الحوار متباطئ… والملل لا ينأى بنفسه عن المتحاورين

هتاف دهام

بعد تسع جلسات ليست الا تكراراً واجتراراً لسابقاتها في النقاش في مواصفات الرئيس، ملّ متحاورو ساحة النجمة. لا مادة جديدة تضاف، ولا جديد تحت الشمس يستدعي من رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن يدعو إلى جلسات أسبوعية كما كان يشتهي، فهيئة الحوار الوطني تعيش حركة متباطئة دفعته إلى تأجيل الجلسة أسبوعين.

لا يريد أحد من المجتمعين إلى الطاولة المستديرة أن يتحمّل مسؤولية الخروج من هذا الحوار البيزنطي، ليظهر بموقف المعطل أولاً. ولا أحد يتجرأ على إعلان وفاة حوار ميت سريرياً.

وضع رئيس المجلس النيابي هذا الحوار الذي يحظى بدعم ورعاية إقليميين ودوليين وكأنه روح البقاء الوحيدة المتبقية للبنانيين، وأكد ذلك ناظر القرارين الدوليين 1559 و1701 تيري رود لارسن حين شدّد في اتصاله مع الرئيس بري على انّ الحوار المتجدّد هو عامل استقرار. يحافظ استمرار هذا الحوار حتى لو كان فارغاً ومملاً، وحتى لو لم يحضر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون شخصياً، وحتى لو قاطعه حزب الكتائب وغابت عنه «القوات»، على ربط نزاع إيجابي طويل وعلى جاهزية وعلى تعبئة فراغ بانتظار لحظة إقليمية تسقط على لبنان، ولذلك فإنه يعبّر عن إرادة انتظار للفرج الخارجي.

تدرك كلّ الأطراف أنّ الحوار أجوف وأنّ عناوينه فارغة وأنه لن يخرج بأيّ نتيجة إيجابية، لكن الجميع يسلّم بأنه باق إلى الطاولة التي هي البديل عن تعطيل المؤسسات وسقوطها ولو بالشكل، ويدرك أننا نتدحرج أزمة فأزمة نحو حالة من السقوط الخطير الذي يقف الحوار سداً منيعاً له، فالمؤسسات في غيبوبة وشلل كاملين، لن يكون هناك جلسة لمجلس الوزراء أو لمجلس النواب في القريب العاجل.

سلّة متكاملة ومنهجية

لقد دار النقاش أمس في الجلسة التاسعة حول بندَيْ «النأي بالنفس» و«الحيثية الشعبية»، ومن ثم ملف «السلة المتكاملة» و«منهجية معالجة» الموضوع. رفض فريق 8 آذار اعتبار النأي بالنفس مواصفة ثابتة من مواصفات الرئيس إنما سياسة اعتمدتها الحكومة في ظرف سياسي معيّن أملته المصالح الوطنية اللبنانية، وكان لافتاً موقف رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي رفض سياسة النأي بالنفس تحت عنوان أنّ الظروف تبدّلت والتطورات تتسارع بصورة مذهلة على مستوى المنطقة وفي مواجهة الإرهاب لا نأي بالنفس، مشيراً إلى «أنه غيّر في خطابه اتجاه جبهة النصرة وسمّاها في مؤتمر الاشتراكيين أنها تنظيم إرهابي».

وبقي فريق 14 آذار متمسكاً بسياسة النأي بالنفس ودافع عنها بذريعة أنها تتصل بالخلافات العربية – العربية، ليختم بري هذا البند بوضعه جانباً وتجاوزه لأنه نقطة خلافية بين المتحاورين.

وكانت الحيثية الشعبية أيضاً محط خلاف. وتركز النقاش حولها بين أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان من جهة وفريق 14 آذار من جهة أخرى، حيث أوضح كنعان بأنّ التأكيد على الحيثية الشعبية يجب أن يُقارَب من ضمن فهم أوسع للأزمة اللبنانية، لأنه وبحسب رأيه، هناك أزمة صحة تمثيل شعبي في قوانين الانتخاب وأزمة شراكة وطنية منذ الطائف حتى الآن، في حين أكد رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة ضرورة الالتزام بمقدّمة الدستور التي تقول إنّ الرئيس حامي البلاد… ونقطة على السطر. واعتبر وزير الاتصالات بطرس حرب أنه لا يجوز تقييد صلاحيات الرئيس بشروط مسبقة.

بالاستناد إلى التشابه بين التجربة الحالية واتفاق الدوحة، انتقل النقاش إلى نقطة بالغة الأهمية وهي السلة المتكاملة، حيث أكد السنيورة أنه لن يقبل على الإطلاق الانتقال إلى أي بند من بنود جدول الأعمال قبل حسم البند الأول المتعلق برئاسة الجمهورية، ليحسم الرئيس بري مجدّداً الجدل بالقول «إنّ مفهوم السلة المتكاملة هو الاتفاق على كلّ جدول الأعمال، لكن من حيث التنفيذ نبدأ بموضوع الرئيس».

النفايات.. تصدير أم طمر؟

وفي موضوع النفايات أطلق الرئيس تمام سلام صرخته المعهودة مثل كلّ جلسة للحوار، وقال: «إذا لم يكن هناك موافقة من كلّ الأفرقاء ومن دون أية مواقف مزدوجة، فإنه لن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، ولن يمضي في خطة الوزير أكرم شهيّب». وبرزت أصوات تدعو إلى تصدير النفايات حيث تقدّم رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية باقتراح تصدير النفايات إلى الخارج، لافتاً إلى «أنه في هذا الوقت يمكن العمل على مستوى الحلّ الدائم على إقامة مطامر حديثة تنتج الكهرباء بمقدار 100 ميغاوات على مستوى لبنان، لا سيما أنّ معامل الكهرباء لديها أرض كافية لإقامة محارق وهنغارات. وإذ أشار سلام «إلى أنّ هذا الخيار كان أحد الخيارات المطروحة، أيّد وزير السياحة ميشال فرعون اقتراح فرنجية رافضاً بشكل قاطع إقامة مطمر في الكرنتينا. وشهدت الجلسة خلافاً بين جنبلاط وبين رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان حول المطمر في الكوستابرافا، حيث دعا أرسلان جنبلاط إلى النزول معه إلى الأرض لإقناع الناس، مصراً على أنه لن يتحمّل المسؤولية منفرداً إلا أنّ جنبلاط رفض ودعاه إلى التنسيق مع الوزير شهيّب وغادر الجلسة. وعلمت «البناء» أنّ جنبلاط غير راضٍ عن إقامة مطمر في الكوستابرافا ولا يريد أن يتحمّل تبعات فتح مطمر الناعمة، مجدّداً لتنتهي الجلسة وتُفضّ من دون اتفاق على معالجة أزمة النفايات، ومن دون الاتفاق على جلسة لمجلس الوزراء. ما أعاد الجوّ التشاؤمي لإمكانية إيجاد حلّ إلى الواجهة من جديد.

النأي بالنفس والحيثية الشعبية

وتمحورت مداخلات المتحاورين التي وصفت بالصريحة حول مواصفات رئيس الجمهورية العتيد وتحديداً حول بندَيْ النأي بالنفس والحيثية الشعبية. وأكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان «أنّ الخلاف الحقيقي حول مواصفات الرئيس هو الذي يمنع انتخابه، لذلك علينا أن ننتخب رئيساً يُدوّر الزوايا ليؤمّن التوافق حوله»، لافتاً إلى «أنّ الظروف التي طرح فيها النأي بالنفس مختلفة عن الظروف الراهنة، اليوم العالم كله يعيش تحالفات جديدة ضدّ الإرهاب، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا إلى إنشاء تحالف دولي وإقليمي منسق مع الحكومة السورية لمحاربة الإرهاب، والولايات المتحدة الأميركية تتخذ من جهتها مع الدول الأوروبية إجراءات لمحاربته»، معتبراً أنّ لبنان هو الأوْلى بمحاربة الإرهاب، فكيف يمكن أن يبقى خارج هذا الإطار وكأنه لا يرى هذا الخطر عليه، علينا أن نأخذ موقفاً. لا يجوز أن نضع رأسنا في الأرض، لقد اختلف الواقع اليوم نحن لا نفرض شروطاً، لكننا ندعو إلى التوافق والاعتراف بخطر الإرهاب، ومَن يرفض ذلك يتحمّل المسؤولية».

وأكد حردان «أنّ هناك إرهاباً ضدّ سورية وكلّ دول العالم قرّرت مواجهته، لماذا نضع رأسنا في الرمل ولا نشعر بالتهديد الإرهابي للأمن والاستقرار، وبالأخص أنّ الأجهزة الأمنية تعتقل إرهابيّين كلّ يوم، فهل هذا ضدّ النأي بالنفس». وأكد «أنّ لبنان معنيّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في مواجهة الإرهاب، وإذا تغيّرت الأوضاع في مرحلة لاحقة وأصبح الإرهاب وراءنا عندها نستطيع أن نغيّر موقفنا».

وأكد فرنجية من جهته «أنّ مشكلتنا الأساس أنّ الرئيس كان دائماً ينأى بنفسه وأنه كان بلا لون ولا رائحة ولا طعم. أعجب ذلك رئيس المجلس الذي قال له «حلوة هيدي لا لون ولا رائحة ولا طعم». واعتبر السنيورة أنّ كلام فرنجية قصف، ورأى فيه الوزير بطرس حرب قصفاً مباشراً، أما فرنجية فأشار إلى «أنّ مَن يشعر أنه مقصود فهذا شأنه».

وأكد السنيورة «صحيح أنّ هناك منظمات إرهابية في سورية، لكننا نختلف حول مَن خلق هذه المنظمات ومن دعمها، وفي الواقع هناك 350000 سوري مقتول لا نستطيع أن نقول إنهم قتلوا بسبب المنظمات الإرهابية». وشدّد على أنّ ما يهمّه في مواصفات الرئيس احترام الدستور واحترام الطائف»، مشيراً إلى «أنّ أحداً لا يستطيع أن يلزم الآخر بشيء».

وقال حرب: «لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يكون طرفاً في الصراعات الخارجية، بل يجب أن ينأى بنفسه عن الخلافات العربية والإقليمية، لافتاً إلى «أنه ضدّ أن يصنف رئيس الجمهورية في حلف سياسي معيّن. صحيح أننا متفقون على مواجهة الإرهاب، لكن هناك فريقاً انخرط في مواجهة الإرهاب وفريق ضدّ انخراطه».

جنبلاط: «النصرة» إرهابية

وشدّد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على «أننا بتنا نلزم الرئيس أن يأخذ طرفاً، والسنيورة قال لا أحد يمكنه أن يلزم أحداً في لبنان، فلماذا إذن نريد أن نلزم الرئيس بمواقف مسبقة ما عدا احترام وتطبيق الدستور»، مشدّداً على «أنّ النأي بالنفس كانت تمليه مرحلة من المراحل، أما اليوم فلقد أصبحت التطورات في مكان آخر».

وأشار جنبلاط إلى «أنّ المشاكل تتسارع، ونحن لا نستطيع أن نلتزم سياسة النأي بالنفس اتجاه الإرهاب، فالمسؤولون الأميركيون والفرنسيون أعلنوا أنّ هناك إعادة نظر في الوضع في سورية». وتابع: «لقد كنت أتحدّث بلغة إيجابية عن جبهة النصرة كرمى لعدد من الدروز، لكنني عدلت عن ذلك، وأطلقت في مؤتمر الاشتراكيين عليها مصطلح التنظيم الإرهابي».

وشدّد أرسلان على «أنه لا يزال مصراً على أنّ الظروف هي التي تقرّر، وصحيح أنّ الرئيس نجيب ميقاتي مارس سياسة النأي بالنفس، لكن الحكومات السابقة لم تنأَ بنفسها في كثير من المراحل السابقة على رغم التباينات الكثيرة».

وأكد كنعان «أنّ كلّ الكلام المتداول اليوم تقريباً يؤكد نظرية الظروف، ولا يجوز أن تكون سياسة النأي بالنفس صفة من صفات رئيس الجمهورية، فالرئيس يجب أن يتكيّف مع الظروف السياسية وحسب تقييم الرئيس للمرحلة، مشدّداً على أنه «في البيان الوزاري لحكومة الرئيس ميقاتي لم يكن الإرهاب بهذه الخطورة».

وشدّد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على «أننا نريد رئيساً يحمي لبنان ولا يتدخل في الملفات الخارجية وأن لا يكون مستتبَعاً للخارج».

وإذ وضع بري مواصفة النأي بالنفس خارج جدول الأعمال للتباين حولها، أشار في بداية النقاش حول هذا البند المدرج على جدول مقارنة مواصفات الرئيس إلى «أنّ الحلّ هو بانتخاب رئيس على طريقة افتح يا سمسم»، مشيراً إلى «أنه دعا إلى 31 جلسة انتخابية ولم نستطع أن ننتخب رئيساً وأنّ الشروط لا تزال على حالها، ولكن إذا توافقنا على المواصفات سيتكوّن عندنا اسمان أو ثلاثة وننزل إلى المجلس لننتخب».

بري معلقاً على انتخاب سليمان: «تنذكر وما تنعاد»

وفي العودة إلى الشعب قال كنعان «إنّ الشعب هو مصدر السلطات ومن هذا الشعب ينبثق التمثيل الحقيقي وهو الوحيد الذي يسمح بانتخابات رئاسية مع مساهمة شعبية»، مع تأكيده «أنّ رئاسة الجمهورية ليست مرتبطة بالضرورة بالانتخابات النيابية»، لافتاً إلى «ضرورة أن يتمتع الرئيس بالحيثية على المستويين المسيحي والوطني والتي تؤمّنها انتخابات جديدة أو توازنات جديدة»، مضيفاً «التوافق مرهون بالحيثية التمثيلية».

وتابع: «ليس صدفة أن لا نصل إلى قانون انتخاب، فعدم إقرار قانون انتخابي هو ضمن خطة محدّدة تتعلق بالأكثرية الموجودة»، مشيراً إلى «أنّ بعض القوانين الانتخابية لا تعطي نتائج مسبقة».

ودعا ميقاتي إلى «الاتفاق من الأسفل إلى الأعلى في جدول الأعمال وإلى التنفيذ من الأعلى إلى الأسفل». وقال بري: «نحن بحاجة إلى سلة متكاملة والعودة إلى ما يشبه اتفاق الدوحة لكن ممنوع علينا أن نطبّق شيئاً من جدول الأعمال قبل انتخاب الرئيس، لقد اتفقنا في الدوحة على قانون انتخاب، لكننا انتخبنا الرئيس أولاً»، معلناً «أنه يطالب منذ نحو شهر باجتماعات وخلوات لقانون الانتخاب». وشدّد حردان على «احترام جدول الأعمال كسلة متكاملة»، لافتاً إلى «أنّ أحداً ليس ضدّ ذلك».

وقال مكاري: «السلة الواحدة وجهة نظر حقيقية لكن يجب علينا أن نلتزم بجدول أعمال فينيسيا». فسأله الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان «ما هي علاقتنا بأوتيل فينيسيا»؟

وإذ أشار السنيورة إلى «أنّ الاولوية لرئيس الجمهورية قبل الانتقال إلى أيّ بند آخر، ونحن ذهبنا إلى الدوحة بعد أن اتفقنا على الرئيس وهناك استكملنا الاتفاق، قال بري: «تنذكر وما تنعاد، أنا أكثر من جهد ليأتي ميشال سليمان رئيساً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى