المايسترو
شهناز صبحي فاكوش
ضاقت الدنيا على «الإخوان المسلمين»، خاصة بعد سقوط أهمّ معقل لهم في مصر بعد نهاية مرسي. عندها بدأت أصوات الداعمين لـ«الإخوان» تعلو وتعمل لصالحهم. كأفضل مكوّن متطرف يمكنه أن يفرّق الصف، ليس العربي فقط، وإنما أبناء البلد الواحد.
وقفت أميركا علناً مع النظام «الإخواني» في تركيا الذي يدافع عنه الكثير من سياسييها، وكذا الباحثين الذين يتبنّون سياسة الإدارة الأميركية، ويروّجون له إعلامياً. وبشكل واسع ومكثف، باعتبار أنه النظام النموذجي للإسلام المعتدل. لذلك هي تدعمه بقوة.
النظام الأردوغاني هو الداعم الأكبر للإرهاب في سورية. فمن تركيا ينطلق الإمداد اللوجستي والعسكري والبشري، وفيها أكبر معسكر لتدريب الإرهابيين، وبنيت فيها معسكرات لجوء قبل الأزمة، لاستقبال المهجرين، ومن بينهم أهالي المسلحين.
لذلك كانت قراءة التآمر على سورية واضحة المعالم منذ اللحظات الأولى، حيث بدأت بسرقة القمح والمعامل والبترول السوري، لاستنزاف الاقتصاد الوطني، مع الحصار الاقتصادي، واليوم محاولة استنزاف قوى الجيش العربي السوري.
أعداء سورية سلّموا عصا المايسترو لضربها، بيد أردوغان، لذلك لم ترق لهم خسارته في الانتخابات البرلمانية الماضية، وسعوا إلى انتخابات مبكرة، اشتغل لأجلها كلّ من يهمّه بقاءه في السلطة، مع حزب العدالة والتنمية بنيله الأغلبية.
لم يبق في منطقة الشرق الأوسط، من حليف متنفّذ واستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية غير تركيا أردوغان، لأنّ دول الخليج بما فيها السعودية، تحالفهم معها هشّ، فقادتها أدوات لأميركا أكثر مما هم حلفاء، لذلك هي تدعم أردوغان في انتخاباته ولو بالتزوير.
أميركا لن تتخلى عن أردوغان تحت أيّ ظرف، لأنها هي التي أنعشت الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، لضرب الإسلام الحقيقي السمح، من جهة بالترويج للنموذج التركي، على أنه الأمثل، ومن جهة ثانية تغذية التطرف بالإسلام الوهابي.
أن يبقى أردوغان على مدى ثلاثة عشر عاماً بحصانة أميركية، جعلته التلميذ المطيع لها، والمنفذ لأوامرها، لذلك من الصعوبة التخلي عنه، فهو يحقق مصالحها في المنطقة ويحميها.
كما يمكنه تحقيق أيّ مطلب غربي، سعياً للدخول في الاتحاد الأوروبي، لتحقيق مكاسب اقتصادية لبلاده، ومكاسب سياسية له، بعد رفضهم لمرات عدة، فنراه يلبّي طلب ميركل في تخفيف إرسال اللاجئين السوريين لديه بزوارق الموت إلى أوروبا.
في الانتخابات البرلمانية التركية واجه أردوغان خمساً وعشرين حزباً، ما جعله يدخل في صراع سياسي حقيقي، يحرك الشارع التركي، والذي كان توقّعْ أركان حزبه أنهم لن ينالوا أكثر من 48 بالمئة. لذلك أصبح الفوز مرهوناً بالتزوير.
تنتهي الانتخابات لصالح أردوغان ليشكل حكومته من لون واحد، بعد إفشاله تشكيل حكومة ائتلافية بعد جولة السابع من حزيران الفائت، الأمر الذي أدى إلى الانتخابات المبكرة، التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية، وذلك على حساب تراجع طفيف لحزب الشعوب الديموقراطي، يحافظ حزب الشعب الجمهوري على مكانته. لكنه لن يكون بالضرورة شريكاً حكومياً. ما يعني أنّ أردوغان لن يغيّر سياسته الخارجية ضدّ سورية بالتحديد، بل قد يكون أكثر تشدّداً ضدّها مع «إسرائيل» والسعودية وفرنسا وأميركا.
أردوغان على مدى ثلاثة عشر عاماً لم يقدّم للأكراد شيئاً، وهم يشكلون ستة عشر مليوناً، فهل يغيّر سياسته تجاههم بعد نتائج هذه الانتخابات، وهو الذي سعى لتحويل نظام الحكم إلى رئاسي ليتفرّد، علّه لم يعد مهتماً لذلك بعد نتائج هذه الانتخابات.
قبل السابع من حزيران همّش مقام رئيس الحكومة، بمصادرة صلاحياته، والتفرّد بالقرارات التنفيذية، ما قزّم دوره، علماً بأنّ منصب رئيس الجمهورية حسب الدستور التركي هو منصب تشريفي، أما اليوم لعله لم يعد بحاجة إلى التغيير، ما يزيد غطرسته.
تُرى ستتطاول عصا المايسترو، ليتغطرس أكثر في سياساته الداخلية والخارجية؟ وما الذي يقصده داوود أوغلو، مهندس السياسة التركية، رئيس حزب العدالة والتنمية الآن، بأنهم يسعون إلى تركيا جديدة؟ كلام يحتمل وجوهاً كثيرة…
هل يشكل العدالة والتنمية حكومته من أطياف سياسية، أم سيحتكر الحكومة حسب صلاحياته؟ هل يغيّر سياساته الخارجية؟ وهو الذي يصدّر النفط السوري والقمح المسروقين لـ«إسرائيل»؟ وتصل مصالحه الاقتصادية معها إلى ستة مليارات دولار سنوياً…!
كيف سيعيد صياغة سياساته الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط؟ وهل سيعمل ثانية لتغيير الدستور ليجعل حكمه رئاسياً؟ هل يتمرّد مستقبلاً على حلفائه وأولياء نعمته؟ وكيف سيتعامل مع المعارضة في بلاده؟ ماذا لو انتشر الإرهاب أكثر في تركيا؟
إنّ غداً لناظره قريب… فلننتظر…