أمسية الأونيسكو: وثائقي و«آه يا بيروت» وشعر ودروع

لمى نوّام

انطلق نادي الجسرة بجهود فردية في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، قبل أن يخرج بشكله الرسمي في بداية الستينات، ليعبّر عن اسم المنطقة القطرية وطموح الشباب المؤسسين آنذاك، إذ يُعدّ النادي من أقدم النوادي التي أسّست للروح الجماعية وجمعت أبناء المدينة والوافدين إليها من كلّ صوب وحدب.

شيّد النادي مبناه الأول في الدوحة، حيث جمع الأعضاء التبرّعات ليقف ناديهم على قدميه، ولتدبّ الحياة فيه، وقد كان تواضع المكان علامة لإصرار الشباب على المضيّ نحو الأفضل، وحينما صدر قرار حلّ الأندية، لم يعلن شباب الجسرة قنوطهم، حتى افتُتح بمقرّ آخر في الحي ذاته عام 1960.

ويعتبر حي الجسرة جسر تواصل ونقطة التقاء بين مجموعة من الأحياء والأمكنة المحيطة. وشكّل نادي الجسرة إطاراً معرفياً يربط بين مناخات تلك الأندية التي كانت آنذاك، ومنها: «الوحدة والتحرير» و«النجاح» و«الأحرار»، أسماء لها دلالات تتناغم مع المشروع النهضوي العربي في تلك الحقبة، حين كان المواطن العربي شريكاً في الحلم.

تبنّى النادي الاتجاه إلى دعم الاطار الثقافي الاجتماعي، وبدأ المثقفون يلتفون حول النادي الذي فتح أبوابه لأبنائه وضيوفه، الذين يعنيهم الهمّ الثقافي، فكانت صالات النادي مشرّعة للندوات الفكرية والشعرية. وقد استضاف النادي عدداً من المبدعين والمفكرين الكتاب العرب، واستمر بدعم عمله الثقافي بإطلاق عدد من المشاريع الإبداعية سواء المطبوعات الورقية من مجلات رائدة وكتب ودوريات وموسوعات إلى إصدار أقراص مدمجة كتسجيلات توثق للشعر العربي والبرامج الثقافية التي ينتجها النادي أو المرئية التي كان آخرها فيلم وثائقي حول تاريخ النادي العريق.

حقّق النادي حلمه بالحراك الثقافي بأبعاده المحلي والعربي والعالمي، وصولاً إلى تمويل المشاريع الخلاقة التي تتناسب ووجوده كمؤسسة لها أهدافها في تطوير مجتمع مدني خلاق. وقد عمّق النادي الرائد تجربته في العواصم العالمية من الشرق والغرب. فقد كانت الأسابيع الثقافية المتبادلة في باريس، برلين، أميركا، إسبانيا، الأرجنتين، فنلندا، اليابان، محوراً أساسياً لتفريع العمل الثقافي التنويري، الذي ينشر الثقافة العربية إلى أرجاء العالم. وحقق تميّزاً واختلافاً في خطابه التوعوي الذي يطمح إلى إنجاز مجتمع مدني حضاري عبر إشاعة الوعي الثقافي المتحضر. فكانت الموسيقى كما المسرح والفنون التشكيلية، نتاجاً مهماً للصالون الثقافي الشهير الذي استضاف جلّ المفكرين والكتاب والشعراء العرب الكبار.

وظل نادي الجسرة مؤمناً بقبلته التي يؤمها، فهو يرفد الحراك الثقافي المحلي والعربي ويقف علامة مميزة في الحراكات الثقافية، إذ لا يمكن تجاوز نادي الجسرة الذى تبنّى المشروعات الثقافية التي ضخت وما تزال دماء جديدة وأفكاراً بناءة محلياً وعربياً وعالمياً.

العامري

للوقوف على نشاطات نادي الجسرة، التقت «البناء» المنسّق العام للنادي، الإعلامي إبراهيم العامري. فيقول: الفكرة تتمثل بامتداد لبرنامج عربي ينهجه النادي، ويهدف إلى مد جسور التعاون والتثاقف بين أبناء النادي والمثقفين العرب. وكانت بدايات النشاطات في الأردن الشقيق، حيث نظّم النادي فعالية كبيرة في العاصمة عمّان، جمعت عدداً كبيراً من مثقفي البلدين. فعالية احتفت بالفعل الثقافي وعرّفت المثقف الأردني بنادي الجسرة وتوجهه العروبي الثقافي الذي يسعى إلى التشارك مع كل مثقف عربي أصيل. وقد تبعت الفعالية هذه، أمسية لثلاثة من شعراء الأردن، كان لها صدى واسع. ثمّ جاءت فعالية بيروت ليستمر هذا البرنامج الذي يهدف إلى المرور في كل قطر عربي، والتفاعل مع مثقفيه. ونرتب الآن مع الاخوة في بيروت لفعالية جديدة في معرض الكتاب، سيعلن عنها قريباً. وفي الوقت ذاته، تم الانتهاء من جميع التحضيرات لفعالية كبيرة في فلسطين المحتلة في رام الله تحديداً، ثمّ سنعرج على تونس.

وعن تقييمه الأمسية التي أقيمت في قصر الأونيسكو مؤخّراً قال العامري: في البداية أودّ إبداء إعجابي بالتنظيم الجميل للأمسية والفعالية بشكل عام. شاكراً كل من سعى إلى إنجاح هذه التظاهرة، كما أبدي إعجابي بالحرف الجميل والشعر الذي قدّمه كل من الشاعرين مهدي منصور وعبير شرارة. الأمسية كانت ناجحة بكل المقاييس، وكان حجم الحضور والتفاعل رائعاً، وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على التقارب الكبير بين مثقّفي عالمنا العربي، وحاجتنا الاكيدة إلى نشاطات كهذه الأمسية.

شرارة

بدورها، قالت الشاعرة والإعلاميّة عبير شرارة لـ«البناء»: نادي الجسرة الثقافي نادٍ عريق. وبرأيي، نادراً ما نجد في العالم العربي أناساً يستثمرون طاقاتهم البشرية والمادية والنفسية، لإنتاج أعمال ثقافية. ليس في مجال الشعر فقط، إنما في الرواية. لدى النادي مجلة تعنى بالفنّ التشكيلي، ولديهم إصدارات من الشعر العربي لكبار الشعراء. كما يمدّون يد العون إلى الشعراء الشباب. ولديهم أيضاً مجلة إلكترونية للأطفال.

وتؤكّد شرارة: ما يهمّني أن أشارك في أعمال كهذه، منظمة من جهات تدرُس خطواتها وتستثمر في المجال الثقافي، الذي هو الوجه الإيجابي لبلدنا. وهذا جسر تواصل بيننا وبين ثقافة بلد آخر. كانت أمسية جميلة جدّاً مع الشاعر مهدي منصور، وكان التحضير والتنسيق للأمسية رائعين، وتخلّل الأمسية أغنية مصوّرة للفنان عبد العزيز ناصر بعنوان «آه يا بيروت»، وعُرِض أيضاً فيلم وثائقيّ يُعرّف الجمهور اللبناني إلى نشاطات نادي الجسرة.

وتضيف شرارة: سيكون لنا تعاون قريباً مع نادي الجسرة الثقافي في لبنان، للمساهمة في تمتين الحوار الثقافي، لأن هدف النادي إحياء الثقافة وإحياء التراث الثقافي بين الدول. أتمنى لهم التوفيق والنجاح، وأشكر القيّمين على النادي لاختياري ومهدي، ونحن مستمرون معهم.

وعن تجربتها في أمسية نادي الجسرة قالت شرارة: تجربتي كانت جميلة في الأمسية، كانت لي قراءات شعرية عن المرأة والحب. فأنا والشاعر مهدي منصور صوتان مختلفان في الشعر، كل واحد حلّق في سمائه وعالمه الخاص. كان جميلاً هذا التنوّع الشعري. نجحت هذه الأمسية ونجاحها خير دليل على إستعادة عافيتنا في العالم العربي، على رغم كل الظروف الصعبة التي شهدتها الساحة العربية من صراعات ونزاعات. كما أثبتت الأمسية أن هناك صوتاً للشعراء والأدباء ما زال صدّاحاً، وأنّ الأشخاص الذين يعملون على إبراز الوجه الحضاري في بلدهم، ما زالوا نشطين.

منصور

من ناحيته، قال الشاعر الدكتور مهدي منصور: نادي الجسرة نادٍ يفوق عمره خمسين سنة. وأن يأتي هذا النادي ليقيم أمسية في بيروت، وُجب على النوادي والمنتديات الثقافية الترحيب به وهذا ما حدَث. اختارتنا لجنة مؤلفة من لبنانيين وأشخاص من نادي الجسرة أنا والشاعرة عبير شرارة لإلقاء بعض القصائد، وكانت طبيعة الحفل احتفائية بقدوم هذه المجموعة من قطر التي هي بالمناسبة ـ وإن كانت قطرية بالدرجة الأولى ـ لا تحمل لواء السياسة القطرية. وهذا النادي معظم روّاده فنانون ومثقفون.

وأضاف منصور: في ما يتعلّق بالجانب الشعري، كانت لي إلقاءات شعرية ركّزت فيها على الإيديولوجيا التي نراها في الجماعات المتطرّفة والتي تتقابل مع ايديولوجيا مقابِلة من أجل ادارة الصراع. وقصائد أخذت طابعاً وطنياً، ورؤيتي الخاصة حول الوطن الذي أتمنّاه.

وعن تقييمه العام للأمسية أكّد منصور: أعتبر أن الأمسية كانت ممتازة، لكنني أتمنى ـ في تنظيم الأمسيات اللاحقة ـ أن تشهد الأمسية كلمة واحدة ترحيبية بجميع النوادي والمنتديات الثقافية التي حضرت، لا عشر كلمات لعشرة منتديات.

عبد الخالق

وقالت هبة عبد الخالق: برأيي، هذا نشاط جدّاً مهمّ، وتكمن أهميته في التفاعل الثقافي بين الدول، خصوصاً أنّ غالبية الدول العربية تعاني من حروب ونزاعات. فجميل أن تكون الثقافة هي التي تجمع بين الشعوب.

مروّة

بدورها، قالت الشاعرة زهرة مروّة لـ«البناء»: بصفتي شاعرة شابة وعضو في حركة شهرياد الثقافية، أحبذ النشاطات الثقافية التي تقوم بها مختلف الفاعليات في بيروت، من أمسيات شعرية إلى معارض فنية وحفلات موسيقية إلخ. فهي تؤكد أن بيروت ما زال قلبها ينبض بالثقافة والفنّ، ولم تتحول إلى مدينة تجارية.

وبالنسبة إلى حركة شهرياد الثقافية، نحن نقيم أمسية شعرية مريتن في الشهر، نهار الثلاثاء في شارع الحمرا، ونستضيف شعراء شباباً ومخضرمين من لبنان ومن الدول العربية. وهناك أيضاً دور للموسيقى والرسم في هذه الأمسيات.

وبرأيي، إنّ هذه النشاطات هي لمصلحة الشعر والشعراء. وهي تتيح للجمهور التعرف إلى أسماء شعرية جديدة، وأحياناً قد تصل هذه الأسماء الشعرية إلى العالمية. ومثال على ذلك صدور كتاب «وطن للتهجئة» مؤخراً، وهو عبارة عن نصوص وطنية لـ22 شاعراً وشاعرة، من فئة الشباب ينتمون إلى حركة شهرياد، تُرجمت من العربية إلى الألمانية.

وبالنسبة إلى نشاط فعالية الجسرة الثقافي الذي أقيم في بيروت، فإنني أعجبت به كونه فتح جسراً للتواصل الثقافي والفنّي بين بيروت وقطر. وأقدّر نشاطاته كونه يشجّع الشعراء اللبنانيين الشباب. والدليل على ذلك أنه أقام أمسية شعرية في قصر الأونيسكو لشاعر وشاعرة من فئة الشباب.

وتختم مروّة: بشكل عام، أعتقد أنه ما من اهتمام كاف بالثقافة وبالشعر في العالم العربي، لكن الأمسيات الشعرية والنشاطات الثقافية التي تحدث في بيروت، تساهم في دعم الثقافة وإعادة إحيائها. وفعالية نادي الجسرة التي أقيمت مؤخراً ساهمت أيضاً في فتح آفاق جديدة للثقافة العربية. أخيراً، ما لفت نظري مؤخراً، دعم وزارة الثقافة هذه النشاطات وإصدارها مجلة «شؤون ثقافية»، التي هي مجلة فصلية تعنى بأمور الثقافة.

أمسية الأونيسكو

أقام نادي الجسرة الثقافي الاجتماعي القطري نشاطه الأول في بيروت، وذلك في قصر الأونيسكو، بالتعاون مع شخصيات ثقافية لبنانية، وحضره عدد من الإعلاميين والمثقفين، إضافة إلى عدد من ممثلي «نادي الجسرة» وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارته ابرهيم خليل الجيدة.

تخلل الفعالية عرض فيلم وثائقي عن تاريخ النادي، ثمّ عرضت أغنية من ألحان الموسيقار القطري عبد العزيز ناصر بعنوان «آه يا بيروت». وألقيت كلمات عدّة، ثم انطلقت أعمال أمسية شعرية أحياها الشاعر الدكتور مهدي منصور والزميلة الشاعرة عبير شرارة. كما عزف الفنانان طارق بشاشة وأشرف الشولي مقطوعات موسيقية. وختاماً، وزّع رئيس مجلس إدارة النادي الدروع على بعض الشخصيات المؤازرة والداعمة، فيما قدّم للاحتفال كل من الشاعر محمد ناصر الدين المنسّق في بيروت ، وهبة عبد الخالق عضو شهرياد .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى