الأقصى ينادي فمن يجيب؟

جمال الكندي

بحسب قانون نيوتن لكلّ فعل ردّ فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. هي حقيقة علمية ثابتة بدأت بها كلامي لأنقل إلى القارئ حقيقة طبيعية أخرى قريبة منها وتدور في فلكها وهي أنّ الظلم والقهر والعدوان لا يمكن أن يقابل إلا بالمقاومة، لأنّ السكوت عنه يخالف نواميس الطبيعة والانكسار والخضوع له هو كسر للنفس الإنسانية التي لا تحب أن تعيش إلا بالحرية والكرامة.

إنه المشهد الفلسطيني يتكرّر مرة أخرى للمشاهد العربي عبر كل الأقنية العربية والغربية، مشهد الفلسطيني المشرّد في أرضه من قبل الصهاينة، وكما قلنا لكلّ فعل رد فعل وفعل الصهاينة فعل كبير وردّه من قبل الفلسطينيين دائماً في الحدود الدنيا، لأنه محلي الصنع لا يتجاوز حدود فلسطين التاريخية ولا يفعل عبر دهاليز حامية حقوق الإنسان وأعني بها الأمم المتحدة، وإنْ دخل في أروقتها وتم تداول الموضوع وطلب بالحق الفلسطيني، فإنّ حائط الصدّ الأميركي جاهز واليد الأميركية تنتظر الزناد لرفع الفيتو ضدّ أيّ قرار يدين «إسرائيل» وهذه هي المشكلة التي لا يريد العرب أن يدركوها ويفهموها.

أسباب الانتفاضة الثالثة التي نراها اليوم هي نفس أسباب الانتفاضة السابقة، فتدنيس المقدسات من قبل الصهاينة مستمرّ وباحات المسجد الأقصى تُقتحم في كلّ يوم من قبل قطعان المستوطنين الصهاينة، ومحاولة سلب كلّ شيء مقدس للفلسطينيين والعرب وإهانتهم في مقدساتهم مستمرّ أيضاً وبوتيرة مرتفعة، لذا كان ردّ الفعل عبارة عن ثورة جديدة في أرض فلسطين كاملةً أرعبت المحتلّ، فبعد أن كان قد اعتاد في القرن الماضي على سلاح الحجارة وهو المتوفر لدى رجال فلسطين وشبابها وشاباتها نرى اليوم أنّ الوضع قد تغيّر وظهرت انتفاضة جديدة اسمها انتفاضة السكاكين والتي أرعبت الصهاينة وأدركوا خلالها أنّ فعلهم الشنيع لا يقابل فقط بالحجارة.

الانتفاضة الثالثة سوف تأتي مهما طال الوقت، والباب سوف يفتح على مصراعيه أمامها لأنّ طارقي الباب أصبحوا كثراً، والمطالبين بها لن تقدر قوى أن تمنعهم، وذلك لأنّ جرائم الكيان الصهيوني لن تتوقف على تدنيس المقدسات أو تدمير هنا وهناك، أو اقتحام المساجد والكنائس، بل ستتواصل الى أن تهجّر الفلسطينيين من أرضهم وتهوّد كلّ شيء في فلسطين التاريخية، وهذا التوجه أفصح عنه وزير الخارجية المتطرف ليبرمان.

وتنادي فلسطين والعرب لما يجتمعوا بعد لنصرة الشعب الفلسطيني، ونعلم أنهم حتى ولو اجتمعوا ستكون قراراتهم معروفة حفظها صغيرنا وشاخ عليها كبيرنا، والغريب أنه خلال الأزمة السورية كانت جامعة الدول العربية تعمل كخلية نحل من قرار إلى آخر يدعو إلى إدانة ومعاقبة سورية اقتصادياً وسياسياً، وبلغت الاجتماعات من أجل عزل سورية عن محيطها العربي العشرات، والسؤال ماذا ستفعلون من أجل فلسطين؟

إنّ المتابع لمخرجات «الربيع العربي» يسأل: أين الحركات الإسلامية، ولنضع كلمة الإسلامية بين قوسين، والتي تقاتل الدولة الوطنية في سورية والعراق، إنْ كانوا يريدون صدقاً نصرة المظلوم وتطبيق شرع الله في الأرض، فلماذا لا يوجّهون البنادق تجاه العدو الأوحد للمسلمين وللأمة، وهو العدو الجاثم على صدور الفلسطينيين منذ أكثر من نصف قرن، ذلك السرطان في الجسد العربي هو الذي لا بدّ أن ترفع الشعارات الإسلامية وينادى الله أكبر وحي على الجهاد عليه.

أين «داعش» وأخواته اليوم مما يحدث في فلسطين من عدوان صهيوني غاشم، يقتل الأطفال والنساء قبل الرجال؟ أين مقاتلوهم الأشاوس، أبو حفص، أبو قتادة، أبو البراء وغيرهم من أصحاب الأسماء الرنانة؟ أم هم فقط لقتال المسلمين وذبحهم على الطريقة الداعشية، من أجل وهم اسمه «الخلافة الإسلامية»، وما هي إلا مؤامرة لتفتيت الأمة وزيادة جراحها عمقاً. أين الصهاينة في حربكم الجهادية؟ فلسطين والأقصى ينزفان دماً وأنتم مشغولون بقتال المسلمين وأبناء الأمة.

إنّ ما يجري في فلسطين اليوم من عدوان صهيوني بربري، وسكوت هذه الحركات الراديكالية وتصميمها على أن تكون بنادقها تجاه الداخل، وعدم إشارتها من قريب أو بعيد بوجوب الجهاد في فلسطين وإصرارها على أنّ الجهاد يكون في البلدان العربية والإسلامية عن طريق تغيير أنظمتها الحالية بقوة السلاح يدعونا إلى الحيرة والاستغراب والتفكير لمصلحة من تعمل هذه المجموعات المنتشرة شرقاً وغرباً في الجغرافية العربية والإسلامية؟

لذلك فإنّ الشارع الفلسطيني يدرك أبعاد المؤامرة عليه ويعلم ماذا تعني انتفاضة جديدة في فلسطين، وماذا سوف تحقق وما نتائجها، وآثارها على الكيان الصهيوني. إنه باب لا يريد له الغرب الداعم لـ»إسرائيل» أن يفتح أبداً، لذلك سوف يعمل الأميركي بكل دبلوماسيته الماكرة لتبريد الرؤوس الثائرة وإرجاع الأمور الى ما كانت عليه، واحتواء الغضب الشعبي الفلسطيني.

إنّ الكلمة سوف تكون للشعب الفلسطيني فهو الذي سيقرّر ماذا يفعل أمام جرائم «إسرائيل» التي لا تنتهي، فـ»إسرائيل» لن تتوقف، ومخططها ترحيل جميع الفلسطينيين من أرضهم، وتمكين هذا الكيان الغاصب من كلّ شبر في فلسطين وتصفية القضية الفلسطنية.

فمتى سوف تدرك القيادات العربية ذلك المخطط الذي نرى معالمه تتكشف يوماً بعد يوم من خلال الممارسات الصهيونية على الأرض؟ والتي لا تجد رادعاً عربياً أو دولياً غير «نشجب ونستنكر»، والدولة العربية الوحيدة التي هي على عداء دائم مع «إسرائيل»، وتقف مع الحقوق الفلسطينية وتدافع عنها وتستقبل على أرضها كافة الحركات الفلسطينية الثورية والإسلامية، نراها اليوم محاطة بجماعات إرهابية تحاول وبدعم من «إسرائيل» وبعض عملاء أميركا تفتيت كيان هذه الدولة الوطنية.

إنّ المعطيات تشير إلى أنّ الانتفاضة آتية، وهذه المرة هي ليست فلسطينية فقط بل هي عربية وعالمية، لأنّ جرائم «إسرائيل» أصبحت ظاهرة لكلّ منصف وباحث عن الحقيقة، فالغربال الأميركي لن يقدر على أن يغطي دموية «إسرائيل»، وهذا ما بات يدركه المجتمع الدولي وأميركا نفسها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى