حوارات في باريس وبكركي لم تقارب الرئاسة على نحو إيجابيّ
حسن سلامه
التطوّرات الأمنية في المنطقة، وبخاصة ما حصل في لبنان في الأيام الأخيرة، مع عودة المجموعات الإرهابية المتنوعة إلى التحرّك لضرب الاستقرار الداخلي، هل تفتح كوة في أزمة الانتخابات الرئاسية تفضي إلى توافق الأطراف اللبنانية على انتخاب رئيس للجمهورية في فترة غير بعيدة، على عكس ما توحي أجواء المنطقة؟
هذا السؤال طرح في الأيام الماضية في ضوء الحراك السياسي الذي سجل بين من بكركي والرابية، وصولاً إلى العاصمة الفرنسية، وقبل ذلك زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بيروت… هذه الاتصالات كلّها كان محورها الإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، بغض النظر عما طرح حول طريقة التعامل مع هذا الاستحقاق، وفي الدرجة الأولى ما يتعلق بشخصية الرئيس التوافقي.
في المعلومات التي تجمعت لدى مصادر سياسية واسعة الاطلاع، أنه في نتيجة الاتصالات المتفرقة، لم يحصل أي خرق جدي يمكن البناء عليه للانطلاق في حوار حقيقي بين القوى السياسية، بدءاً من الأطراف المارونية التي لم تتفاهم حول شخصية الرئيس الجديد، وإن المصادر أشارت إلى أن مساعي تحريك الملف الرئاسي ستستمر على خطوط متعددة، خاصة على خط بكركي التي تواصل اتصالاتها مع القيادات المارونية الأساسية.
ماذا في هذه الاتصالات؟ وما هي المقاربات التي بحثت أو تمّ التوصل إليها؟
تؤكد المصادر عينها أن الاجتماع المطوّل الذي عقد السبت الفائت بين رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لم ينته إلى نتائج محدّدة حول الاستحقاق، بل بقي كلّ منهما على موقفه، علماً أن مناقشة مفصّلة تناولت العلاقة المشتركة، سواء قبل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو بعدها، وكان عتب الحريري على جنبلاط سَيْره في هذه الحكومة. وتركز الحوار بشكل أساسي على موضوع الاستحقاق الرئاسي، فكرّر الحريري مواقف تياره من ترشيح جعجع، وما يعتبره انعكاساً إيجابياً للحوار مع العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر، رغم عدم التوصل إلى مقاربة مشتركة حول الرئاسة. ثم تناولت المناقشة موقف الحريري من ترشيح عون إذ دعا جنبلاط إلى الحسم في هذا الموضوع، فكان موقف الحريري أنه لا يريد قطع الاتصال حالياً، وفي الوقت نفسه لا مصلحة له في الإعلان عن رفضه دعم ترشيح عون ولا تأييده، فهذا الأمر يجب أن يبت داخل الساحة المارونية. وأبلغ الحريري جنبلاط أنهما لا يستطيعان معاً الإتيان برئيس للجمهورية أو حسم الأمور حول شخصية الرئيس الجديد. وتشير المصادر إلى أن المناقشة انتهت من دون اتفاق بين زعيمي «المستقبل» والحزب الاشتراكي على موقف موحد من رئاسة الجمهورية، وإن كان اللقاء فتح أبواب الحوار بينهما.
المحطة الثانية من الاتصالات كانت الاجتماع الذي حصل بين العماد عون والبطريرك الماروني في بكركي بحضور حشد من المطارنة. وتفيد مصادر عليمة بأنّه رغم المواقف الصريحة التي أعلنت في الاجتماع، لم تحصل توافقات، فالبطريرك الراعي غمز من صعوبة انتخاب عون أو سمير جعجع في ظل الانقسام القائم، وإن يكن غير راغب في التدخل في الأسماء المرشحة واختيار إسم الرئيس. وتقول المصادر إن الراعي دعا إلى اتفاق القادة الموارنة على بعض الأسماء. مشيراً في هذا السياق إلى ما كان أعلنه جعجع من دعوة للاتفاق على اسمين لرئاسة الجمهورية ليصار في ضوء ذلك إلى حسم الموضوع في جلسة نيابية عامة، فكان رد العماد عون أن جعجع يناور، فقال له البطريرك «خلينا نجرب». ثم أعاد «الجنرال» التأكيد على مواقفه السابقة لناحية اختيار الشخصية المارونية الأقوى شعبياً والأكثر تمثيلاً في مجلس النواب. وإذا كان هناك من شكوك فلنذهب إلى الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية. مؤكداً أنه يستطيع توسيع تكتله النيابي لوحصلت الانتخابات النيابية ويمكنه الفوز في ست أو سبع دوائر مسيحية بينها البترون، وفي الكورة وزحلة، بالإضافة إلى الدوائر التي يمثلها اليوم.
في أي حال، تلاحظ المصادر أن ملف الاستحقاق الرئاسي يبقى مستعصياً طالما لم يسحب جعجع ترشّحه، وطالما يحرّضه حلفاؤه على الاستمرار. علماً أنه بات مدركاً بالوقائع السياسية والنيابية أن وصوله إلى موقع الرئاسة من «سابع المستحيلات»، إلاّ أنه يصر على موقفه مدركاً لأمرين أساسيين؟ الحؤول دون وصول العماد عون إلى الرئاسة، ومنع وصول قائد الجيش العماد جان قهودي إذا كانت المرحلة المقبلة تستدعي وجوده في سدّة الرئاسة.