها وبقيادتها الخلفية، ما سرّع الدعم الروسي الذي لم يكن راغباً في الانخراط المباشر بالحرب على الإرهاب.

لقد فاجأ الانخراط الروسي التحالف الشيطاني الأميركي، فعاش حالة من التخبط والإرباك، بعض وقت، وجعله أمام 3 خيارات أولها، التورط أكثر في التدخل في الحرب على سورية بكل ما يحتمل التورط من تبعات قد تقود إلى حرب شاملة، وما تقتضيه من استحقاقات مكلفة اقتصادياً وأمنياً.

والخيار الثاني، الدخول في مفاوضات تسووية مع روسيا والقبول بما لم يكن مقبولاً كمشاركة إيران في مفاوضات الحل، وهو ما حدث في اجتماع فيينا.

وأسهم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، اضطرت إليه أخيراً 5+1 رغم أنف تل أبيب، وإلى قناعة بأن ممارسات الحصار والتطويع القسري لن تقود الى ما يبتغيه الغرب دائماً، عندما تتوفر إرادة الصمود والحرية، بل إن طهران خرجت من الحصار أقوى على كل الصعد.

ومن هنا فقد أراد الغرب لحاق نفسه قبل تطور الأمور على الأرض السورية أكثر وقبل أن يتمكن الجيش العربي السوري من تحقيق حسم نهائي، قد لا يضمن الغرب بنتيجته القدرة على التحكم بوجهة العصابات الإرهابية المسلّحة الفارّة الجريحة، فتتحول إلى الغرب ومن يليه.

وبهذا المعنى فالتسريع بالحل السياسي والقبول بتقديم تنازلات مهمة «وإن لم تكن كافية» إلا أنها أول «الحنجلة» ما يحفظ أولاً، ماء وجه واشنطن. وثانياً يتيح الحل السياسي تعاون الجميع لإنهاء هذه العصابات على الأرض السورية، فلا تنتقل الى التحالف الغربي وفي آن، فإن هذا يرضي التحالف الروسي بالحيلولة من دون تحوله اليه.

أما الاحتمال الثالث أمام التحالف الغربي، في ضوء انخراط روسيا بالحرب، فهو المناورة بذريعة البحث عن حل سياسي، فيما يعد الغرب لغير ذلك، كسباً للوقت، وتطميناً لروسيا وحلفائها وإن أمكن التوصل إلى صيغة توقف موسكو عن الاستمرار في حربها على الإرهاب أو تبطئ منها، ما يتيح على الأقل وضعاً أفضل للغرب، يساوم فيه على شروط أكثر ملاءمة له سياسياً أو تحقيق مفاجئة تعيد رسم معادلة الصراع.

لكن روسيا استبقت اجتماع فيينا بالإعلان رسمياً عن قرارها بزيادة عدد طلعاتها إلى 300 طلعة يومياً، ما يقطع الطريق ربما أمام محاولات المناورة، ولا يدع أمام التحالف الأميركي سوى أحد الخيارين الأوليْن ربما، حصراً.

ورغم أن غلبة عددية واضحة توفرت لدى التحالف الأميركي في اجتماع فينا « 6دول غربية أو تابعة للغرب» هي أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا، و4 دول خليجية، 3 منها ضد الدولة الوطنية السورية، هي السعودية والإمارات وقطر… و5 يمكن القول إنها تقف في الوسط في حدود متفاوتة هي عُمان ومصر والعراق ولبنان والأردن، و3 دول تقف إلى جانب سورية تماماً هي روسيا وإيران والصين، إلا أن بيان فيينا المكون من 9 نقاط وتتمة لم ترقم… حقق لمصلحة الدولة الوطنية السورية مكاسب مهمة، رغم أن بعضها يعتبر من البديهيات كالسيادة والاستقلال ووحدة الأرض والشعب… واستمرارية مؤسسات الدولة والحرب على الإرهاب، إلا أنه حقق نتائج أخرى أكثر من مهمة.

ومن هذه النتائج تأكيد البيان على الهوية العلمانية للدولة السورية بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني… وعدم حصر الجماعات الإرهابية بـ «داعش»، وإخراج الجماعات السياسية على اختلاف مرجعياتها ومواقفها من تحت العباءة الأميركية بحصر دعوة الأطراف للبحث في الحل السياسي بالأمم المتحدة، حيث تمتلك روسيا والصين وربما دول أخرى «خارج نطاق الدول دائمة العضوية» إمكانية مساندة جزئية.

كما نص البيان على شرط موافقة الحكومة السورية على إجراء الانتخابات، وهو مطلب سوري بأن الشعب العربي السوري هو الذي يقرر خياراته، وليس بفرضها من الخارج وإن سورية هي التي تملك وتقود العملية السياسية والشعب السوري هو من يحدد مستقبل سورية «البند رقم 8 من بيان اجتماع فينا»، وبذلك فشل التحالف الأميركي الرجعي في فرض شرط «تنحية» الرئيس العربي السوري الدكتور بشار الأسد.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى